العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ

غداً... سيكون متأخراً جداً!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة قول شائع يحضرني هذه الأيام بقوة وأنا أحاول الكتابة عما يجري من حولنا أو بالأحرى في القلب من بلادنا في عاصمة الرشيد (بغداد)، ألا وهو «الانطباع أقوى من الحقيقة»!

فكل من يتابع تسارع وقوع الحوادث هناك يكاد يخرج «جازماً قاطعاً»! بأن معركة مصيرية كبرى تدور رحاها في بلاد الرافدين بين السنة والشيعة ليس فقط على مستوى المواطن العراقي بل على مستوى الوطن العربي بأكمله لا بل الوطن الإسلامي برمته! وأن من يؤجج نارها هم «الإيرانيون الصفويون»!... سواء انتقاماً للتاريخ أو لأسباب تتعلق ببسط النفوذ! وأن المطلوب من العرب العاربة والمستعربة جميعاً أن يقفوا بوجه هذه الهجمة الشرسة التي تكاد تكون أقوى وأشد خطراً! حتى من الاحتلال الأميركي بل والعدو التاريخي والجغرافي والسياسي الأهم على العرب والمسلمين ألا وهو دويلة الكيان الإسرائيلي.

ليس مهماً الآن، أو على الأقل لم يعد مهماً برأيي بعد كل الذي حصل - على المستوى الانطباع - أن يتصدى من يرفض هذا الانطباع من العرب والإيرانيين لإنكار هذا الانطباع أو تفنيده بالكلام والحجج والبراهين بقدر ما هو مطلوب إرساء وقائع قوية وقاطعة على الأرض تغير من هذا الانطباع وتقلب الطاولة على رؤوس من يروّج له! لماذا! لأن الخاسر من هذه المعركة المجازية أو الواقعية هم العرب والإيرانيون معاً والسنة والشيعة معاً، وأما كيف؟ فبجلوس إيران ومصر السعودية على طاولة مفاوضات صريحة ومباشرة تكون فيها الشفافية والمكاشفة هي الأساس ومن دون شروط مسبقة.

أعرف أن مثل هذا القرار قد يكون صعباً وأن دونه الكثير من المحطات التي يجب أن يتم تجاوزها أو العقبات التي يجب أن تذلل وأن الكثير من تقاليد البروتوكولات والقواعد الدبلوماسية المحنّطة الخاصة الخاصة بالأمن القُطري لكل بلد يجب أن يتم إنجازها أو تجاوزها أولاً! لكن ذلك كله قد يجعل الأمر متأخراً جداً إذا ما أرجئت مثل هذه الاجتماعات إلى الغد بدلاً من اليوم! لماذا؟

ذلك أن كل يوم يمر يتم فيه - وللأسف الشديد - استحضار كل أدوات الفتنة ومقولاتها و»ثقافتها»! فهذا يستحضر مقولات «النواصب» و»السفيانيين» وذاك يستحضر مقولات «الرافضة» و»الشعوبيين» والحبل على الجرار، والأهم من ذلك فإن القتل والقتل المضاد كما هو الشر دائماً تكون آثاره التمدد والانفجار الكارثي فيما الخبير يحتاج إلى البناء والإعمار حجراً على حجر بكل تأنٍ وصبر وطول بال، وهو يحتاج إلى شجاعة الموقف وجرأة اتخاذ القرار حتى من وسط الركام!

صحيح أن البعض قد يشير على أصحاب القرار بأن المعركة بالأساس هي بناء مشروعات سياسية متفاوتة وأن لكل طرف التزامات وصداقات وعهودا ومواثيق و.... لكن الصحيح أيضاً أن الفتنة إذا ما عمّت سوف لن تبقي ولن تذر... وستذهب بالأمور في غير اتجاهات من يخططون لتلك المشروعات السياسية.

اقرأوا معي واحدة من عشرات الدراسات التي تكشف عن أحد أوجه صناع الفتن المتجولة في بلادنا:

تقول دراسة أميركية صدرت حديثاً كما نشرتها مجلة «الأسبوع» القاهرية تحت عنوان: «التقسيم في الإسلام» أشرف عليها وعرضها أستاذ العلوم السياسي جيمس كيرث، تقضي بـ «تعميق التقسيم والتفرقة بين الشيعة والسنة في العراق إلى أن تؤدي إلى الحرب الأهلية لتنتقل بدورها إلى جميع الدول المجاورة وصولاً إلى حد المواجهة النووية بين إيران وباكستان... وأن التقسيمات يجب أن تبدأ بين المسلمين المعتدلين والمتطرفين أولاً ومن ثم تقسيمهم بين مسلمين سنة ومسلمين شيعة... وكما يرى جيمس كيرث فإن العنف الطائفي المتنامي بين السنة والشيعة في العراق سيعجّل بالتقسيم في هذا البلد، وبما أن التقسيم والصراع يعتبر من سمات الكثير من الدول الإسلامية الأخرى وخصوصاً لبنان وسورية والسعودية وباكستان فإن الصراع السني الشيعي سيصبح قوياً ومنتشراً مثلما كان الصراع داخل الاتحاد السوفياتي خلال العقود الثلاثة الأخيرة من الحرب الباردة، وعندها ستصبح الحركة الإسلامية العالمية بلا معنى على الاطلاق إذ سيكون في العالم الإسلامي سنة إسلاميون وشيعة إسلاميون ولكن كل منهما سيعتبر الآخر عدواً له وليست الولايات المتحدة أو (إسرائيل)»... انتهى الاقتباس من الدراسة الأميركية!

ولكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد برأيي، بل إن نتائجه ستكون أخطر بكثير من ذلك... فانحراف البوصلة في الصراعات وتغليب الجزئي على الكلي والفرعي على الأصلي والثانوي على الرئيسي يأتي بكل أنواع الشرور ولن يستطيع بعد مدة أي عاقل، مهما ارتقى في قدرته العقلية، على وقف حركة الدومينو... لأن كل الغرائز والمشاعر والأحاسيس العرقية والإثنية والفئوية والمناطقية والقبائلية والعشائرية والعائلية والشخصانية ستتحرك ولن يسلم منها أحد مهما كان محصناً - كما يظن - لا بالعقيدة الصافية ولا بالتحليل السياسي أو العقلي السليم! لأن الوقت سيكون متأخراً جداً.

انظروا إلى تجربة العراق ملياً... لقد ظن البعض من العراقيين والعرب والمسلمين أن القبول المؤقت والعابر «لدخول» الأميركي إلى العراق قد ينجيه من طاغية أو من تسلط فئة أو طائفة على فئة أو طائفة أخرى، أو أنه سيستبدل نظاماً سياسياً طائفياً بنظام سياسي طائفي آخر أكثر عدالة أو توزيعاً للسلطة! وأن التوازن قد يعود إلى العراق والمنطقة من خلال ذك التدخل بعد أن فشل آخرون أو عجزوا من أهل الإقليم أو من أهل الداخل، فماذا حصل حتى الآن؟

إن أقل شيء يمكن قوله هو أن الجميع يصبح تحت مطرقة القتل والدمار والخراب، وأن الظلم بات منتشراً على الجميع، وأن الفتنة عمّت ربوع العراق، وأن البوصلة ضاعت واختفت من أيدي الجميع وتكاد تفلت من المنطقة كلها... لماذا؟ ذلك أن استحضار القتل الغرائزي و»الفتح» الغرائزي والاستقواء الغرائزي فتنة وشر مستطير، وكذلك استحضار «الانتقام» التاريخي الغرائزي... فهل ينتبه ويستفيق أهل الحل والعقد من العرب والمسلمين قبل فوات الأوان؟!

المطلوب نقلة نوعية في التعامل فيما بيننا وتصحيح اتجاه البوصلة قبل أن تُكسر?

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً