العدد 1569 - الجمعة 22 ديسمبر 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1427هـ

الشعب مصدر السلطات وليس المجتمع الدولي!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

أطرف خبر سمعته قبل أيام هو ماورد على لسان مقربين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقلوا عنه انه يتهم الزعيم الفلسطيني الوحيد المتبقي من جيل المؤسسين لحركة فتح فاروق القدومي، بأنه بات رجل إيران! عجيب غريب أمر السياسة والسياسيين في بلادنا أنا لست هنا بصدد «تبرئة» الرجل من تهمة سرعان ما تلقفها السياسي المحنك ليعلن افتخاره بالتحالف مع دولة مثل إيران وطبعا مع سورية ومع حزب الله وهي البوابة التي ستدخله الى عالم جديد من التحالفات لبقية حياته النضالية. التي كادت مجموعة محمود عباس ان تسحب منه حتى لقمة العيش بسبب الحصار المالي الذي كانت تطوقه به في تونس إذ يقيم بسبب رفضه دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة بتأشيرة إسرائيلية. لكنني استغرب توجيه مثل هذه التهمة لرجل من مثل فاروق القدومي الآن، فقط وفقط لانه أعلن موقفاً مخالفاً لما اعتبره الكثيرون من الفلسطينيين خطوة غير حكيمة وغير مدروسة - أي للدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة - لا تخدم في اللحظة الراهنة سوى مخطط تقويض تجربة حكومة حماس الفتية النضالية. أقول هذا الكلام وانا أعرف أبواللطف - فاروق القدومي - جيداً ومنذ نحو 25 عاماً، وهو الرجل الذي لا تربطه أية رابطة بإيران لا ايديلوجية ولا سياسية ولا فكرية ولا... فهو رجل علماني بامتياز وميوله السياسية بعثية وافكاره الثورية لا تتطابق مع الافكار الثورية المتداولة في إيران منذ قيام ثورتها وفي مختلف المراحل منذ أيام الحرب الباردة مروراً بالحرب العراقية الإيرانية وحرب غزو الكويت من جانب نظام بغداد وصولاً الى التصورات الراهنة لإيران بشأن القضية الفلسطينية... والقيادة الإيرانية لاتزال مترددة تجاه أية خطوة تقاربية أو تحالفية معه... اللهم اذا ما اقترب من قيادات الحركة الإسلامية الفلسطينية... لماذا اذن كل هذا اللف والدوران في الاتهام؟!. فالرجل معروف لدى عباس وغيره بفلسطينيته ووطنيته الخالصة التي لايستطيع لا عباس ولا غير عباس ان يزود عليه وهو ما شرحه القدومي بالتفصيل لدى دفاعه عن نفسه على صفحات القدس العربي. ان محمود عباس يعرف تماماً بأن القدومي في موقفه الذي أعلنه من دمشق إنما يمثل حالة المخاض المستمر الذي تعيشه الجماهير الفلسطينية في الشتات كما في الداخل وهي تحاول الخروج من مشروعات الارتهان للخارج القادم من بعيد لتثبيت الاحتلال ومشروعات تصفية القضية الفلسطينية مرة باسم السلام والتسوية ومرة باسم التطبيع واخرى باسم مكافحة الارهاب وتارة باسم مكافحة الاصولية والراديكالية!... وهي بالمناسبة نفس حالة المخاض التي تعيشها الجماهير العربية والمسلمة في أكثر من عاصمة في المنطقة على طريق الخلاص من حالة الانكشاف الأمني والفراغ الاستراتيجي الذي نعيشه. الا يعرف السيد محمد عباس ان مشكلته مع القدومي هي نفس مشكلته مع كل فصائل الثورة الفلسطينية وهي نفس مشكلة زميله في الزعامة فؤاد السنيورة مع الاحزاب وفصائل المعارضة الوطنية اللبنانية وهي نفس مشكلة المالكي في العراق مع فصائل التمرد والعصيان الرافضين لما يسمى بالعملية السياسية وهي نفسها مشكلة حامد كرزاي مع الرافضين لهيمنة قوات حلف الاطلسي على مقدرات افغانستان؟!. أما آن لهؤلاء الذين يصرون على توجيه الاتهامات لقسم كبير من شعبهم بانه تابع لإيران مرة ولسورية مرة أخرى ولباكستان أو غيرها كما هي الحالة في افغانستان مثلاً بأن المشكلة تكمن في سياساتهم هم المراهنون على الاجنبي واستيراد الحلول من الخارج باستمرار... نعم علينا مواكبة ما يسمى بالتحولات العالمية والاخذ في الاعتبار مايسمى بالمجتمع الدولي والتزاوج في العمل النضالي بين المقاوم والكفاح السياسي والتفاوضي... كل هذا تعرفه فصائل الكفاح والنضال الفلسطيني وغير الفلسطيني ويعرفه تحديدا من بلغ من الكبر عتياً وشاب شعره في النضال لرجل مثل أبوالطف... لكن المشكلة يادولة الرئيس في ان مايسمى بالمجتمع الدولي هو انه ليس متوازناً ولا منصفاً ولا عادلاً ويبخسنا حقوقنا باستمرار وتتوقف كل مقولات الدنيا التي يؤمن بها أو يتشدق بها عند بوابات الدويلة المدللة (إسرائيل)! فهل يصبح بعدها ذنب حماس أو أبو اللطف اذا ما «كفرا» بهذا المجتمع الدولي؟! أو أنهم عادوا الى زمن «البقجه» ... أو انهم لجأوا الى منظمات المجتمع الأهلي الدينية أو المدنية من أجل إعادة أعمال ما تهدم على يد الدويلة الإسرائيلية المجرمة في لبنان كما يعتبر حلم السيد فؤاد السنيورة وبعض «قادة» ثورة الأرز من السياديين الجدد بعد ان انتظر الجنوب اللبناني ومناطق الفقر والحرمان اللبنانية طويلاً في صرف توزيع المعونات الدولية التي إما لم تصل أو وصلت واختفت وذابت في بحر رفاهية الغير! كما يذوب الملح!. ان القضية لمن لايعرف أو يعرف وبحرف نقول هي أبعد بكثير من الخلاف السياسي أو الحزبي أو الفئوي أو الشخصي بني ضد الرئيس أو ذاك وذلك الزعيم أو الرمز أو ذاك من زعماء ورموز الفصائل والجماعات التي تتصدر المشهد السياسي العام في الاقطار العربية والإسلامية... صدقوني انها مشكلة ذاكرة وهوية وانتماء ومعركة قيم واعراف وتقاليد عريقة تحاول شعوبنا ان تتمسك فيها وتدافع عنها حفاظاً على مابقى من مقومات للاستمرار في ظل اطماع رأسمالية متوحشة وعولمة جهنمية لا رحمة فيها ولا هدف فيها سوى تأمين مصالح متعددة الجنسيات من الشركات الأمنية والحربية والاقتصادية التي لا حدود لها!. والحل يادولة الرئيس محمود عباس في فلسطين كما في أي قطر آخر من أقطار وطننا العربي وعالمنا الإسلامي انما يكمن في العودة الى الشعب فهم مصدر السلطات كما ذكرت في خطابك الأخير برام الله بحق... لكن العودة الى الشعب لايجوز ان يوظفها «المجتمع الدولي» من جماعة صناع الفتن المتنقلة الى تخريب أي صيغة لحكومة وحدة وطنية في فلسطين مالم تكن تحت رحمة هذا المجتمع الدولي الظالم وفي لبنان تصبح من المحرمات وفي العراق تصبح حدودها الدم والميليشيات!... وخلاصة الكلام فإن المشكلة تبقى في القدس وبيروت وبغداد ولا تستطيع لا طهران ولا دمشق ولا حتى أكبر عاصمة واقوى عاصمة في الكون أن تغير في شيء من معادلة الاوطان اذا كنت محصناً ضد التبعية!?

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1569 - الجمعة 22 ديسمبر 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً