العدد 157 - الأحد 09 فبراير 2003م الموافق 07 ذي الحجة 1423هـ

إيران بين «مبادئ الثورة» و«مصالح النظام»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

قبل 23 عاما كان العالم يتابع الحوادث الإيرانية ساعة بساعة... لم يكن أكثر الناس سمع باسم «الخميني» من قبل، وكثير منهم كان لا يعرف الاسم الأول للخميني «روح الله» بل إن البعض اعتقد أن «روح الله» إنما هو لقب ديني على وزن اللقب الديني المستخدم في الحوزة العلمية الدينية «آية الله»...

في البحرين كنا نتابع الأخبار عبر محطات الإذاعات المختلفة وكنا نتسلم بعض المنشورات الصادرة باللغة العربية عن الحركة الجماهيرية المتنامية منذ مطلع العام 1978 عندما شنت الصحف الإيرانية هجوما على شخص الإمام الخميني. ذلك الهجوم الشخصي في يناير/ كانون الأول 1978 تبعته احتجاجات في مدينة قم المقدسة دفعت على إثرها ضحايا بعد قمع شرس من قوات الشاه ومخابراته (السافاك). بعد أربعين يوما على ذكرى سقوط عدد من المتظاهرين قتلى خرجت مظاهرات تأبينية في مدينة أخرى تعرضت أيضا لقمع وسقوط قتلى. وهكذا بدأت تتصاعد وتيرة الحركة الاحتجاجية يوما بعد يوم، وهكذا بدأ الإمام الخميني تصدره للحوادث وتوجيهها معتمدا بذلك على إيمانه العميق بقدرة وقوة الشعب الإيراني ومستعينا بشبكة من علماء الدين الذين انتشروا في كل المدن الإيرانية واستجابوا لنداء الشخص الذي ارتبطوا به فكريا ومعنويا على مدى خمسة عشر عاما أثناء نفيه الى النجف الأشرف بالعراق.

وهكذا تم ترحيل الإمام الخميني من العراق (بضغط من الشاه) إلى الكويت، ومن الكويت إلى باريس إذ استقر في حي «نوفل لوشاتو» ليبعث برسائله المسجلة بصورة يومية. وفي ذلك العام كانت التكنولوجيا المتطورة هي (الكاسيت) الذي كان تسجل عليه كلمات الإمام الخميني بصوته ثم يبث على عدد من أرقام الهواتف في باريس إلى المدن الإيرانية، وخلال ساعات ينتشر (الكاسيت) في كل أنحاء إيران، وتخرج الجماهير التي عانت من الدكتاتورية والظلم والحرمان سنوات طويلة، بينما كان الشاه مشغولا بإحياء ذكرى مرور 2500 عام على تأسيس الامبراطورية الفارسية، معتبرا نفسه الخليفة الشرعي لتلك الامبراطورية...

عاد الإمام الخميني في مطلع فبراير/ شباط 1979 بعد أن أصر على رحيل الشاه قبل عودته، وفعلا رحل الشاه إلى خارج إيران، بينما عاد الامام منتصرا في أكبر استقبال يحصل عليه أي قائد منفي يعود إلى وطنه...

عاد إلى إيران كاسرا كل المقولات التي تحدثت عن استحالة سقوط نظام الشاه وعن عدم إمكان كسر الإرادة الأميركية الداعمة لذلك النظام، وعاش العالم ما بين الأول والحادي عشر من فبراير أياما مشهودة. تابع فيها قرار الجيش إعلان الحياد ثم دخول حرس الشاه (الخالدون) المعركة وهجومهم على قاعدة جوية في طهران أعلنت ولاءها للثورة، ثم تابع انقطاع البث الإذاعي لـ «صدى إيران» وبدء البث الثوري «صوت الثورة الإسلامية في إيران» ثم الانفجار الحماسي المؤيد للثورة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ثم انتشار ظاهرة أطلق عليها الغرب لاحقا مصطلح «الإسلام السياسي»، بمعنى الحركات الإسلامية الساعية إلى الوصول أو المشاركة في الحكم في بلدانها، ثم اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ثم بروز بذور طائفية وعرقية هنا وهناك، ثم، ثم... ثم وصلنا إلى العام 2003.

في هذا العام تواجه إيران تحديات داخلية وخارجية. فعلى المستوى الخارجي عادت أميركا إلى المنطقة وهي وإن كانت خسرت إيران فإنها تسيطر على معظم المناطق المحيطة بإيران، والعالمان العربي والإسلامي جميعه يعيش صراع إرادات ويمر بمرحلة خطيرة من تاريخ الأمة.

من الناحية الداخلية فإن إيران تتجاذبها اتجاهات أبناء الثورة بين من يطلق عليهم «المحافظون» و«الإصلاحيون»، أي بين المنادين بضرورة الالتزام بالنص الذي تمأسس دستوريا في الأيام الأولى للثورة وبين الذين يرون ضرورة إعادة قراءة ذلك النص، لأنه ليس مقدسا وإنما نتاج ناشطين مسلمين ثوريين حققوا انتصارات باهرة وواجهوا تحديات كبيرة وعلى أساسها كتبوا دستورا وآمنوا بأسلوبه في نظام الحكم الذي اعتقدوا أنه الأفضل للحفاظ على المبادئ الدينية والمصالح الدنيوية...

إيران «من الداخل» مجهولة لكثير من المسلمين لأسباب كثيرة بعضها يتعلق باللغة وبعضها بالمذهب وبعضها بالطبيعة الإيرانية في التعامل مع السياسة. ولذلك لا يعلم الكثيرون عن إبداعات عدد غير قليل من المفكرين الجدد في محاولة للتوفيق الإيجابي بين «مبادئ الثورة» و«مصالح النظام». وهذان الأمران مازالا يعتبران الإشكالية الأولى التي تعقد السياسة الإيرانية وتبعدها ـ أحيانا ـ عن الحل المتوافر أمام أبناء الثورة، بل وتدفع بعضهم إلى ارتكاب أخطاء مكلفة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 157 - الأحد 09 فبراير 2003م الموافق 07 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً