العدد 1572 - الإثنين 25 ديسمبر 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1427هـ

الخليج وحال اللاخيار

عبدالعزيز بن عثمان بن صقر comments [at] alwasatnews.com

رئيس مركز الخليج للأبحاث

كان تبني مجلس الأمن الدولي بالإجماع للقرار رقم 1696 في أواخر يوليو/ تموز الماضي، فاتحة فصل جديد في التعامل مع قضية الملف النووي الإيراني. فقد جاء القرار المذكور ليعلن «تدويل» عملية التعامل مع الملف النووي الإيراني، ويعلن أن المجتمع الدولي لن يسمح لإيران بتطوير قدراتها النووية العسكرية. ونحن هنا مواطني منطقة الخليج استبشرنا خيراً بخطوة تدويل الملف وإخراجه من حيز «الصراع الأميركي - الإيراني» الذي لا نرغب أن نكون طرفاً فيه، إلى أفق جديد يتمتع بقدر كبير من الشرعية ذلك هو أفق تولي مجلس الأمن الدولي مهمة محاسبة إيران والضغط عليها. وكان لنا أمل كبير بعودة القيادة الإيرانية إلى رشدها والأخذ بنظر الاعتبار أن قرار مجلس الأمن الذي يطالبها بالتخلي عن نشاطات تخصيب اليورانيوم يمثل الإرادة الدولية ويستحق الاحترام. فنحن، كمواطنين ودول نشارك إيران الدولة وشعبها العيش في هذه المنطقة، ولا أمل لنا أو مصلحة بخروج القضية عن حدود السيطرة الدبلوماسية وتطور الأمر إلى مواجهة عسكرية مع دولة جارة مسلمة تشاركنا الدين والجغرافية والتاريخ. شعوب المنطقة ملت وسئمت من التعايش مع الحروب والمواجهات العسكرية وعدم الاستقرار والدماء التي أريقت من دون جدوى والأموال التي هدرت من دون حساب. وكان الموقف الإيراني بعدم الاستجابة لرغبات المجتمع الدولي ورغبات شعوب ودولة المنطقة مصدر حزن وقلق لنا، لأننا نعلم علم اليقين أن إجراءات أخرى قادمة في الأفق آجلاً أم عاجلاً. والحقيقة أن القيادات الإيرانية لم تكتفِ بالرفض الدبلوماسي لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي صدر بناء على الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو الباب الذي يلزم الدولة بالإذعان وبالعقوبات المختلفة في حال عدم التعاون، بل ذهب رد الفعل الإيراني إلى اتخاذ مواقف متطرفة وغير عقلانية تتضمن التهديد والوعيد ومن ضمنها وعود الانتقام من دول المنطقة عبر الإعلان عن تجنيد 55 ألف «استشهادي»، ومزيداً من المناورات العسكرية في مياه الخليج، ومزيداً من تجارب الأسلحة «الخارقة»، ومزيداً من التدخل في شئون الدول الأخرى. وهذه اللغة، لكل صاحب ذاكرة، ليست بالغريبة أو الجديدة. فقد سمعنا هذا الضجيج قبل فترة ليست بالطويلة من القيادات العراقية السابقة، وكنا شهوداً ليس على مصير النظام الذي لا أسف ولا تعاطف معه، بل على مصير الشعب والمواطن الذي دفع غالياً من كرامته ودمه وقوت عيشه ثمن لأخطاء وتعنت القيادات. واليوم يأتي قرار مجلس الأمن الدولي الجديد تحت رقم (1737)، والذي استند كذلك على الباب السابع من الميثاق وأقر بإجماع الدول الأعضاء، ليحاول فرض قيود وعقوبات على إيران بعد فشل القرار الأول. وعلى رغم أن هذا القرار اتصف بعدم الشدة أو الحزم لكونه يفرض «قيود انتقائية» تستهدف برنامج إيران النووي وتستثني الدول من العقوبات فإن هذا القرار لا يمثل نهاية المطاف. فعلى ما يبدوا أن ردود فعل القيادة الإيرانية على هذا القرار لا تختلف كثيراً عن ردود فعلها على القرار السابق. فالرفض والتحدي والتهديد والوعيد كان السمة الغالبة على رد الفعل الإيراني الذي تجسد حتى الساعة. لذلك فإن أزمة الملف النووي الإيراني سائرة للتصعيد خلال العام المقبل. ومسيرة التصعيد ستأخذ شكل قرارات جديدة من مجلس الأمن تكون أكثر شدة وصرامة في فرض المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية على دولة إيران. ودول الخليج لن يكون لها الخيار في تنفيذ قرارات المقاطعة بل ستكون مجبرة، بناء على مضمون الباب السابع من الميثاق، على التنفيذ والتقيد الكامل بمضمون القرار شاءت أم أبت. وفي حال استمرار الرفض والتعنت الإيراني لجهود الدبلوماسية الدولية، وفي حال إثبات محدودية تأثير إجراءات المقاطعة والعقوبات المتصاعدة فإن القيام بعمل عسكري ضد إيران قد يكون الخيار الأخير للأطراف الراغبة والقادرة عليه. ونحن هنا في منطقة الخليج العربي لا نستطيع حماية إيران من سوء قرارات قياداتها. ومن سيقوم بالعمل العسكري لن يحتاج لإذن أو موافقة منا. فالعمل العسكري هو خيار بدعم الشرعية الدولية أو من دونها. ودولة كالولايات المتحدة تمتلك القدرة العسكرية للقيام بالعمل العسكري المحدود عبر توظيف قدراتها العسكرية خارج المنطقة وفي المياه الدولية من دون الاستعانة بأي من دول المنطقة. فدول المنطقة لن تكون شريكاً في العدوان على إيران بأي شكل من الأشكال، ولكنها في الوقت نفسه لن تكون حامياً لإيران وشعب إيران من حماقة قيادات الدولة التي تسير في خط المواجه والتحدي غير عابئة بالنتائج. لنا أمل أن تدرك القيادات الإيرانية أن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مصلحة جماعية تمتلكها جميع شعوب المنطقة ولا يحق للقيادات أن تسير نحو الهاوية لخدمة مصالحها السياسية الضيقة من دون النظر إلى ما سيعانيه المواطن الخليجي عموماً وليس حصراً المواطن الإيراني. فكلنا شركاء في السراء والضراء لكوننا نعيش في المجال الجغرافي الضيق نفسه. نقول هذا وكلنا أمل أن ينصر المنطق والعقل عند جميع الأطراف ليجنبنا ويلات جديدة تضاف إلى ويلات الماضي القريب التي لم نتعافَ منها حتى اليوم?

إقرأ أيضا لـ "عبدالعزيز بن عثمان بن صقر"

العدد 1572 - الإثنين 25 ديسمبر 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً