العدد 1589 - الخميس 11 يناير 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1427هـ

ليكن يوم الغدير منطلقا للوحدة

الشيخ حميد المبارك hameed.almubarak [at] alwasatnews.com

مرت ذكرى يوم الغدير والذي يحتفل به المسلمون الشيعة في كل بقاع العالم، إذ رفع النبي (ص) يد علي (ع) كما في الحديث الذي رواه الفريقان، وقال في لفظ مشهور: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأدر الحق معه حيثما دار».

ولا يشك منصف في أن الإمام علي (ع) حصل من الأوسمة والثناء من جهة النبي (ص) ما لم يحصل عليه أحد من الصحابة، فهو شخصية فريدة لا في تاريخ الإسلام فحسب بل في التاريخ كله، ولكن السؤال هو كيف يمكن أن نجعل من مناسبة الغدير منطلقا للوحدة بين المسلمين وخصوصا في هذه الظروف التي تنذر بفتن طائفية بغيضة وخطيرة؟

وقد تميز الإمام علي بصراحته وصرامته في مبادئه، ولكنه لم يكن يوما من دعاة التفرقة والطائفية الضيقة، فبعد وفاة الرسول مباشرة افترق المسلمون فكان علي معارضا لما أنتجه اجتماع سقيفة بني ساعدة وكان يصرح بأن خلافة النبي هي حقه بلا منازع ولكنه لم يقم بأي عمل يمكن أن يؤدي إلى العنف أو التحريض ضد الآخرين، بل اكتفى بالاعتصام السلمي في بيته مع جمع من خواصه وأهل بيته ثم تحول إلى الاعتزال السلمي وبقي على ذلك زمنا، ولكنه لما رأى بعد ذلك أن في كسر عزلته الاحتجاجية مصلحة عالية للأمة لم يتردد في فعل ذلك، وقد بلغت مشاركته أوجها في زمن الخليفة الثاني (رض)، فكان عمر يستشيره في الكثير من الأمور حتى قال قولته المشهورة : «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»، وكان الإمام منتقدا لبعض سياسات الخليفة الثالث (رض) ولكنه كان ملازما له وناصحا صادقا وكانت العلاقة بينهما دائما بين مد وجزر ولكنها لم تصل أبدا الى حد القطيعة! وقد عبر عن عدم رضاه بقتل عثمان (رض) حين قال عن الذين قتلوه بأنهم جزعوا فأساءوا الجزع.

وعندما تولى الخلافة نتيجة ضغوط شعبية بدأ بالتأكيد على المساواة بين الناس من دون تمييز بين مؤيديه ومعارضيه، وكان كذلك إنسانيا جدا حتى مع المحاربين له والمؤلبين عليه، وقد قال الإمام الشعبي: «لمّا قُتِل طلحة ورآه علي مقتولا، جعل - أي علي - يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيزٌ عليَّ أبا محمد أن أراك مُجدّلا تحت نجوم السماء، ولما جيء له بسيف الزبير بعد مقتله رفعه عاليا ثم قال (سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله) ثم ذكر بحديث رسول الله (بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ) ولما سئل عن أهل الجمل قيل: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا، قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل: فما هم؟ قال إخواننا بغوا علينا. ولما كانت صفين واحتدم القتال فطاحت الرؤوس وقطعت الأيدي والأرجل لم يتمالك بعض أصحاب علي أنفسهم فرفعوا أصواتهم بسب معاوية وأصحابه والوقيعة فيهم فلما سمعهم الإمام زجرهم ونهاهم وقال كما رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم)».

وهذه السيرة العلوية هي بحق منطلق لتأسيس ثقافة الاحترام ونفي الضغائن بين الفرق الاسلامية، وقد حصل في تاريخ المسلمين أن حاول الكثير من المصلحين أن يبنوا على تلك الأسس ويحققوا غاياتها ولكن تلك المحاولات سرعان ما اصطدمت بالتصلبات المذهبية المتكونة عبر التاريخ وانتصر التطرف مرة أخرى وآلت تلك المحاولات الى الفشل والانزواء، فأين هو واقعنا المعاصر عن السيد جمال الدين الشيعي والشيخ محمد عبده السني؟ وأين نحن عن الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي خاطب الشعب العراقي قائلا يا أبناء علي والحسين ويا أبناء أبي بكر وعمر؟ وأين هي ثقافتنا السائدة عن الشيخ محمود شلتوت الذي أفتى بجواز التعبد بالمذهب الشيعي الاثني عشري والإمام الخميني الذي أفتى بجواز ان يصلي الشيعي خلف الإمام السني صلاة جماعة حقيقية لا صورية؟ أو لا يمكن للأمة ان تعيد إنتاج هؤلاء العظماء؟

وها نحن اليوم في أمسّ الحاجة الى أصوات جريئة تكسر الصمت الرهيب وتبدد غيوم الشك والريبة وتهدم الحواجز النفسية وتنفي الأحقاد الدفينة والكراهية المراكمة عبر السنين، ولا يتحقق ذلك بالخطب الرنانة ولا المؤتمرات الطقوسية بل يكون عن طريق القيام بتأصيل جاد وحقيقي يمكن أن يبدأ بتفكيك التراث لدى الجانبين وتمييز الصحيح منه والسقيم وبالتالي التخلي عن التراث المنحول أو الذي لا يمتلك مقومات الوثوق.

فلو أخذنا مدرسة أهل البيت عليهم السلام كأنموذج بين المدارس الإسلامية فسوف نجد في نصوصها الصحيحة ما يفي بهذا الغرض، ففي كتاب أصول الكافي أبواب الإيمان والكفر موثقة سماعة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله، وفي صحيحة حمران بن أعين عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) أنه قال: الإسلام هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك عن الكفر وجروا في الأحكام والحدود وغير ذلك مجرى واحدا.

وفي صحيحة الحارث بن المغيرة (وسائل الشيعة الباب 121 من أبواب العشرة) قال أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق (ع): قال رسول الله (ص) المسلم أخ المسلم هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه. وفي رواية أخرى عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاقد على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى يكونوا كما أمرهم الله عز وجل رحماء بينهم متراحمين مهتمين بما ينوب على بعضهم على ما مضى عليه المهاجرون والأنصار على عهد رسول الله.

فالرجوع الى التراث الصحيح يمثل في نظري الجزء الأساسي لحل المعضلة وذلك لأنها في الغالب تتمثل في التراث المصنوع نتيجة دخالة عوامل عارضة على الأصول الإسلامية الأولى والتي تنتج أفعالا وردود أفعال خارج النطاق الديني الأصيل والواسع. ولذلك نجد إن البلدان الإسلامية تختلف في مستويات الاستعداد لفهم وقبول الفرق الأخرى ومازال مستحيلا على سبيل المثال أن يصدق القضاء الشرعي في بعض الدول الإسلامية على عقد زواج يختلف فيه الزوجان مذهبيا!

وهنا تبرز خصوصية مهمة لمملكة البحرين فيما تمتلكه بأهلها من اقتضاءات التعايش والسلم بين الطوائف على رغم العواصف المحيطة دائما، وقد تعزز هذا الاستعداد في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله وما يتمتع به شخصيا من روح طيبة وحكمة راقية وعقل راجح، كما ان للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ورئيسه معالي الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة دور إيجابي في البحث عن طرق التأسيس العلمي لثقافة التقريب والاحترام وإن كان الطريق أمامه لايزال طويلا وخصوصا أن المعوقات ليست بالقدر الذي يستهان به، فلاتزال توجد حاجة الى بذل المزيد من الجهود والتحلي بالكثير من الشجاعة لكسر بعض الحواجز النفسية الموروثة والمتوالدة في طول الزمان. ولا أخفي هنا إعجابي بالخطوة الكبيرة التي قامت بها قبل ثلاث سنوات جمعية التوعية الإسلامية إذ أقامت موسما ثقافيا تقريبيا شارك فيه علماء ومثقفون من السنة والشيعة وطرحت فيه أطروحات متميزة نظير ورقة سماحة الشيخ عيسى قاسم من جانب الشيعة وأطروحة فضيلة الشيخ الدكتور فريد يعقوب المفتاح من السنة وكان لذلك الموسم نتاج جيد.

فلماذا يا ترى لم نعد نسمع عن فعاليات حقيقية في هذا الصدد لا من قبل الجمعيات الثقافية ولا المؤسسات الفكرية ولا الشخصيات الفاعلة؟ أما آن لهذا الصمت أن ينتهي؟!

إقرأ أيضا لـ "الشيخ حميد المبارك "

العدد 1589 - الخميس 11 يناير 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً