العدد 1594 - الثلثاء 16 يناير 2007م الموافق 26 ذي الحجة 1427هـ

أطفال لجنة ريم الصغيرة يحددون مأوى «بنت البحرين»

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

عقد يوم الخميس الاجتماع الأسبوعي للجنة ريم بجمعية أصدقاء البيئة، وحضرته كمشرفة للجنة على رغم تعب الانفلونزا التي ألمت بي كما ألمت بمعظم البحرينيين في هذا الشتاء المميّز ببرده الغريب الممرض والمنعش في آن. فكرت قبل أن أذهب للحظات بأنني بحاجة إلى الراحة بعد يوم عمل مضن، ومن الممكن أن أطلب من محمد كاظم أو محمد أن يحلا محلي، خصوصا وأن أعضاء لجنة ريم على الأرجح سيتخلف منهم كثيرون عن الحضور لظروف عدة، لكنني تذكرت العهد الذي عقدته مع أعضاء لجنة ريم (قادة البيئة الصغار عمرا الكبار هما) بأن نلتقي كل «خميس الساعة خمس»! قرار أحمد الله أنه يعينني على اتخاذه في كل مرة، ثم يعوضني عن تعبي راحة وعن ثباتي المزيد من الثبات المفعم سعادة ومتعة! أشارككم في قصة اجتماع لجنة ريم لهذا الأسبوع وأعلم أنها ستنقل لكم من الأمل والتفاؤل والفرحة شيئا مما عشناه معا، أنا وأطفال لجنة ريم.

خلال الفقرة الأولى من الاجتماع: «اعترافاتي وتقويم سلوكي خلال أسبوع» وبينما كان أعضاء لجنة ريم يعددون أمجاد الأسبوع البيئية على غرار استمرار استخدام الكأس لغسل الأسنان بدلا من الماء الجاري، وسلوكياته الخاطئة على غرار ترك الإضاءة مفتوحة لساعات بينما نحن في الغرفة الأخرى، وصل أحد الأطفال (أحمد محسن، 11 عاما) متأخرا وأخرج من جيبه سلحفاة صغيرة ووضعها على الطاولة أمام ذهول الجميع قائلا: «أضيفوا للإيجابيات أن أحد أعضاء لجنة ريم أنقذ سلحفاة بحرينية من سلاحف المياه العذبة»!

«اشتريتها من السوق؟ كنت أريد أن أقول لكم أنهم يبيعون السلاحف والطيور في سوق الأربعاء»، أضاف أحد زملائه (تركي) ثم أردف (جاسم): أنا أريدها!

رد أحمد بغضب: «لا طبعا. منذ متى وأصدقاء البيئة يشترون السلاحف والطيور؟»، فردت عليه عضوة جديدة في لجنة ريم (زينب): «نشتريها لننقذها من البائعين، حالها وهي تباع سيئة جدا»، فردّ تركي: «لا، لا أعتقد أن ذلك تصرف صحيح. مكتوب على جدار لجنة ريم: لا تبيعوني ولا تشتروني»، ناظرا إلى حينها منتظرا تعزيزا لفرضيته.

تدخلت في الحوار الممتع كما أفعل دائما عبر عبارات قصيرة تترك المجال للأطفال ليعبروا عن أفكارهم ويتعرفوا على قناعاتهم، مثلما أتعرف عليها من خلال مواقفهم. سألتهم: «فلنضع أنفسنا مكان البائع: ما الذي سيفكر فيه البائع إذا اشترينا البلابل والسلاحف منه؟ وما الذي سيفكر فيه إذا لم نشتريها؟».

أجاب أحمد على الفور: «إذا اشترينا سنشجعهم على صيد المزيد»، وأضاف تركي: «إذا لم نشتر فلن يستطيع بيع ما لديه وسيفكر أنها تجارة غير مربحة». وأضافت هند (عضوة جديدة من المملكة العربية السعودية): «وربما يرجع السلاحف والطيور التي لديه إلى بيئتها... صحيح؟»

هززت رأسي مؤيدة. وسألت أحمد محفّزة له على الاسترسال «لكن من أين لك هذه السلحفاة؟ هل اصطدتها من (الساب) الذي أخذتنا له قبل شهور لترينا فيه الضفادع؟»، فرد أحمد بقوة: «لا طبعا! لا يمكن أن أصيد سلحفاة، لماذا أتحمل إثمها؟ هل تصدقين أنني أفعل ذلك أستاذة؟». ابتسمت له وقلت: «لا، ليس بعد أربع سنوات من تربيتك البيئية، ولكن زملاءك يريدون أن يعرفوا منك، فمعظمهم جدد، من أين ولماذا؟»

فاسترسل أحمد بلسان الخبير: «اصطادها أحد أصدقائي من ساب (أي مجرى مائي) وصادرتها منه، ولكنني احترت إلى أين آخذها؟ هل أعيدها للساب؟ ربما يصطادها هو أو غيره من جديد. أريد أن أعيدها لبيئتها الطبيعية لكنها غير آمنة»، فأسرع جاسم يجيبه: «اعطني إياها أنا سآخذها معي إلى البيت. أنا أحب السلحفاة وسأعتني بها». فرد عليه أحمد: «لا» وأكمل سلمان: «كيف ستعتني بها؟ هل تعرف الطعام الذي تحبه؟» أجاب: «نعم، سأشتري علية عليها صورة سلحفاة»، فرد تركي باستهزاء: «ألم تسمع عن الغش التجاري؟ ثم من قال لك أنها تريد أن تأكل نفس الطعام كل يوم؟ هل تحب أنت أن تأكل مجبوس مجبوس كل يوم؟» ضحك الجميع لكن جاسم استمر مدافعا عن رغبته في أخذها للبيت: «أريدها» فأكمل هاشم (شقيق جاسم): «هل تذكر فرخ الدجاج والطيور الذين ماتوا؟ هل تريد أن تكسب آثام بسبب السلحفاة أيضا؟»، رد جاسم: «ولماذا اكسب سيئات؟ أنا لم أقتلهم، هم ماتوا لوحدهم»، فرد عليه تركي: «وهذه أيضا ستموت لوحدها دون أن تعرف أنت لماذا». وسألته زينب: «أين ستضعها؟، فقال: «في حوض»، فرد عليه سلمان: «هي تريد أن تسبح وتتحرك، لماذا تسجنها؟»، وأضافت هند: «السلحفاة من البرمائيات، يعني تحتاج الماء واليابسة، صح؟ ربما تموت إذا أجبرتها على البقاء في الماء» وأردف تركي: «هل تعرف درجة حرارة الماء المناسبة لها؟»، وأكمل أحمد: «بيئتها الطبيعية توفر لها كل ما تحتاج من طعام ومخابئ من الأعداء ومكان للنوم ومكان للعب ودرجة حرارة مناسبة وأصدقاء». قال جاسم: «سأكون صديقها وسألعب معها وأخرجها أحيانا للبر وأحيانا أتركها في الماء وستفرح معي». رد عليه تركي: «تقصد أنت ستستمتع بها، كيف تعرف أنها سعيدة؟ هي لا تتكلم». أضاف سلمان: «لكنها تتكلم مع السلاحف الأخرى وتلعب معهم وتستمتع، لماذا تريدها أن تكون وحيدة؟» وأضافت زينب: «أيضا تتكلم مع الله وتشتكي له عليك».

على رغم كل ذلك ظل جاسم مصمما على موقفه. أسعدني أن الأعضاء الجدد والأقل خبرة تفاعلوا بشكل جيد حتى أنهم كانوا يتعلمون مما يقال ويبنون عليه. ولكي أحسم النقاش الذي استغرق معظم وقت الاجتماع ولكي ننتقل للفقرات التالية ونقلل من غضب أولياء الأمور الذين سيحضرون عند السابعة، قلت لجاسم إنه بعد إذن أحمد يستطيع أخذها بشرط أن يهيء لها بيئة مثل بيئتها الأصلية. عندها أدرك جاسم أنه لا يعرف بيئتها الأصلية، واتفقنا جميعا على أن نأخذها في الغد إلى بيئة شبه طبيعية، أعدت بجهود كبيرة جدا لإنقاذ السلاحف من الانقراض، فإذا أحس جاسم واقتنع أنه يستطيع أن يصنع لها بيئة شبيهة فسنحضر له سلحفاة أخرى.

ختمنا الاجتماع بشعار: «لا لشراء السلاحف»، واتفقنا مع أولياء الأمور على رحلة صباح الجمعة للأطفال. عند العاشرة تجمع الأطفال في مقر جمعية أصدقاء البيئة بمدينة حمد وانطلقنا في سيارتين إلى محمية العرين، هناك استقبلنا بعض الشباب البحرينيين المثابرين من قسم الطيور ورحبوا بالأطفال وشكروهم جدا ووعدوهم بالعناية بسلحفاتهم الصغيرة ليزوروها كما يحلو لهم في بيئتها الجديدة.

قبل أن نعود من تلك الرحلة طلبنا من الأطفال أن يختاروا اسما للسحلفاة: تعددت المقترحات على الأخص وأن اسم «ريم» سبق استخدامه لسلحفاة أخرى أخذناها للعرين قبل أشهر، ثم استقر الرأي على اسم وافق عليه جميع الأطفال: «بنت البحرين»، وعندما أخبرهم الموظف المختص أن الاسم يشير إلى جنس السلحفاة وقد لا يكون ذلك صحيحا، رفض الأطفال تبديله وقال جاسم: «لا يهم، المهم أن سلحفاتنا الصغيرة بالنسبة لنا لن تكون في بيت أي أحد ولن تسجن بل ستحيا سعيدة في بيتها لأنها بنت البحرين... كل البحرين».

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1594 - الثلثاء 16 يناير 2007م الموافق 26 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً