العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

الوجاهة والمنصب

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن المناصب كالداء إن جاءت على غفلة إلى أشخاص لم يتوقعوها أو يكونوا أهلا لها... فهي قد تؤذيهم أكثر مما تنفعهم، على المدى الإنساني البعيد! وقد تجر ويلاتها عليهم ما بين ليلة وضحاها فيفقدون توازنهم وخصوصا في بلادنا هذه... حينما يكرم المرء وقد يهان بعدها أيضا وذلك بتجريده من منصبه وبجرة قلم ومن دون أية مقدمات أو مواساة لظروفه! فيسقط ذلك المعتز والمغرور بمنصبه في الفخ والكمين المعد له من دون إدراك! (وينطبق ذلك على الجنسين ولكنني تجاوزا سأختار صيغة المذكر)، وقد ينعزل ويبتعد عن المجتمع أو ربما يختل عقله وما يصعّب ذلك هو صغر حجم البلاد وتداخل المجتمع وتعارف أفراده على بعضهم بعضا ما يزيد من قسوة الهبوط والاختباء أو الابتعاد عن الأعين!

فالمنصب له سحره الجبار، ففي بداياته يلقى المتنصب لذلك المكان الرفيع كل السلامات والاحترامات من قبل الآخرين بشكل لم يعهد له مثيلا... إذ يكون مؤدبا في المواظبة بعلاقاته وقواعده الدقيقة رقيقا في إصدار الأوامر! وبعد فترة وجيزة وحالما ينغمس في الدور وفي الكرسي السحري... ويصدق نفسه يبدأ في تعظيم ذاته والتواصل مع محبي القشور المزيفة وتزيين الواقع بها! يبدأ بتبديل أثاث مكتبه وقد يكون استبدل حديثا! ثم تغيير طاقم السكرتارية وما تطوله يداه من الموظفين غير المؤهلين لأداء التحية والاحترام والإذلال التام لشخصه الكريم.

ثم تأتي الخطوة الإضافية للحصول على لقب يشرفه ويميّزه عن بقية الخلق مثل استعمال لقب سعادة، أو قد يحتاج إلى لقب دكتور أو أستاذ قبل السعادة، إلخ... وتتغير سيارته وبيته وهي من معطيات المنصب كحوافز، إضافة إلى المبالغ الضخمة للمحافظة على المستوى اللائق، وأحيانا تتغير أو تضاف زوجة ثانية لزوم المنصب أيضا!

وبعد فترة بسيطة من تصديق تلك الحقيقة يتغير سلوكه فيزداد شراسة وفضاضة وعصبية، كل ذلك توابع لإثبات الأهمية، فعوضا عن أن يقوم بواجباته تجاه تطوير القطاع الذي تسلمه ومساعدة المواطنين في الحصول على الخدمات الأساسية، بات مشغولا بحب الظهور في الصحف والتلفزيون باستقبال السفراء والمهتمين وتوديعهم، وافتعال مناسبات سطحية للبروز على الساحة الإعلامية مما لا يضيف شيئا على الإطلاق إلى المواطنين الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى الخدمات (المنسية).

ومادام لا يحاسبه أحد فلا بأس من التمادي، واستغلال المنصب كي يحرز لنفسه بعض المكتسبات المادية والمشروعات الحيوية!

وتمضي السنوات وقد لا تمضي إلا سنة واحدة فقط، وهو مازال في غفلة من الزمان، أو الزمان في غفلة منه، إلى أن يأتي دوره في الاستبدال، حينها تزلزل الأرض تحت قدميه ويجد نفسه وحيدا عائدا إلى عالمه القديم المحدود الذي كان فيه، ولكن مع الفارق والفراغ الكبير الذي عاد إليه من دون رفاق الدرب القدماء والذين رماهم وتخلى عنهم عند الصعود! ظانا أنه سيبقى فيه إلى الأبد ولم يعد معه أيضا أحد من الحاضرين المتسلقين المتحذلقين ممن قام بتقريبهم منه لزوم المنصب... لأنه يعرف تماما أنه قد اختار خدما للسلطان وليس موظفين، فهم عبيد لمن غلب!

كل ما أرجوه أن يحترس هؤلاء أثناء صعودهم، وأن يتذكروا أنه «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع»، ونأسف أن يصيب أحدكم داء السعادة هذا... لأنه مرض خطير لا يُصاب به سوى المغفلين!

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً