العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ

عنــدمـا يفــرض المنــطق السياســي نفســه على القـــضاء

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

الملاحظ على المشهد القضائي العام الذي يحكم العرب والمسلمين أنّ سياسات الكثير من الدول في إدارة اتّهاماتها لغيرها لا ترتكز إلى الحدّ الأدنى من الموضوعيّة التي ترتكز إليها إدارة الاتّهام في المجال القضائي، ولاسيما اذا عرفنا أن المنهج القضائي في إدارة أيّ اتّهام يتحرّك في إطار تجميع المعطيات الواضحة والدلائل الدامغة بهدف تكوين صورة يُمكن من خلالها توجيه الاتّهام إلى هذه الجهة أو تلك، أو إلى هذا الشخص أو ذاك. كما أنّ تلك المعطيات تكتسب - في القضاء - صفة موضوعيّة تفترض وصول كلّ من يطّلع عليها إلى النتائج والحقائق ذاتها، ولا تبقى في دائرة الظنون الشخصيّة التي لا تعكس واقعا خارج دائرة الشخص؛ الأمر الذي يحقّق للعدالة عناصرها الواقعيّة بعيدا عن الذاتيّات والمصالح.

كما يلاحظ على المشهد الدولي أنّ الحركة السياسية بين الدول تقوم على أساس تحقيق المصالح الذاتيّة لهذه الدولة أو تلك، بالمستوى الذي تُجمّد فيه كلّ القيم الأخلاقيّة، وحتّى القانونيّة والقضائيّة، ويتحرّك على أساس مبدأ: «الغاية تبرّر الوسيلة»، لكن الطريق التي أدخل فيها الرئيس الأميركي جورج بوش بلده والعالَم كلّه في حربٍ مع العراق على أساس امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ممّا تبيّن - باعترافه - أنّه لا واقع له. وكذلك في إدارته لاتّهام إيران بالسعي إلى امتلاك السلاح النووي، في ظلّ عدم وجود أدلّة على ذلك، بل نجد - في مقابل ذلك - التأكيدات الإيرانيّة المتنوّعة على أنّ المشروع النووي الإيراني سلميّ، وخصوصا في ظلّ استمرار إيران في التعاون مع وكالة الطاقة الذرّية التي أكّدت أنّه ليس هناك ما يشير إلى ما يتّهمها به الرئيس الأميركي.

إن من أخطر الأمور أن ينعكس مثل هكذا تعامل على المرجعيات والجهات الدينية - كما لمسنا ذلك في كثير من المواقع - إذ إنها لم تتثبّت في إطلاق الاتهامات في القضايا السياسية والدينية، الأمر الذي انعكس مزيدا من الإثارة فزادت الأمور تعقيدا على كثير من المستويات. لقد ساهمت هذه الطريقة اللا قانونيّة واللا أخلاقيّة في التعامل بإدخال لبنان في فوضى الاتّهامات لهذه الدولة أو تلك في الاغتيالات التي حصلت خلال العامين الماضيين، أو في الجدل الذي يثور داخليّا - ونسمعه في الإعلام - حول شرعيّة اعتقال الضبّاط الأربعة، أو في شرعيّة اعتقال الاعلاميّين الثلاثة. بالإضافة إلى الجدل الدائر حول المحكمة ذات الطابع الدولي، إذ يتحدّث البعض عن تسييسها في الوقت الذي يركّز المطالبون بها على ضرورة إبقائها في الإطار القانوني الذي يُعاقب الجناة، ولا يُدخلها في عمليّة تصفية حسابات سياسية.

إنّ أخطر ما في هذا التعامل أنّ غلبة المنطق السياسي على حركة الاتّهامات بات يمارس ضغوطا على القضاء، بحيث لم يملك فيه القضاة - حتى مع نزاهتهم - الحرّية في إبداء رأيهم القانوني ممّا يُخالف الهوى السياسي العام. وعندئذٍ تنعدم - تماما - أيّة ضوابط تحقّق التوازن في حركة السياسة والمجتمع. لأجل ذلك كله تفقد الشعوب ثقتها بالمؤسّسات القانونيّة الدولية، كمجلس الأمن، إذ يسود تغليب لغة المصالح لهذه الدولة الكبرى أو تلك على لغة القانون الدولي، وكذلك بالنسبة إلى القيادات السياسيّة التي تتحرّك بعيدا عن المنطق القضائي القانوني في عملها السياسي، وتتحرّك وفق أهوائها السياسية أو أهواء طوائفها وفئويّتها.

لقد بات من الضروري الآن أن يعود جميع السياسيّين اللبنانيّين إلى الأخلاقيّة القانونيّة التي لا تُدير حركة البلد من خلال المصالح الشخصيّة، وتصفية الحسابات، فتُدخل البلد في الفوضى السياسية التي تستتبع فوضى أمنيّة، من حيث تسمح لأجهزة المخابرات المتنوّعة بأن تلعب على التناقضات التي تخلقها هذه الطريقة في إدارة شئون الناس والبلد. والكفّ عن تناول القرارات أو المشروعات التي صدرت في مجلس الأمن بحقّ لبنان، سواء فيما يعود إلى الصراع مع العدوّ الصهيوني، أو فيما يعود إلى التحقيق في جرائم الاغتيالات التي شهدتها الساحة اللبنانيّة خلال العامين الماضيين، من خلال منطق المزايدات أو العصبيّات أو الارتهان إلى الإرادات الخارجيّة المهيمنة على مواقع القرار الدولي؛ لأنّ عدم التوفّر على الدراسة الدقيقة والمليّة للخلفيّات الكامنة وراء أي قرار أو مشروع دولي يوحي بنوعٍ من السذاجة الفكريّة، فضلا عن أنّه يعكس شيئا من الاستخفاف بالمسئوليّة حيال المصلحة الوطنيّة العليا، والقول المأثور يقول: «إذا غلب الفساد على الزمان وأهله وأحسن إنسان ظنّا بإنسان فقد غرّر».

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1603 - الخميس 25 يناير 2007م الموافق 06 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً