العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ

ما قيمة خساراتك البيئية يا وطني؟

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

تكمن أعظم ثروات الأرض في الغابات الطبيعية والصحارى والجبال والسهول والبحار والأراضي الرطبة التي تكون أهم الموارد الطبيعية التي تدعم الثراء الطبيعي والتنوع الحيوي من خلال موائلها الطبيعية المهمة التي توفر المأوى والمسكن والمأكل ومكان التكاثر والعلاقات التساهمية المختلفة للكائنات الحية ضمن أنظمة حيوية معقدة تكفل للحياة استمرارها لتدعم كل أنواعها الإحيائية في اتزان ونظام عجيبين.

كيف تدار هذه الثروات في العالم؟ وكيف تتم الاستفادة من كائناتها ومواردها في كل مكان؟ وحدها الإدارة السليمة عبر أنظمة مدروسة تقدر على الحفاظ على هذه الموارد بل وتنميتها مع استمرار الاستفادة منها. ووحدها الإدارة السليمة تملك وضع أساسيات الاستخدام الرشيد والتنمية المستدامة التي تؤمن اقتصادا مستقرا وإذا نظرنا إلى الممارسات على أرض الواقع في كل مكان من العالم نجد أن النوع السائد هو الاستخدام غير الرشيد للموارد الذي أدى إلى استنفاد موارد مهمة والقضاء على موائل ثرية وانقراض كائنات حية كثيرة حول العالم قبل أن تتاح الفرصة لدراسة الكثير منها. ومن خلال دراسة للواقع يعتقد الدارسون أن سيناريو (السوق أولا) من سيناريوهات مصير البيئة والغالب في العالم سيؤدي في أفضل أداءاته إلى الحفاظ على أنواع معينة أو تنوع حيوي محدود بسبب حاجة السوق له، بغض النظر عن الأنواع الأخرى أو الأشكال والصنوف الأخرى من التنوع الحيوي بل وربما على حسابها ايضا كأن يتم القضاء على كائن حي ما (المفترس) عمداَ بهدف إكثار الكائن المرغوب سوقيا (الفريسة) في موئله الطبيعي. ويتم نقله إلى بيئة مخصصة لإكثاره بهدف التحكم أكثر في إنتاجه ووفرة مخزونه الغذائي (لحمه أو ثماره) ما يدخلنا في باب جديد وهو الهندسة الوراثية والتي من خلالها قد تطال هذا الكائن (المحافظ عليه) يد التلاعب الجيني عبر عمليات معروفة عالميا (لها مؤيدوها ولها معارضوها) في سبيل إنتاج أنواع جديدة تلبي حاجات الإنسان بشكل أفضل أو على الأقل هكذا يعتقد في الوقت الراهن. وتكون تلك التغييرات غير قابلة للإعادة أو الارتداد لما كانت عليه وبذلك يخسر العالم تلك الأنواع الأصيلة للأبد وبالتالي ميزاتها التي لم ينتبه لها أو لم يكن بإمكانه توريثها قبل أن يغير من تركيبها الجيني، والأسوأ من ذلك أن تغييرا بيئيا قد يحدث بعد ذلك وتعجز معه الأنواع المهجنة أو المعدلة وراثيا على الصمود؛ لأن الجين الذي تم تعديله كان يحوي من الخبرات ما كان من الممكن أن يساعد الكائن على التعامل مع تلك التغييرات ، ففي أول الأمر وآخره، نحن بشر «عرفت شيئا وغابت عنك أشياء». تأتي بعد ذلك البنوك الإحيائية حيث تحفظ أجنة الكائنات الحية ليتم حث نموها في الوقت المناسب، ومدى مقدرة هذه التقنية على الحفاظ على تمثيل كافٍ للتنوع الحيوي على سطح الأرض ومدى مطابقة الكائن المنتج للكائن الفطري الذي يفترض أنه يمثله في شكله وصفاته وسلوكه وطباعه ومهاراته وخبراته وبالتالي مقدرته على البقاء.

ونعود معا من تلك التأملات إلى نقطة الأصل: ما هي القيمة التي من الممكن أن نضعها لكائن حي أو موئل طبيعي أو نظام حيوي؟ بكم نقيم خسارة ساحل عراد والمساحات الكبيرة من خليج توبلي التي كانت تمتد لتلتقي مع عذاري الضاربة في تكوين الإنسان البحريني ونخيل بني جمرة التي بكت وهي تقتل دونما مجيب ومياه الحنينية العذبة التي لم يعرف لطعمها مثيل بين عيون البحرين العذبة وغزال الريم البحريني وهو يركض في البرية بحرية ومرح يلعق ملح البحر في الصباح الباكر ليعود إلى بريته التي لم يعرف أجداده غيرها وطائر البلبل البحريني بصوته الذي لا يطرب البحرينيون لصوت كصوته وصافي الزيان الذي يتحسر عليه محبو البحر ويرثيه الصيادون والحويت الذي تحبه أمي ونساء كثيرات من ذلك الجيل الذي لعب مع «القباقب» على السواحل فهو يذكرهن بطراوة الماضي البسيط وأسماك عين أم الشعوم التي لا تشعر بمعنى اسمها من دون تلك الأسماك وقبور عالي التي تقول للعالم هنا كانت دلمون وبيوت المحرق القديمة وشكل المدينة الأثري الذي تذكره البحرين بأسرها بحسرة، فكيف تكون البحرين من دون المحرق؟ هل نستطيع أن نضع رقما (بالدينار البحريني) مقابل كل خسارة من تلك الخسارات؟ ما هي الأسس والاعتبارات التي تؤخذ لذلك؟ ومن يدفع ثمن الخسائر البيئية المهولة لكل منها؟ إذا استطعنا تحقيق ذلك فعندها فقط يمكن استخدام تقييم الخسارات البيئية كسلاح أو تهديد لمن تسول له نفسه تدمير الموائل والقضاء على الكائنات، أو ربما كأداة إدارية للحفاظ على البيئة أو كوسيلة متاحة لنشر الوعي البيئي فكما يقال: «عندما يتحدث المال يصمت الجميع».

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1608 - الثلثاء 30 يناير 2007م الموافق 11 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً