العدد 1610 - الخميس 01 فبراير 2007م الموافق 13 محرم 1428هـ

لبنان بين مخاطر «الانتداب» و«هواجس الاحتضان»!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

فأل حسن أن تكثر التوقعات باقتراب انفراج الأزمة التي باتت مستعصية على «الحل الحواري والتشاوري من داخل لبنان» مع زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي لطهران الأمير بندر بن سلطان.

وفأل خير أكثر أن نسمع باحتمال توسع جهود البلدين المسلمين الشقيقين السعودية وإيران لتشمل المساهمة في انفراج الحلول «التصالحية» بين العراقيين دفعا للفتنة المسمومة بين السنة والشيعة وخلاص العراقيين من حروب الاقتتال الطائفية.

وفأل خير إضافي أن نسمع بأن الجهود الإيرانية قد تفرز فيما تعزز عن عودة الود المفقود بين الرياض ودمشق منذ مدة على خلفية الاختلاف في قراءة وقائع وحوادث الملف اللبناني.

وسيكون فأل الخير الأكبر إذا ما سمعنا عن قرب انتهاء حقبة القطيعة بين طهران والقاهرة على يد أي من يريد الله سبحانه وتعالى أن يسدد للقيام بهذه الخطوة المباركة ويوفقه في إنجازها بالسرعة القصوى!

كل ذلك جيد ومؤثر على وجود مساع حميدة لرأب الصدع بين الأخوة والأشقاء وإعادة الحياة إلى أدبيات حسن الجوار من جهة وأدبيات التفاهم العائلي والأسري.

لكن شرط نجاحه على ما أظن واعتقد وبات معروفا لدى الكثيرين هو في وجود إدارة داخلية لبنانية - في حال لبنان - وعراقية - في حال العراق بان تكون كلمة الفصل في قضاياهم هي لأهل الداخل أولا ،ومن ثم للإخوة والجيران والأشقاء وبعد ذلك بكثير للأصدقاء أو ممن يتطلعون ليكونوا «أصدقاء» أو يزعمون ذلك فتوضع دعاوهم ومزاعمهم تحت الاختيار والامتحان!

نعم فالمشكلة في لبنان - ودعونا نبقى فيها - هي بالأساس اختلاف حاد بين مدرستين ومنهجين في التفكير بين اللبنانيين أخذ يكبر ويكبر عبر الأيام والأسابيع والأشهر والسنين تداخلت فيه كل عناصر الاشتباك الإقليمي والدولي الصديق والعدو حتى أنتج حربا أهلية ودينية ومذهبية وطائفية مقيتة ثم أفرزت الحلول التسووية و»المؤقتة» له بعنوان اسمه اتفاق الطائف... إلى ان أعيد فتحه من جديد من خلال حادثة الاغتيال الإجرامية الملغومة والغامضة والملتبسة لرئيس الوزراء الراحل الحريري.

وهنا بالذات انفتح الجرح المندمل من جديد وعادت المدرستان المتصارعتان إلى حلبة الصراع السياسي وعادت بعض الفرق والنحل إلى «عادتها القديمة» وانقسم الشارع السياسي اللبناني بين من يريد إحياء مقولة وفلسفة «قوة لبنان في ضعفه»! إي إعادة لبنان إلى ما قبل الوعي العروبي والإسلامي والسياسي الحر التقدمي المتواصل مع محيطه ؛أي قطعه عن كل هذا المحيط وربطه مباشرة فيما وراء البحار تحت ستار وشعار «الاستقلال والسيادة والحرية».

وبين من أوصله وعيه وخبرته وتجربته ومعاناته وتضحياته وممارسات أعدائه وخصومه «بان قوة لبنان واستقلاله وسيادته وحريته في قوته الذاتية تحديدا»!

الفريق الأول أفرز ما سمي بثورة الأرز ووضع في صدر أولوياته القطيعة مع دمشق وطهران وصولا إلى المطالبة بماسماه بعودة «الانتداب» بكل صراحة!

بينما تمسك الثاني ولا يزال وبكل قوة بأن لاحل ولاحلول ولا تعايش ولا بقاء للبنان السيد والمستقل الا بتعايش جميع أبنائه في إطار خصوصية لبنانية مستقلة عن التجاذبات الإقليمية والدولية ولكن متواصلة بقوة بمحيطه العرب والإسلامي؛ لان ذلك فقط هو الذي من شأنه أن يجنب لبنان إعادة إنتاج حروب طائفية أو مذهبية أو أهلية جديدة كما يمنع ابتلاعه من قبل القوى الكبرى سواء عبر عدوه المباشر واللصيق به جغرافيا أي «إسرائيل» أو خصوم لبنان والعرب البعيدين أيا كانوا.

والفرق بين الفريقين هو في الآتي:

1. الفريق الأول يشعر بأن مشروعه لا يستطيع أن يقوم إلا بالاستقواء بقوى عظمى تستطيع أن تقمع جيرانه من العرب أو غير العرب عندما يختلف معهم.

2. ان استقلاله وسيادته وحريته التي يبحث عنها لا تتشكل ولا تتبلور إلا في ظل مشروعات عالمية كبرى متعددة الجنسيات من شأنها أن تمنح لبنان «دورا» ايا كان ومهما يكن «دونيا» في الظاهر الا انه يحفظ له كيانه ويجنبه ذوبان خصوصيته!

بينما الفريق الثاني يعتقد:

1. أن مشروعه يمكن أن يقوم على قواعد متينة من العيش المشترك والتعايش السلمي التعددي بين مدارس التفكير المختلفة وشرط ذلك أن يتحصن من الداخل بعدم تدخل القوى العظمى وخصوصا العدو اللصيق بأرضه ؛أي الكيان الصهيوني «إسرائيل».

2. أن استقلاله وحريته لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إبداع الخصوصية اللبنانية الذي يمكن أن يشكل إضافة للعرب والمسلمين في معاركهم الفكرية والسياسية الكبرى وعندما يكون لبنان قويا ومنيعا تجاه الإغراءات الإسرائيلية أو الضغوطات.

ماذا تستطيع السعودية وإيران أن تقدم لهذين الفريقين من عون في تجاوز هذه المحنة «الخلافية»؟

هنا يكمن الدواء! وهو مشروط بالتسخيص الدقيق والموحد للداء ألبتة ؟!

ثمة من يعتقد في إيران بأن «المعجزة» التي يمكن أن يسطرها البلدان هو في إقناع اللبنانيين أجمعين بالاستفتاء عن فكرة الاستقواء بالخارج والاستناد للتوافق الداخلي بأي ثمن يمكن للبلدين أن يقدما ما عندهما من إمكانات للبنانيين!

ان الاستقواء بالخارج - اي خارج كان - هو تحميل لبنان ما لايطاق وإعادة إنتاج حروب داخلية له.

لكن ترك لبنان لوحده أمر لا يجوز أيضا ،فلبنان جزء لا يتجزأ من نسيج المنطقة ذات الهوية العربية والإسلامية. وعلى الجميع بمن فيهم السعودية وإيران وسورية أن يتعلموا كيف يستلهمون من لبنان الدروس والعبر والإضافات الإبداعية في مجال التعددية والتنوع والتعايش والعيش المشترك... وهذا ما يساعدهم على إنجاز مهمتهم «العونية» والاسنادية له بنجاح وامتياز!

وهذا هو سر وامتياز اختلافهم عن المحور الأميركي - الفرنسي - البريطاني - الذي يريد أن يأخذ من لبنان ويأخذ فقط ويعطي لـ «إسرائيل» وإذا ما أحسنا الظن فانه يتقاسم مع «إسرائيل» ما أخذ من لبنان غصبا أو حياء!

إن على طهران مهمة دعم التضامن العربي بشأن لبنان بكل قوة حتى يعود العرب مجتمعين مع سورية إلى جانب لبنان. وعلى العرب احتضان طهران وإعادة الحياة الدفاقة بينها وبين القاهرة، خصوصا على خط دعم واسناد لبنان والعمل سريعا لإنقاذ العراق وهما عملان سيؤديان بالتأكيد إلى التفرغ لحل القضية الفلسطينية.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1610 - الخميس 01 فبراير 2007م الموافق 13 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً