تناولت في المقال السابق موضوع الطاقة ومروجيها، والادعاء بالقدرة على تغيير مساراتها وكيفية استغلال الأديان بشكل غير مباشر لاختصار الطريق للدخول على المتهمين في هذا المجال من المتدينين منهم.

وكل من يحاول أن يكون وسيطا يحرك الأقدار والطاقات بقليل من الفهلوة وادعاءات علمية محدودة ومن دون أية إثباتات ملموسة حقيقية ويصبح مدرسا يقوم أو تقوم بنشر هذه الشعوذات بالقول إنه يجب الإيمان فقط بما نقوله ومن دون مساءلة وإلغاء العقل والتحليل... بما معناه أن الغيبيات هي سلطان ويجب علينا الاستسلام لها من دون نقاش، ونتصرف معها بكل ثقة واحترام... عجيب هذا القول وبذلك يقوى هؤلاء ويفرضون سيطرتهم على المساكين والضعفاء والإيحاء لهم بأنهم قادرون على مساعدتهم في الحصول على رغباتهم في الحياة... بالواسطة وبأن يكونوا وسطاء، مع العلم بأن الأديان السماوية واضحة وأن الخالق لا يحتاج إلى وسيط وجميع القنوات مفتوحة لعباد الله تعالى.

لي تجربة ظريفة حدثت أثناء دعوتي إلى مؤتمر في اكسفورد في قصر في منطقة جميلة جدا ما بين الطبيعة الخلابة الخضراء، وكان المؤتمر يتناول موضوع الروحانيات من تأمل ودعوة إلى الخير لإحدى الفلسفات الحديثة والتي نشأت في العام 1930 بقيادة أحد الهنود، وكنت مقتنعة جدا بممارسة التأمل لما فيه من تقوية للتركيز والبصيرة الغيبية، إلخ... ومن دون الانتماء إلى أية منظمة أو جمعية، وكان في المؤتمر الكثير من المحاضرين من أميركا وأوروبا الشرقية، ومدته 3 أيام... وتخلل هذه الأيام بعض من الطقوس مثل الصمت التام عن الكلام لمدة نصف يوم وتناول الغذاء النباتي فقط، وأن يلبس الجميع اللباس الأبيض لدلالته على النقاء، والنوم عند العاشرة مساء (إجباري)، والجلوس يوميا عند الفجر وممارسة التأمل ثم الإفطار وبعد ذلك المحاضرات التي كانت ظريفة ومفيدة للغاية وشيقة، ورغبت في اليوم الثالث في التجوال في ذلك القصر... وعند الفجر ذهبت إلى قاعة المبنى الآخر من القصر الذي يفصله حاجز داخلي ووجدت قاعة كبيرة جدا مكتظة بأشخاص غير المشاركين معنا، وقيل لي إنهم أكثر تقدما في الكورس مما نأخذه! ودهشت لذلك، ووجدت صورة للمؤسس ضخمة جدا على الحائط قبالتهم وهم يرددون الشعائر الدينية لصورة عالمهم الديني وكانت صلواتهم واضحة لأي دخيل، وقد صعقت بهذه الطقوس.

وعند الفجر بدأت أراجع حساباتي ووجدت أن هؤلاء الأذكياء قد قلبوا الآية التي ظاهرها فلسفة مدنية وباطنها الدين، وعكسوا الطريقة التي يدخلون فيها للناس لنشر ديانتهم، فأدركت أن الدعوة المجانية لهذا العدد الكبير مع الغذاء والسكن وإعطائنا أيضا هدية رمزية تذكارية، كل ذلك لم يكن اعتباطا بل هو مدروس ومحسوب... وقد اختاروا شريحة مميزة هذه المرة من المثقفين والمتعلمين لغزو عقولهم بالطرق العصرية الحديثة وبما يجذب اهتمامهم... على أمل إيصالها إلى البقية وهي طريقة ذكية مما لا شك فيه.

إن تحويل البشر بات أمرا واضحا وتحت مسميات مختلفة، كل ذلك لخلخلة المجتمعات والسيطرة عليها عند نشر مختلف العقائد والأديان فتضعف وتسهل قيادتها واستغلال خيراتها وغزوها!

ووجدت أن تلك المنظمة تحاول تأسيس جمعية رسمية في البحرين، وقد ذكرت لأعضائها أهدافها الحقيقية التي اكتشفتها مصادفة وعند الفجر! وأرجو أن ينتبه المسئولون لنوايا بعض الجمعيات التي تعطى ترخيصا لمزاولة الأنشطة المشبوهة وألا يضعفوا عند الإلحاح وخصوصا أن الغزو المنظم لمجتمعاتنا وكياننا آتٍ بلا ريب وولوج الكثير من الشباب فيها يشكّل خطورة شديدة الوطأة.

فمنها من يمارس الدجل والسحر والشعوذة بما فيها عبادة الشيطان التي هي موجودة عندنا بكل تبعاتها... وعلينا إعادة حساباتنا والحذر الشديد كيلا نخسر شبابنا وإبعادهم عن مبادئهم الثابتة والحقيقية، وألا نغوص في مجتمع من طين وإسفاف وتبعية.