العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ

شر البلية ما يضحك

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

لأن «شر البلية ما يضحك»، لم يكن يمكنني وأنا أقرأ التوصيات التي رفعها مجلس الشورى السعودي إلى ديوان مجلس الوزراء بشأن قيادة النساء للسيارات في السعودية إلا أن أضحك، على رغم أن تلك التوصيات الرائعة لو تم اقتراحها في البحرين مثلا، التي تقود النساء فيها السيارات منذ عشرات السنين، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكانت ردة الفعل «الطبيعية» هي أي شيء إلا الضحك.

في الغالب توضع التشريعات والقوانين في المجتمعات الحديثة لتقوم بمهمة التنظيم، ويتراوح مفهوم هذا التنظيم بين مشرع وآخر، بحسب فهمه لما تعنيه «الحرية المسئولة»، وبحسب تفريقه أيضا بين الضوابط، وبين القيود. وتبدو بعض الضوابط الموضوعة أحيانا تعجيزية، وكأن من وضعها لم يكن راضيا تماما عن التشريع، أو كأنه يريد أن يقول لمن دفعه سوء حظه أن يستند إلى تشريعه هذا «العب غيرها».

التوصيات المرفوعة بشأن قيادة النساء للسيارات في السعودية هي من هذا النوع الأخير، الذي يقول للنساء في السعودية أن يلعبن غيرها، ويستسلمن للأمر الواقع ويفقدن الأمل تماما في أن تشهد شوارع السعودية قيادة «نسائية».

تشترط التوصيات موافقة ولي أمر السائقة على القيادة، وطبعا أن تكون السائقة محتشمة ولا تضع أي مواد للزينة «بتاتا». وحتى لو اتبعت ذلك فلا يمكنها القيادة إلا داخل مدينتها، ولو فكرت بالخروج حتى لو كان للقرى أو الضواحي فعليها اصطحاب محرم.

الجميل في الموضوع أن التوصيات حددت للسائقة أوقاتا يسمح لها بالقيادة فيها، ويحظر عليها «التجول» في خلافها. وفي الوقت الذي تتجه فيه البحرين لمنع الحديث في الهاتف النقال أثناء القيادة، وضعت التوصيات في السعودية شرطا رئيسيا لقيادة المرأة السيارة وهو حملها الهاتف النقال للحالات الطارئة.

ويبدو أن استنفاراَ سيحصل في إدارة المرور لو تمت الموافقة على قيادة النساء للسيارات، فهناك توصية بإنشاء قسم مرور نسائي ليتسلم البلاغات التي ترد من السائقات وعنهن، وتوصية أخرى بوضع مراكز داخل المدينة للمرور النسائي تشرف عليها جهات «دينية» مسئولة. ولكن من المتوقع أن تتمكن النساء من التخلص من مخالفاتهن لو وقفن في مكان خطأ أو تجاوزن الإشارة مثلا، إذ منع رجال المرور من الحديث مع السائقات «بتاتا» أثناء تحرير المخالفة، ويقتصر دورهم على استدعاء المرور النسائي. ولا أعرف ما هي الآلية التي سيتم هذا الأمر على أساسها، فهل سيلجأ رجل المرور «للإشارة» مثلا ليبلغ السائقة بأنها خالفت؟

صحبت كل هذه المحاذير عقوبات «رادعة» بالمعنى الحرفي للكلمة، والتي لو طبق أحدها في البحرين لوجدنا نسبة لا يستهان بها من الشباب في السجن. فمثلا يعاقب من يتحدث «فقط» إلى سائقة بالسجن لمدة شهر مع غرامة مالية، أما من تثبت محاولته التحرش أو المطاردة أوالمعاكسة فيعاقب بالحبس ثمانية أشهر مع الغرامة، وأما من يضيق على سائقة في السير فيعاقب بالتوقيف لمدة يوم مع الغرامة.

ولو قررت إحدى السعوديات القيام بالعملية الانتحارية والمجازفة بالقيادة، فعليها أن تتحمل العقوبات، فإن ثبت عليها ما يخل بالآداب والشرع تسحب رخصتها ستة أشهر، وتغرم ماليا، وتتعهد بعدم تكرار هذا الإخلال. والأهم تقوم رئاسة المرور النسائي بإبلاغ ولي أمرها رسميا عن طريقة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما قامت به.

بعد كل هذا، بقي شرط واحد فضلت أن أتركه للنهاية، إذ لا يسمح لمن يقل عمرها عن 30 عاما بالقيادة، أي أن كل المحاذير السابقة ليست موجهة لفتيات مراهقات، أو طالبات مدارس أو جامعات، وإنما لسيدات ناضجات راشدات… حقا إن «شر البلية ما يضحك».

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1625 - الجمعة 16 فبراير 2007م الموافق 28 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً