العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ

ما بعد العهدين الدوليين

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

لا يمكنني إلا أنظر بتقدير إلى موافقة الحكومة على الانضمام إلى العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهذه الخطوة يجب أن تصاحب بمباركة نيابية ومجتمعية وشعبية كبيرة، لأنها ترسخ في نفوس المواطنين جدية الحكومة في التعاطي مع الحقوق البديهية والحريات العامة ضمن إطار منظومة دولية شاملة. في سنوات طويلة تذرعت الحكومة بعدم الدخول كطرفٍ في الاتفاقات الدولية المهمة بـ «الخصوصية البحرينية»، ولكن هذه الذريعة أصبحت منتفاة بحكم الزمان وبحكم المكان والمكين، فالبحرين مربوطة مع العالم لا معزولة عنه، وصحيح أن لنا خصوصيتنا لكن تلك الخصوصية يجب ألا تكون حائلا بيننا وبين التمتع بحقوق جوهرية مهمة.

إن خطوة الحكومة بالتصديق على العهدين، تستحق المباركة المجتمعية، ولكن هذه المباركة يجب أن تكون بين هلالين، لا أقول إننا نشكك في النوايا، ولكن جوهر المسألة يكمن في التفاصيل، وبعبارة أخرى يجب علينا أن نعرف أنه بعد إقدام الحكومة على الموافقة الاولية على العهدين وبعد إقرارهما من البرلمان ستباشر الحكومة والسلطة التشريعية والسلطات الاجتماعية الأخرى العمل فورا لتهيئة الأجواء الواقعية لجعل العهدين موضع التنفيذ على الأرض. إن أحد الادوات المهمة جدا لتطبيق العهدين هما إعلان النية وابداء القابلية لبحث ترسانة القوانين المقيدة للكثير من الحقوق التي أشار إليها العهدان بوضوح، ولا يجب ان يتبادر إلى الذهن هنا أننا نقصد القوانين السيئة التي أصدرها النواب السابقون خلال الفصل التشريعي الاول كقوانين الجمعيات والتجمعات ومكافحة الإرهاب فحسب.

المقصود هنا هو بحث عشرات ولربما مئات القوانين التي صدرت في ظل غياب السلطة التشريعية عن العمل لمدة ثلاثين عاما، وهي على حد رأيي قوانين أشد تقييدا من رزمة القوانين الأخيرة، ويجب أن نتحلى بالجرأة - كوزراء ومسئولين وبرلمانيين - لنقول إن جزءا كبيرا من قوانين الثمانينات والتسعينات التي نظمت الحياة الاجتماعية والمهنية والعمالية كانت مستقاة من روح أمن الدولة، وصحيح أن جلالة الملك ألغى القانون الأم، ولكن عشرات القوانين المنبثقة من أمن الدولة لم تلغ وهي تحتاج إلى مراجعة حقيقية. وحتى في الإطار الاقتصادي لا تزال لدينا قوانين تعوق من حرية الاستثمار أو أنها لا توفر خيارات جيدة لأي مستثمر قادم من الخارج، ولدينا مراسيم واتفاقات كانت حقوق شرائح بحرينية مهمة ضائعة فيها، وبسبب هذه القوانين والإجراءات زادت معاناة الناس لعامل البيروقراطية والروتين الحكومي، وضاق التجار ذرعا بسبب غياب نظام العدالة والشفافية في منح أو تسهيل أو إرساء المشروعات، وارتفعت معدلات التضخم والغلاء والديون الخارجية، ونتيجة لتلك التراكمات انتهت أو تقلصت إلى حد أنها لا تكاد ترى الطبقة الوسطى العريضة التي كانت موجودة في مجتمعنا ذات يوم.

إن التوقيع على العهدين الدوليين سيعكس صدقية الحكومة في التماشي مع المطالب المحلية والموجة العالمية... نحن بحاجة لأن نعكف على المراجعة وإزالة الحصانة عن القوانين التي أنهكت المواطن سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فمنظومتنا التشريعية يجب أن تكون خالية من شوائب كثيرة تمنع تطبيق العهدين على الأرض، وفي الوقت ذاته نحن لسنا مفرطين في التفاؤل، لأننا نعرف جيدا أن العملية ليست سهلة البتة، وتحتاج إلى بذل مزيد من الجهد ومزيد من الوقت ومزيد من سعة البال، ولكن صعوبة المهمة لا تشكل عذرا للحكومة أو للنواب من الشروع فيها حتى لو أستغرقت بعض الوقت.

عفوا، لا نريد أن نرى العهدين حبرا على ورق، ولا نريد أن نرى حدث توقيعنا على الاتفاق «هلهلة» في الإعلام المحلي والدولي من دون واقع، وقبل إصلاح القوالب القانونية يجب أن نصلح ثقافتنا التي ورثناها، فلا يمكن أن نتجاهل أن جيلا بحرينيا كاملا ولد وترعرع في زمن القمع، وهؤلاء أصبحوا وزراء ومسئولين في الدولة، وآخرين تقلدوا مناصب اجتماعية وسياسية مرموقة في الحكومة والمعارضة، نحن بحاجة إلى أن نتحاور... نحن بحاجة لأن نبدأ في إصلاح القوانين لتوفير البيئة التشريعية الخصبة، وهذا هو المحك والضريبة والطريق الجاد لتطبيق العهدين، ونبرهن لمواطنينا وللعالم كله أننا مقبلون على عمل إصلاحي يلامس حاجات القاعدة الشعبية أكثر من أي وقت مضى.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً