العدد 1635 - الإثنين 26 فبراير 2007م الموافق 08 صفر 1428هـ

«من أجل عينيك عشقت الحروب» مع الاعتذار لأم كلثوم

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لا أحد يؤكد أن ثمة قرارا في شن الحرب ضد إيران قد اتخذ في الغرب بما فيها العاصمة الأكثر خصومة مع طهران.

لكن الاتجاه القوي باتجاه العمل لتشديد العقوبات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية على طهران بات مؤكدا.

الاتحاد الأوروبي وهو الوسيط الأكثر قبولا من طرفي المواجهة السياسية الحادة بشأن الملف النووي لايزال يرغب في التوصل إلى حل بين العاصمتين الأكثر تخاصما عبر الحوار وعلى طاولة من المفاوضات المتعددة والموسعة.

روسيا والصين من جهتهما لا ترغبان في تصعيد الموقف مع طهران وان كانتا ترغبان في الظهور وكأنهما محايدتان وتقفان في نقطة الوسط بين الدولتين المتخاصمتين لكنهما ضد أي سيناريو يقود إلى الحرب وتكرار المشهد العراقي والأمر يتعلق باستراتيجيتهما الدولية وأمنهما القومي والسباق والتنافس على أسواق الطاقة ومنابعها أكثر من أي أمر آخر.

طهران من جهتها تبدو مصممة أكثر من أي وقت مضى على خوض «المواجهة» مع واشنطن على كل الأصعدة من دون أن يعني ذلك مطلقا أنها تدفع باتجاه التصادم العسكري، بل على العكس تماما فإن استراتيجيتها لاتزال «التفلت» من الوقوع في أي خطأ أو «فخ» سياسي أو دبلوماسي أو أمني يقود إلى المواجهة العسكرية لاسيما الشاملة منها!

وحدها «إسرائيل» المتحمسة والمتصيدة للفرصة المناسبة والتي تعمل بجد واجتهاد لاستفزاز إيران أو حلفائها من جهة وتحريض المتجمع الدولي ضد طهران لدفعه باتجاه الحرب على إيران أو توجيه ضربة عسكرية من الوزن الثقيل ضد منشآتها النووية على أقل تقدير!

ومن هذا الباب تدخل باقي الملفات الساخنة في العالمين العربي والإسلامي في صلب الحلول والمقترحات والمفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني.

فالدبلوماسية الأميركية باتت الأكثر «مكوكية» في التحرك في منطقتنا وهي تطرح المشروعات تلو المشروعات والمخطط تلو المخطط والمقولة تلو الأخرى وعينها على إيران أكثر من أي ملف آخر! وهي و»إسرائيل» صاحبة مشروع ربط كل ملفات المنطقة الساخنة بالملف الإيراني وما يسمى بالمحور السوري - الإيراني - اللبناني - الفلسطيني وليس الإيرانيين ولا السوريين ولا اللبنانيين ولا الفلسطينيين «الغلابة» طبعا!

واليكم الدليل:

لقد أظهر الفلسطينيون أكثر من مرة رغبتهم في التفاهم الداخلي وبالاتفاق مع أطراف عربية من كل الأطياف «المعتدلة» و «الراديكالية» لإيجاد حل ومخرج لموضوع «حكومة الأمر الواقع» الفلسطينية الوطنية الائتلافية وقد توج ذلك الجهد باتفاق مكة الأخير وبنجاح منقطع النظير! ومع ذلك تصر واشنطن ومعها ممن صادرت قراراتهم من أعضاء الرباعية بأن يذعن الفلسطينيون للامتلاءات الإسرائيلية قبل أن يفك الحصار عنهم، وبعد أن يفكوا تحالفهم مع كل من دمشق وطهران كما يمرر إليهم من تحت الطاولة!

اللبنانيون من جهتهم قدموا عشرات الصيغ الكفيلة بنزع فتيل الانفجار والفتن الداخلية والقبول بالحد الأدنى من المشاركة في حكومة اتحاد وطني تسهل عملية إعادة لبنان إلى دائرة السلم الأهلي وإعادة الاعمار والبناء والانخراط في العمل العربي المشترك من أجل استقرار الأمن الإقليمي والدولي، ومع ذلك جوبهوا في كل مرة بتدخل أميركي وغير أميركي سافر عطل ولايزال المبادرات المحلية والعربية والإسلامية وهم يصرون على ربط حل الملف اللبناني بتصفية حساباتهم السياسية مع دمشق وطهران أولا وقبل أي شيء آخر وهو ما يتم تداوله تحت طاولة المفاوضات المتعددة وبعيدا عن ضجيج الإعلام بشكل واضح وملموس وقاطع!

أما القضية العراقية «المصيبة» كما قال أحد الزعماء العرب في تعليق معبر له أخيرا وهو يصف تشابكات وتعقيدات هذا الملف الداخلية والإقليمية والدولية وما يحيط به من لغط متعمد ومقصود وتشويه منظم، فإن قيادة الاحتلال دأبت ومنذ اليوم الأول على ربط أي تقدم أو فشل في مهمتها المفروضة على الشعب العراقي فرضا بمدى تدخل دول الجوار وسورية وإيران في الطليعة طبعا على رغم كل ما عملته في داخل العراق منذ التخطيط للغزو إلى مئات بل آلاف الأخطاء التي ارتكبتها داخل العراق لم تستشر أحدا منهم فيها فيما تحاول اليوم تحميلهم وزر كل أخطائها تلك زورا وبهتانا.

لا بل إنها تصرح ومن دون أية مواربة بأن شرط نجاحها بات رهنا بوقف التدخل والنفوذ الإيراني! وان فشلها سيعني فشل كل العرب وحلف الأطلسي والمجتمع الدولي!

لا بل إنها لم تعد تتردد في تمرير مقترحات من تحت الطاولة وعبر الرسل والمندوبين المتعددين مقترحات «مقايضة» بين ملفات المنطقة المتورطة فيها وبين التوصل إلى حل ما بشأن الملف النووي!

والقضية الأهم بالنسبة إليها طبعا أي «لواشنطن» هي ضمان الحصول على تعهد إيراني بالاعتراف بـ «إسرائيل» والامتناع عن وضع ما تسميه بـ «العصي» في دواليب الحل أو التسوية السياسية لمسألة «الشرق الأوسط» أي القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي!

إنها مرة أخرى إما «سذاجة» متناهية أو «استحمار» عقول الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي! وهذا هو الأكثر احتمالا! ولكن لماذا كل هذا التحامل على إيران وكل هذا «التذاكي» مع الأطراف الدولية ومحاولات «الاستحمار» المتعمدة والمقصودة والمنظمة للرأي العام في بلادنا؟!

الجواب واضح لمن يملك الذاكرة النشيطة ولمن يأخذ العبر والدروس من التاريخ ولمن يؤمن بالحديث الشريف «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»!

لقد فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير والموسع والجديد الذي حمل إلى المنطقة مع بداية غزو أفغانستان والعراق، وبعد تجربة لبنان المرة والمريرة بات أمر حماية أمن «إسرائيل» رهنا بمحاربة إيران وكسر شوكتها من خلال جولة جديدة من حروب السيطرة على الموارد (الطاقة والمياه و...) والتحكم بمصادرها ومنابعها تحت النفوذ والمظلة الإسرائيلية!

المشكلة كل المشكلة في هذا المعسكر «الأميركي» والقاعدة الاستراتيجية المتقدمة للأميركيين والتي اسمها «إسرائيل» والتي بدأت مظاهر الوهن والتفكك تبدو عليها بوضوح ولم يعد بالإمكان الاعتماد عليها في المنعطفات والمهمات الاستراتيجية الكبرى بعد تجربة حرب الـ 33 يوما ضد لبنان.

وما الملف النووي الإيراني أو «المحكمة الدولية» إلا «شماعتان» محملتان بأطنان من الأكاذيب وقصص الخداع والتضليل المنظمة لخدمة ذلك الغرض «الجليل» لواشنطن وتل أبيب.

وإلا لماذا كل هذه المعايير المزدوجة في التعامل بين ملف كوريا الشمالية النووي وملف إيران النووي كما يقول المفتش بليكس في آخر تصريحات له: «فكوريا كانت تملك كميات كبيرة من البلوتونيوم وجلستم معها للمفاوضات، وامتلكت القنبلة النووية وعاودتم التفاوض معها، فيما إيران بعيدة جدا عن كل هذا وتضعون لها شرط وقف التخصيب للأغراض العلمية المخففة وهي لم تطلب منكم ضمانات أمنية كما فعلت ولاتزال كوريا وبعيدة كل البعد عن السلاح النووي...».

والإجابة واضحة أنها إيران والعالم العربي حيث مكامن ومصادر ومنابع الطاقة والمياه والمضائق وطرق التجارة والمواصلات وأمن «إسرائيل» الذي تتوقف عند بواباته كل القيم والمقولات...!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1635 - الإثنين 26 فبراير 2007م الموافق 08 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً