العدد 166 - الثلثاء 18 فبراير 2003م الموافق 16 ذي الحجة 1423هـ

في عهد بوش الإبن تراجعت العلاقات إلى حدها الأدنى

الثوابت الاستراتيجية للسياسة السورية في مواجهة الضغوط الأميركية

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

تحرص سورية العربية دائما - ولاسيما خلال العقود الثلاثة الماضية - أن تأخذ لنفسها من الصراع مع «إسرائيل» ومن علاقاتها مع الولايات المتحدة، موقعا متميزا عن المواقع التي اتخذتها الدول العربية الأخرى، ولاسيما الدول المعنية بصورة رئيسية ومباشرة بالصراع العربي - الإسرائيلي.

وكان من الطبيعي جدا أن تسلك العلاقات بين سورية العربية والولايات المتحدة طريقا شاقا ومتعرجا نتيجة تزايد وتصاعد الترابط الاستراتيجي الأميركي - الإسرائيلي، والذي بلغ حدودا مرعبة في عهد الإدارة الحالية من جهة، ونتيجة التطورات الدراماتيكية على المسرحين الاقليمي والدولي، بدءا من حرب الخليج الثانية مرورا بما شهده الجنوب اللبناني والانسحاب الإسرائيلي منه، وصولا إلى هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، والانتفاضة الفلسطينية من جهة أخرى.

قبلت سورية العربية في أعقاب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، المنطق الأميركي القائل بضرورة فتح المجال لمبادرات دبلوماسية جادة من أجل تحقيق السلام في المنطقة، ومن ضمن مظاهر حسن النية قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد بعملية فصل القوات في الجولان في أعقاب حرب الاستنزاف في العام 1974 مستبدلا سياسة التحدي المباشر في مواجهة «إسرائيل» بدبلوماسية الحوار مع واشنطن التي دخلت بقوة عبر الدبلوماسية المكوكية التي دشنها وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر، ولكن مع التأكيد الدائم على عدم الخضوع للخيارات السلمية التي تطرحها الولايات المتحدة نيابة عن شريكتها الاستراتيجية والدائمة «إسرائيل».

كان الموقف العربي السوري عبر العقود الثلاثة الماضية متميزا عن مواقف الدول العربية وبقية دول المواجهة، فلم تتبع سورية التحول الذي قاده الرئيس الراحل محمد أنور السادات والمتمثل بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى آخر الحدود تحت شعار ان «أميركا تملك 99 في المئة من الأوراق» في لعبتي الحرب والسلام، بل اختطت لنفسها أسلوبا مركبا يجمع بين الدبلوماسية الواقعية والمرنة وبين السعي الحثيث لإقامة توازن استراتيجي مع «إسرائيل» بشكل يؤمن لها العمق للثبات على مطالبها بالسلام العادل والشامل، ويحقق لها ما يكفي من مناعة الموقف لتدخل مفاوضات السلام باعتبارها شريكا مستقلا وكاملا، له خياراته المستقلة من دون الحاجة إلى التكيف مع الضغوط، أو النصائح الأميركية بقبول الحد الأدنى من منطلق براغماتي، كما حدث مع مصر والأردن والفلسطينيين في مفاوضات السلام.

وصف ادوارد سعيد في مقال بعنوان «علاقات أميركا مع العرب» نشرته صحيفة «الحياة» في 22 يوليو/ تموز 2002 الموقف العرب بعد حرب الخليج بالقول: «كرّس النظام العربي الذي برز بعد حرب الخليج العلاقة ذات الوجهة الواحدة مع الولايات المتحدة، أي إعطاء الأخيرة ما تريد من دون مقابل سوى تقديم المزيد من الدعم إلى (إسرائيل)».

إذا كان هذا الوصف ينطبق على مواقف معظم الدول العربية، فإنه يحمل في طياته تجاهلا لصلابة المواقف التي اتخذها الرئيس الراحل حافظ الأسد في محطات كثيرة أثناء المفاوضات مع الولايات المتحدة، أو في ظل رعايتها على المستوى الرئاسي، إذ رفض الرئيس حافظ الأسد في جنيف ووزير الخارجية فاروق الشرع في «مفاوضات شيبرزدتاون» المساومة على الثوابت والحقوق الأساسية، وعادت سورية لتثبت ان مشاركتها في حرب تحرير الكويت إلى جانب الولايات المتحدة لم تأتِ من خلال الخضوع أو التبعية لواشنطن، ولكنها كانت نتيجة لتقويم استراتيجي ينطلق من حقائق سياسية تتعلق بسيادة الكويت وبأمن المنطقة العربية، ولاسيما في الخليج، إلى جانب الاعتبارات الأخرى ومنها العلاقات مع العراق التي شهدت توترا وتدهورا مستمرا ولسنوات طويلة.

قاد الرئيس الراحل الدبلوماسية السورية ببراعة في التسعينات، وتميزت بصلابة الموقف ومرونة الحركة، فلم يقطع (شعرة معاوية) مع الإدارة الأميركية حتى في أصعب الظروف، ولاسيما في الفترات التي تعرضت فيها سورية لضغوط دبلوماسية أميركية وضغوط عسكرية إسرائيلية أثناء فترة الغزو الإسرائيلي للبنان، وبعدها بسبب دعم سورية لحزب الله.

واليوم، يمكن في أي تقويم سياسي لعلاقات الولايات المتحدة مع سورية الانطلاق من قاعدتين:

الأولى: ان سياسة الرئيس بشار الأسد هي استكمال للطريق الذي رسمه الرئيس الراحل حافظ الأسد.

الثانية: ان تصلب الإدارة الأميركية الحالية تجاه العرب وانحيازها المطلق إلى جانب سياسة ارييل شارون المدمرة، لن يؤثر على خيارات سورية العربية السياسية، سواء ما يخص علاقاتها مع إيران أو علاقاتها مع حزب الله والمنظمات الفلسطينية المقيمة على أراضيها، أو علاقاتها المتنامية بسرعة مع العراق، أو مواقفها من الصراع الدموي الدائر فوق أرض فلسطين العربية المحتلة.

إن التعاون الذي أبدته سورية مع الأجهزة الأمنية الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر ووصفته صحيفة «واشنطن بوست» قبل بضعة أشهر في مرتبة التحالف ضد الارهاب، يأتي من عمق القناعات والمنحى الأمني الذي اعتمدته سورية خلال العقدين الأخيرين، والذي يرى في التطرف الذي يعتمد على العنف وسيلة للتغيير خطرا كبيرا على الاستقرار وكل القيم التي ينادي بها الإسلام.

لكن يبدو ان هذا التعاون لم يلقَ من الولايات المتحدة ما يستحقه من قيمة وتقدير، فاستمرت المواقف السلبية تجاه سورية بالتدفق بدءا من خطابات وتصريحات الرئيس جورج بوش مرورا بنائبه ديك تشيني وصولا إلى الخارجية والكونغرس.

في الواقع تتعرض سورية العربية لضغوط وانتقادات أميركية مستمرة منذ أن رفض الرئيس الراحل حافظ الأسد العرض الذي قدمه الرئيس السابق بيل كلينتون في جنيف لانسحاب إسرائيلي غير كامل من الجولان، وتصاعدت لهجة الانتقادات والضغوط مع إدارة الرئيس بوش الابن بتحريض من اللوبي الصهيوني و«إسرائيل» وبعض أعضاء الكونغرس.

وترسم المواقف الأميركية السلبية من سورية مجموعة من علامات الاستفهام عن مستقبل العلاقات، ولاسيما في ظل الهجمة الصهيونية الجديدة ضد العرب وفي ظل التمازج الحاصل بين الاستراتيجيتين الأميركية والإسرائيلية تحت شعار «الحرب على الإرهاب».

قدم دبلوماسي أميركي خبير في العلاقات الأميركية - السورية تقويما لهذه العلاقات في الوقت الراهن، فرأى انها متقلبة وذلك بسبب ما تحمله من عناصر سلبية وإيجابية لحد الإشباع وبأن التقلبات التي تشهدها انما هي نتيجة للتطورات الجارية بعد 11 سبتمبر والمواقف التي تتخذها سورية العربية من قضية الارهاب، ولاسيما مواقفها الداعمة لحزب الله والمنظمات الفلسطينية التي تتهمها واشنطن بالارهاب.

وضع هذا الدبلوماسي العوامل الإيجابية في إطار السياسة الواقعية التي تعتمد سورية في عملية السلام، وذلك منذ انعقاد مؤتمر السلام في مدريد في الثلاثين من أكتوبر 1991 حتى الآن، وذلك على رغم صلابة وتمسك الموقف السوري حول بعض المسائل الأساسية في عملية السلام.

أما الارث السلبي فتركز في الماضي على موضوعات المخدرات والارهاب، وأضيف إليه حديثا موضوع السعي السوري لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، والعلاقات السورية - العراقية المتنامية بشكل يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة، وبالتأكيد مع الاستراتيجية الأميركية تجاه بغداد ونظام الرئيس صدام حسين.

اتخذت العلاقات الأميركية - السورية في ظل النشاط الذي اتسمت به العملية السلمية منحى ايجابيا ولكن مع تراجع التواصل الدبلوماسي في العملية التفاوضية عادت العناصر السلبية لتفرض سيطرتها على هذه العلاقات.

وإن أبرز العناصر الضاغطة على هذه العلاقات تتركز على الموقف السوري من مسألة الارهاب، التي لم تجرِ مقاربتها في العمق، على رغم المساعدات الملموسة التي قدمتها دمشق عن «القاعدة» ان هناك منظمات فلسطينية مارست أو تمارس «الارهاب»، كالجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وحماس موجودة في دمشق، ولها - وفق المعلومات الأميركية - قواعد تدريب، فيما تؤكد سورية ان الأمر مقتصر على مكاتب إعلامية، عندما يصدر بيان عن «عملية ارهابية» من دمشق فإن الولايات المتحدة ترى أن هناك مسئولية سورية.

ويأتي موضوع حزب الله ليرمي بثقله على العلاقات السورية - الأميركية، وان الأمر يتخذ طابع الحدة في ظل معلومات أميركية - إسرائيلية عن جسر جوي لنقل السلاح لحزب الله عبر دمشق، يضاف إلى ذلك التحريض الإسرائيلي بأن حزب الله يحضر لعملية تفجير للوضع على الحدود الشمالية بموافقة ورضا سوريين.

ويمكن أن تتوقع سورية مزيدا من الضغوط الأميركية مع التصعيد الحاصل في فلسطين المحتلة، ولاسيما مع إعادة انتخاب شارون وحزبه لقيادة الكيان الصهيوني، ومع التحضيرات لشن حرب أميركية على العراق

العدد 166 - الثلثاء 18 فبراير 2003م الموافق 16 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً