العدد 1663 - الإثنين 26 مارس 2007م الموافق 07 ربيع الاول 1428هـ

لأجل الوطن والتاريخ... لا تكن شاهد زور

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

يعرف الأدباء الكثير من الحكم الشعرية التي تحمل دلالات وإشارات عميقة في بيت شعري واحد، ولقد لفت نظري بيت شعري يروى على لسان الضفدع ونحن نتعرض لردة فعل غير مبررة إثر تحركنا للمطالبة برفع الأجور، يقول البيت:

قالت الضفدع قولا فسرته الحكماء

في فمي ماءٌ وهل ينطق من في فيه ماء

تذكرت ذلك البيت وكأن البعض يريد منا أن نضع الماء في أفواهنا كي لا نستطيع النطق فهو محرم علينا ولا يجوز لنا أن نتحدث بشيء اسمه الميثاق أو الدستور أو القانون، فالموظف عبدٌ في يد مسئول دائرته، إذا ما نطق باسم المواطنة فقد نطق كفرا وإذا طالب بحق كفله الدستور فقد ارتكب إثما، أما التصريح لصحيفة رسمية فهو جريمة أشد من القتل وهو تحت المراقبة الشديدة في السفر والحضر، فلو كان المسئول مزاجيا يمكن أن يمنعه من السفر في السنة التي لا يستطيع هو السفر فيها ويمنعه من الصلاة إذا كان يعتقد بأن الصلاة معطلة للإنتاج.

قد يظن البعض أني أبالغ وأتجنى في ذلك، ولكن أحيلكم على جدول الجزاءات والمخالفات الذي يتم التهديد به بين الفينة والأخرى لتجدوا العجب العجاب، وستجدون بأنفسكم أن الموظف مراقب في حركته وسكونه وفي يقظته ونومه بل حتى في أكله وشربه وطريقة كلامه.

مئة جزاء وجزاء بالفصل من الخدمة لا تكفي لردع الموظف بل إن لجهة الإدارة مطلق الصلاحيات في اتخاذ الإجراءات التأديبية إذا رأى في مسلك الموظف في نطاق العمل وخارجه ما يسيء لمقتضيات الوظيفة وأن يتخذ ضده جزاء بالفصل من الخدمة من دون اللجوء إلى القضاء ومن دون تشكيل لجنة تحقيق، أعتقد أن البعض لن يصدقني ولكني أحيله إلى اللائحة المذكورة ليقتنع بنفسه ويرى بأم عينيه بأن حال الضفدع أفضل من حال الموظف الحكومي بمئات المرات.

لم تتحرك العريضة المطالبة برفع الأجور للدرجات العمومية في القطاع الحكومي إلا بعد الشعور بالحاجة الملحة لإحداث تغيير نوعي في سلم الرواتب حتى يستطيع الموظف المغرق بالديون والذي تزداد عليه متطلبات الحياة اليومية في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وثبات الرواتب لفترة طويلة أن يواكب هذه الظروف الصعبة ويوفر الحد الأدنى لعائلته.

ولعل ما يثلج صدور القائمين على هذا المطلب الملح أنه أصبح قضية وطنية قبل أن يكون مطلبا عماليا، تجمع عليه القيادة السياسية والتشريعية بالإضافة إلى مختلف الشرائح والمؤسسات الوطنية، فتصريح سمو رئيس الوزراء ردا على سؤال عن رؤية الحكومة للعريضة أن «الحكومة أحرص من الجميع على تحسين أوضاع المواطنين والموظفين باعتبارها واحدة من أهم مسئولياتها» يدل على اهتمام القيادة السياسية في المملكة بتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، كما أن إجماع الكتل البرلمانية على ضرورة تعديل الرواتب جعل المطالب تخرج من الإطار المؤسسي العمالي الى الإطار الأوسع سواء على المستوى السياسي أو التشريعي أو غيرهما من المؤسسات التي تستظل بمظلة هذا الوطن.

ومن الواضح بحسب تقارير الخبراء في الاقتصاد الدولي أن معدل الدخل القومي الإجمالي الحقيقي في منطقة الخليج العربي، سجّل ارتفاعا بنسبة تراوحت بين الستة والسبعة في المئة في العام 2006 بسبب ارتفاع أسعار النفط، وفي المقابل فإن التضخم أصبح ظاهرة مقلقة في دول الخليج وارتفعت الأسعار بشكل جنوني جعلت الحياة صعبة لذوي الدخل المحدود.

تظهر إحدى الدراسات أنه في وقت بلغ متوسط ارتفاع الرواتب في دول الخليج نحو 15 في المئة في العام الماضي 2006، فقد زادت كلفة المعيشة بنحو 24 في المئة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأعباء على ذوي الدخل المحدود وخلق هوّة واسعة بين فئات المجتمع قد تختفي من خلاله الطبقة الوسطى ليصبح المجتمع مقسما بين فئتين إحداهما أصحاب رؤوس الأموال والأخرى هم الفقراء الذين لا يكادون يوفرون قوت يومهم لعوائلهم فضلا عن توفير السكن الملائم وسبل العيش الكريم وقد يؤدي ذلك إلى حرمان أبناء الكثيرين منهم من التعليم الملائم.

لقد سعت النقابات في القطاع الحكومي بالتضامن مع الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين منذ اليوم الأول لتدشين العريضة أن تجنبها محاولات الصدام وتبتعد بها عن أجواء التوتر، ولم نكن نتوقع أن تأتي ردة فعل معاكسة لهذا التحرك لأننا نستند إلى مادة دستورية صريحة تبيح لنا مخاطبة السلطات العامة كتابة وبالتوقيع سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.

ولعل المثير في الأمر هو محاولة بعض الأطراف ربط حركة الأجور بتسييس العمل النقابي وهو أمر تنقصه الأدلة ويدل على عدم اطلاعهم عن قرب على تحركات النقابات الحكومية، فهي نقابات تمتلك الشخصية الاعتبارية وتتحرك بصورة مستقلة عن أية جهة إلا الاتحاد العام الذي يظلها وتعتبر طرفا أساسيا من مكوناته منذ اللجنة التحضيرية حتى المؤتمر التأسيسي، ويوجد النقابيون في القطاع الحكومي في جميع هياكل الاتحاد العام، سواء في الأمانة العامة أو المجلس المركزي أو اللجان العاملة.

الأمر المؤسف أن يتطرق أحد الكتاب لحركة النقابات في القطاع الحكومي بمقال يفتقر الى الدقة والتحقق من صحة المعلومات، وكنا نتمنى لو تريّث الأخ الكاتب قليلا قبل الحكم على النقابات بأنها غير مرخصة قانونا، فالترخيص لا يحتاج الى تسليم صك من أحد وهو واضح من خلال ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين وكذلك قانون النقابات العمالية الذي يعتبر النقابة تمتلك الشخصية الاعتبارية منذ إيداع أوراقها لدى وزارة العمل وتنص المادة الثالثة منه على أن حرية الانضمام للمنظمات النقابية العمالية والاستمرار فيها مكفولة، وكذلك حرية الانسحاب منها، ولا يجوز أن يتخذ من العمل النقابي ذريعة للتمييز في الاستخدام أو التأثير على العمال على أي وجه من الوجوه.

الغريب أن صاحب المقال يحاول ربط تأسيس النقابات الحكومية بمطالبات الجمعيات السياسية بعد فشلها في اقتناص المقاعد البرلمانية، وهو أمر تفنده الحقائق، فالنقابات قائمة منذ ما يربو على ثلاث سنوات ونصف والانتخابات التي شاركت فيها الجمعيات المقصودة حدثت قبل عدة شهور فما هو الرابط بين هذا وذاك.

فإذا كان الكاتب يعتقد بأن وجود ديوان الرقابة المالية وديوان الخدمة المدنية والصحافة كاف لإقناع الناس بعدم جدوى وجود النقابات العمالية، فإننا نعتقد بأنه اجتهاد خاطئ وشهادة أقل ما يمكن وصفها بأنها شهادة زور، ويمكن أن يعمم اجتهاده ليصل الى عدم جدوى وجود نقابات في القطاع الخاص لوجود وزارة العمل أيضا وبالتالي إلغاء الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ولا يبعد أن تتوسع مطالبته لإلغاء الدستور لعدم الحاجة إليه وبالتالي عدم الحاجة لوجود مجلس نيابي يطالب بحقوق الناس طالما حقوق الناس مقضيّة وهمومهم مكفيّة وعدم الحاجة الى وجود المجالس البلدية لوجود البلديات التي تقدم الخدمات الى الناس وهكذا تخلو المملكة من جميع المؤسسات المنتخبة لعدم جدواها.

مثل هذا المنطق غريب وعجيب وكأنه كتب بردة فعل نتمنى أن يتراجع عنها كاتبها ويحاول الاتصال بالقيادات النقابية في القطاع الحكومي ليعرف أن الهموم كثيرة والحاجة إلى التفاوض ملحّة وأن النقابات في القطاع الحكومي تهمها المصلحة الوطنية العليا قبل كل شيء ولن تكون يوما ما معطلة لحركة الإنتاج أو معوّقة للعطاء.

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 1663 - الإثنين 26 مارس 2007م الموافق 07 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً