العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ

فن التقاط اللحظة التاريخية واتجاه البوصلة!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

حسنا فعل أحمدي نجاد عندما قرر أن يقوم بزيارة تاريخية إلى الدولة الجارة والصدّيقة بل والشقيقة أي الإمارات العربية المتحدة الآن وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات! وإن كانت قد تأخرت كثيرا، وكان يفترض بها أن تتم في المراحل المبكرة من قيام الثورة الإسلامية في إيران، لكن المثل الإيراني يقول: «حيثما توقف الضرر ثمة فائدة»؟!... فضلا عن أن المثل الإيراني الآخر يقول: «السمكة متى ما اصطدتها فهي طازجة»!

والأهم برأيي حسنا فعل رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة والقيادة الإماراتية عموما عندما التقطت اللحظة التاريخية الراهنة بكل حكمة ودراية وتعقل وقررت التعامل معها من باب المسئولية المشتركة والتحدّي المشترك والعمل الثنائي والجماعي المشترك المطلوب.

من السهل بمكان أن يتذكر الإنسان مطالبه الخاصة وأن يدافع عنها وأن يتقن فن المرافقات عن مطالبه، لكن الأهم والأصعب هو أن تقدم مرافعة تاريخية عن المشترك بينك وبين جارك المختلف معه والمتفاوت عنك في الرؤية وربما في ملفات كثيرة!.

وبحسب التقارير الواردة من أبوظبي التي نقلتها بعض وسائل إعلام الداخل الإيراني فإن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قال كلاما لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني: «لم يرق له» عندما أكد عليه بأن علاقة بلاده مع طهران «علاقة تاريخية عميقة وأساسية ولايريد أن يفرط بها تحت كل الظروف...» وبالتالي فهو ضد مغامرة الخيار العسكري بل «المقاومة» التي لن يقبل بها أي عاقل في المنطقة! وأنه أي رئيس دولة الإمارات الشقيقة يتمنى كذلك «أن يأتي اليوم الذي تغادر فيه القوات الأجنبية هذه المنطقة ليجلس أهلها بكل أمن واستقرار وهدوء وليقفوا على النظام الأمني الذي يناسبهم...». بحسب ما جاء في أكثر من تقرير إعلامي تناقلته المواقع الإلكترونية الإيرانية.

وقد يكون هنا بيت القصيد فيما ذهب إليه الرئيسان من وراء لقائهما التاريخي الآن؛ أي البحث عن السبل الكفيلة لوضع حجر الأساس لمرحلة تاريخية جديدة من التعامل مع الملفات المختلفة سواء منها المشتركة أو العالقة أو المختلف عليها.

فثمة فرق كبير بين أن تدخل إلى الملفات والقضايا من بوابة «التعاون» والانطلاق من «المشتركات» والتحديات إلى سائر الملفات العالقة أو المختلف عليها ويتم تفكيكها واحدا بعد الآخر وإيجاد الحلول المناسبة لها في كل مرحلة من المراحل... وبين أن تدخل من باب ضرورة حل المشكلات والملفات العالقة أو المختلف عليها أولا! قبل أن تدخل إلى فضاء التعاون فيما هو مشترك أو ما سيطرأ من مشتركات أو تحديات!

العراق الآن في خطر كبير ومحنته تزداد يوما بعد يوم، وأمنه في مهب الرياح والسموم التي تنقلها سفينة المحافظين الجدد الآيلة إلى الغرق في بحر العرب والمسلمين.

وفلسطين ولبنان وبلاد الشام سماؤها ملبّدة بالغيوم السوداء والفتن تحيط بها من كل جانب وهي بحاجة إلى دعم وإسناد من يملكون المال والتخطيط والخبرة والهمّة والنخوة العربية والإسلامية؛ ليخرجوا الملف «الشرق أوسطي» - كما يفضل الأميركيون العابثون به أن يسموه - نعم ليخرجوا هذا الملف الشائك والمليء بالألغام من شرنقته ويفكّوا الحصار عن شعب فلسطين الذي يعاني الأمرّين من الخارج والداخل!

ليس سهلا أن نخرج من كل التحديات هذه بإنجازات كبرى ونجاحات باهرة. لكن المهم أن نحدد الأولويات ونحدد اتجاه البوصلة بدقة.

المهم أن نجلس بكل إرادتنا وبصفاء لنتحاور ونتكاشف وبشفافية عالية بحثا عن الطرق والقنوات الكفيلة بإخراج المنطقة من عبثية المحتل والقاتل والجلاد والمنظمات الأمنية الخاصة لتي راحت تعيث فسادا في أرض العراق وغير أرض العراق.

قد ينبري هنا مَنْ يطالب بتشخيص أدق للأمور ويريد أن يسمّي الأشياء بأسمائها ويبدأ بسرد قصص وحكايات الميليشيات الطائفية والعرقية والتكفيرية وغيرها من تداعيات الاحتلال من تدخل أو نفوذ أو استهتار أو عبث أو استغلال أو انتهازية من هنا وهناك... وكل هذا صحيح ومطلوب... ولكن المطلوب الأهم برأيي هو أن لا نضيع اتجاه البوصلة، وأن لا نخلط في ترتيب الأولويات... لان واحدة من أهم الأخطار في العمل السياسي هي خلط الأولويات وضياع اتجاه البوصلة.

أثناء سفري الأخير للبنان التقيت الكثير من الأحبّة والأصدقاء والزملاء القدامى والجدد من العاملين في حقل السياسة والفكر والإعلام والدين... وكان حديثنا الدائم هو من أين نبدأ؟.

العقلاء من أصحاب التجربة اللبنانية المتميزة كان جلّ حديثهم هو عدم الانزلاق في أي شكل من أشكال اقتتال أبناء الوطن الواحد مهما يكن الثمن الذي ندفعه في هذا السياق غاليا... ومهما تأخرت أجندة تحقيق الأهداف الموضوعية لهذا الطرف أو الحزب أو ذاك. هذا فيما كان الطرف «العراقي» مثلا يصرّ على التأكيد «بأن أي حرب أهلية مهما تكن آلامها ومعاناتها تظل أفضل من أيام الديكتاتورية البائدة أو عودة الاستقرار الكاذب والمزعوم».

لا بل إن البعض منهم ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قبل بخيار «التعامل والتعاون والتنسيق مع الأجنبي أيا كان نوعه أو شكله» على خيار قبول «الأخ أو الشريك في المواطنة إذا كان مستبدا أو طاغية أو ظالما...».

والفرق بين المدرستين واضح والنتائج والتداعيات المترتبة على المنهجين المختلفين واضحة أيضا لكل ذي بصيرة وعقل!

من هنا كان لابدّ من دعم وإسناد الفعل الحسن الذي أقدمت عليه كل من إيران والإمارات بكل قوة واعتباره مثلا يحتذى به لتعامل «المختلفين» و»المتفاوتين». إنها كذبة كبيرة أن نروج لحكاية «نهاية التاريخ» وأنه لامجال ولا مكان ولاخيار أمامنا إلاّ حل النزاعات والمختلف عليه أولا، قبل أن نبدأ في رحلة التعاون، إن مطالب أو حقوق أو قراءات اي طرف منا هي ليست نهاية العالم ولا «نهاية التاريخ» وكما أن «طرق الوصول إلى الله بعدد أنفاس الخلائق» كما يقول الوفاء، فإن طرق الوصول إلى القناعات المشتركة والعمل الجماعي واكتشاف الحلول المناسبة للملفات العالقة أو الشائكة أو المختلف عليها، هي الأخرى بعدد أنفاس الخلائق... لو يعقلون... المهم أن نجلس ونتحاور ونتكاشف ونجترح الحلول المناسبة لكل قضية... المهم التقاط اللحظة التاريخية في كل مرحلة والحفاظ على اتجاه البوصلة سليما!.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً