العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ

إدارة المياه الجوفية في دول مجلس التعاون... الاستراتيجيات المؤسسية (3)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

وصلت المقالات السابقة من سلسلة المقالات هذه المتعلقة بإدارة المياه الجوفية في دول مجلس التعاون إلى ضرورة التوقف الفوري والجاد لهذه الدول عند الوضع المتدهور الحالي للمياه الجوفية والنظر بعقلانية في أفضل الوسائل لاستثمار هذه الموارد للحصول منها على أعلى عائد اقتصادي واجتماعي وبيئي وسياسي للمجتمعات الخليجية وتحديد الخدمات الرئيسة المثلى من استغلال مخزون هذه المياه الجوفية وأولويات استخدامها، سواء كانت لإمداد القطاعات المستهلكة أو لظروف الطوارئ أو كمخزون استراتيجي، ومن ثم التخطيط لوضع الاستراتيجيات والبرامج الإدارية المطلوبة لوقف هذا التدهور الذي تعاني منه هذه الموارد والعمل على تعظيم استدامتها لأطول فترة زمنية ممكنة، وفي الوقت نفسه الاستثمار في البحث والتطوير في علوم وتكنولوجيا مصادر المياه غير التقليدية البديلة، وتجهيز مجتمعات المنطقة لمرحلة ما بعد نضوب المصادر الجوفية غير المتجددة.

وتم استعراض الاستراتجيات التقنية المتاحة لدول المجلس حاليا التي يمكنها أن تساهم في تخفيض معدل استنزاف هذه الموارد فيها، ومن أهمها بناء السدود لحجز الأمطار للاستخدام المباشر أو لتغذية المياه الجوفية، أو التغذية الصناعية للمياه الجوفية بواسطة الآبار للمياه غير التقليدية الفائضة عن الحاجة، وخصوصا مياه الصرف الصحي المعالجة التي من المتوقع أن تزداد كمياتها باستمرار مع الوقت، وتقليل الهدر ورفع كفاءة الري في القطاع الزراعي والذي يمكن أن يمثل «توفيرا حقيقيا» من المياه الجوفية مقارنة بإجراءات زياد العروض الهندسية المذكورة سابقا، وتقليل الهدر والتسربات في القطاع البلدي، وخصوصا في الدول التي تعتمد على المياه الجوفية والمياه المحلاة لتلبية متطلبات هذا القطاع المتزايدة.

إلا أن تطبيق الاستراتيجيات التقنية وحدها (إجراءات زيادة العرض وإدارة الطلب) سيظل ناقصا وغير فعال، إن لم يكن مقترنا بشكل متكامل مع الاستراتيجيات المؤسسية والتنظيمية، التي تشمل الاعتبارات التشريعية والاقتصادية والتشاركية، لإنشاء بيئة ممكنة وقادرة على إدارة هذه الموارد الطبيعية بكفاءة في دول المجلس. وعموما، ستعتمد كفاءة إدارة المياه الجوفية في دول المجلس على وجود سياسات وإطار تشريعي فعال، ووجود ترتيب مؤسسي ملائم، وتطوير وبناء القدرات البشرية والمؤسسية. فمن دون وجود سياسات وتشريعات ملائمة، لن تستطيع المؤسسات المسئولة أن تقوم بدورها بفعالية، ومن دون وجود مؤسسات قوية، لا يمكن تطبيق السياسات والتشريعات، ومن دون سياسات وتشريعات ملائمة ومؤسسات قوية معا، ستصبح أدوات الإدارة المائية بلا معنى وفعاليتها محدودة. وللأسف فإن هذا الوضع هو السائد حاليا في معظم دول المجلس.

فإذا نظرنا إلى المؤسسات المسئولة عن المياه الجوفية في دول المجلس حاليا، سنجد بأنها على رغم ما تمتلكه من خبرات «فنية» عالية نسبيا قادرة على إجراء المسوحات الهيدروجيولوجية والاختبارات المعملية وإعداد النماذج الرياضية، فإن معظم هذه الدول تبدو ضعيفة في المجالات المتعلقة بتخطيط وإدارة المياه الجوفية. وبحسب المسوحات المتعلقة بالقدرات البشرية في مجال الموارد المائية في دول المجلس، فإن عدم كفاية القدرات البشرية الوطنية والضعف النسبي في المجالات ذات الصلة بتخطيط الموارد المائية واستخدام المنهجيات والتقنيات العلمية الحديثة، يعتبر من أبرز المشكلات التي تواجه قطاع المياه في دول المجلس. ويرجع ذلك إلى عدم الاهتمام ببناء القدرات البشرية والتدريب في المجالات الإدارية والتركيز على الجوانب الفنية في المرحلة السابقة. وبالإضافة إلى ما سبق، تفتقر دول المجلس عموما إلى ربط البحث العلمي بتخطيط وإدارة الموارد المائية وإجراء الدراسات المستقبلية وبناء السيناريوهات واتباع منهجيات التخطيط متعدد المعايير كأجزاء مهمة في التخطيط الاستراتيجي لقطاع المياه، لاستباق المشكلات واختيار الحلول المثلى لمواجهتها على المدى الطويل، ويساهم في ذلك ضعف ترابط الباحثين ومسئولي المياه وعدم وجود تعاون بين الجهات البحثية والجهات المسئولة عن المياه.

كما يمثل الترتيب المؤسسي عقبة كأداء أخرى تواجه كفاءة إدارة المياه الجوفية، ويتمثل ذلك في وضع مسئولية إدارة الموارد المياه الجوفية تحت مظلة الوزارات المستهلكة للمياه مثل وزارة الزراعة أو وزارة الكهرباء والماء، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التضارب في المصالح بين هدف هذه الوزارات الرئيسي (تلبية الطلب) وهدفها الثانوي وهو المحافظة على هذه الموارد. ولهذا السبب اتجهت بعض دول المجلس، مثل المملكة العربية السعودية وإمارة أبوظبي، وقبلهم سلطنة عمان، ضمن عملية إصلاح قطاع المياه فيها إلى فصل مسئولية قطاع المياه عن هذه الوزارات كخطوة أولى وضرورية لعملية الإصلاح هذه. إلا أن ضعف القدرات المؤسسية والبشرية للأجهزة المسئولة عن المياه عموما، والمياه الجوفية خصوصا، مازال يمثل عقبة في دول المجلس، حتى في الدول التي بادرت إلى فصل المسئوليات بين وزاراتها ووضعها في وزارة واحدة، ونجد أن كثيرا من اللوائح التنظيمية التي وضعت من قبل دول المجلس لاستخدام المياه الجوفية، مثل تراخيص حفر الآبار وحصرها ومراقبة المياه المسحوبة ومعاقبة المخالفين، لا يتم تطبيقها بسبب الضعف الكبير في القدرات المؤسسية والبشرية لهذه الأجهزة وكذلك بسبب السلطات القليلة الممنوحة لها وعدم توفر المساندة السياسية العليا.

ولذلك، فإنه من الأهمية بمكان، وكخطوة رئيسة أولى في طريق رفع مستوى الإدارة المائية للمياه الجوفية في دول المجلس، القيام بإصلاحات مؤسسية للأجهزة المسئولة عن المياه الجوفية وإنشاء ترتيب مؤسسي مستقل وفصله عن القطاعات المستهلكة للمياه، مثل الزراعة المستهلك الأكبر للمياه الجوفية، وإعطاؤه السلطة والمساندة السياسية القوية. كما يجب التركيز على تقوية العنصر البشري الوطني في هذه المؤسسات من خلال برامج بناء القدرات والتدريب في المجالات ذات الصلة بتخطيط الموارد المائية واستخدام المنهجيات والتقنيات العلمية الحديثة في إدارة موارد المياه الجوفية، ودعم ذلك برفع مستوى التعاون بين الجهات المسئولة عن المياه والجهات البحثية في دول المجلس.

وجميع هذه الإجراءات مطلوبة لإنشاء بيئة تمكينية مؤسسية قوية وقادرة على إدارة المياه الجوفية بكفاءة في دول المجلس لتكون الركيزة الأساسية للقيام بوضع التشريعات وتنفيذها وتطبيق الأدوات الاقتصادية وتطبيق إجراءات المحافظة والحماية لموارد المياه الجوفية في هذه الدول.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً