العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ

ما بين الدوحة والمنامة!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

الهدوء الصارخ في الدوحة لا يعكس بالتأكيد حرارة مياه الخليج، ولكنه هدوء مصحوب بضجيج تنموي حقيقي، فقطر اليوم تعكف على تحديث بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحديات كبيرة يبهر المرء عندها، يراها في الدوحة، وخصوصا لمن رأى الدوحة قبل سنوات خلت.

لا يمكن أن نفرض حكما مسبقا على أية تجربة، ولكن الدوحة تعيش تحديا حقيقيا على كل صعيد، فعلى مدار الساعة لا تتوقف معاول البناء، وهناك نهضة عمرانية حقيقية، ويمكن للدوحة أن تنافس دبي بعد سبعة أعوام، فهي بدأت فعلا تستقطب استثمارات بآلاف الملايين من الدولارات، كما يريد القطريون أن يكون بلدهم مركزا إقليميا لصناعة المؤتمرات واحتضان كبرى المؤسسات الإعلامية الدولية.

ما لفتني في قطر أيضا، أن هناك حراكا كبيرا للتطوير الاجتماعي، فهناك حديث ساخن عن مشاركة المرأة في الحياة العامة، وهذا تطور غير مسبوق للمنظومة الاجتماعية القطرية، وجامعة قطر تقيم باستمرار دورات مكثفة بالشراكة مع القطاع الخاص لتأهيل الشباب القطري للانخراط في سوق العمل.

لقد سمعنا كثيرا عن تجربة انتخابات المجلس البلدي القطري، وخصوصا الفوز المنقطع النظير الذي حققته شيخة الجفيري عندما رشحت نفسها عن دائرة المطار، وقارعت رجلين كانا يراهنان على قطر التي عرفاها ونعرفها جميعا، لكن الكل تفاجأ بأن هذه المرأة لها من قوة المراس والبيان ما جعلها تفوز باكتساح.

وجه آخر جميل في قطر، وهو أننا أمام تداول للسلطة بين أفراد العائلة الكريمة الحاكمة، فخلال عامين فقط تغير ولي العهد ورئيس الوزراء وغالبية أعضاء مجلس الوزراء، وعندما نبدي استغرابنا للمسئولين القطريين الذين التقيناهم يرسمون لنا صورة متباينة كثيرا عما يجري في الكثير من الأنظمة العربية وحتى الجمهورية منها، فكرسي المسئولية - كما يقول القطريون - ليس حكرا على أحد، ولا يجب أن يفصّل على مقاس شخص مهما علا قدرا أو جاها.

الملفت أيضا أن اللجنة القطرية الدائمة للانتخابات هي تحت مظلة المجلس الأعلى للأسرة، وهذا ينم عن أن التوجه الإصلاحي في قطر يريد له القطريون أن يأتي من البوابة الاجتماعية، وهذه نقطة مهمة للغاية، لأن المواطنة هنا هي المعيار دائما، ويدل على أن السلطة ليس لديها توجه إلى أن تقصي أي طرف تحت أي مسمى.

وأخبرنا مسئولون قطريون أن الدوحة على موعد قريب لمشروعات تطويرية، ومن أبرزها إصدار قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي ستجرى على أساسه انتخابات مجلس الشورى القطري بعد نحو عامٍ من الآن، وعلى الصعيد الإعلامي أيضا سيصدر قانون جديد للصحافة والطباعة، كما ستشهر خلال شهر واحد جمعية الصحافيين القطرية.

والأشقاء القطريون يفصحون عن أن عملية التحول السياسية قدمتها القيادة القطرية على طبق من ذهب إلى شعبها، إدراكا منها بأهمية أن يكون للمواطن دور حقيقي في صناعة القرار، في حين أننا حصلنا على قليل من الديمقراطية بعد نضالات طويلة ومتراكمة ومديدة في عمر الزمن، وأأمل ألا يسبقنا القطريون في درجة حرية الإيقاع السياسي، لكن الدرس الأهم المستوحى من التجربة القطرية هو العدالة في توزيع الثروة، وكل من يعيش في قطر يشعر بالمواطنة.

إن قطر سبقتنا في إلغاء وزارة الإعلام، وهذا ما جعل قطر تتقدم على سلّم الحريات الصحافية وفق مؤشر دولي صدر أخيرا، وكان وجود قناة «الجزيرة» الفضائية، وهي شبكة فاجأت العالم كله بأنها أضحت مدرسة مهنية في الإعلام المرئي وليس عربيا فقط، بينما البحرين لاتزال توصد الباب أمام الفضائيات لافتتاح مكاتب لها في المنامة، وهذا حرمنا من فرص تقدم مهني واقتصادي لا تعترف الدولة بعدم صوابيته حتى هذه اللحظة!

دائما ما كان يسألنا القطريون عن البحرين، وإلى أين نحن سائرون، وكنا دائما نبدي تفاؤلا عن هذه التجربة، لأننا واثقون من أن الإصلاح عملية صراع إرادات متضادة... إن آمالنا معقودة على أن يطوي «جسر المحبة» المنتظر أية ترسبات في العلاقات مع الشقيقة قطر، لأن أمامنا فرصة تاريخية للتكامل، فما بين الدوحة والمنامة جسر أكثر من الأسمنت، إنه وصال الحب والأخوّة والحميمية التي تجمع (شعبنا) ولا أقول (شعبينا).

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً