العدد 1722 - الخميس 24 مايو 2007م الموافق 07 جمادى الأولى 1428هـ

واشنطن تحذر الآخرين من التعاون مع إيران ولكنها تطلب التحاور معها

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الأميركي: كانت زيارة نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، للمنطقة من أجل تطويق الواقع السياسي العربي، وذلك عبر دفع الدول التي تصنفها أميركا في دائرة الاعتدال إلى تعقيد علاقاتها بإيران لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، وربما كانت أحاديثه تدور حول طلب مساعدتها للحرب على إيران إذا قررت أميركا العدوان عليها عسكريا، وخصوصا أن هذا الرجل كان ولايزال من دعاة الحرب في المنطقة من خلال الحقد على الواقع العربي والإسلامي الذي يدين به المحافظون الجدد والفريق الصهيوني الأميركي لمصلحة «إسرائيل» من دون أن يعير تشيني أي اهتمام للأخطار التي قد تلحق بهذه الدول ولاسيما دول الخليج في مثل هذه الحرب، وربما كان يركز على بعض نقاط الضعف لبعض هذه الدول في علاقاتها ببلده وفي تعقيدات أوضاعها الداخلية...

وقد كانت زيارته ـ بحسب بيانات البيت الأبيض ـ من أجل دراسة الوضع الذي تعيش الإدارة الأميركية مأزقه في العراق ومحاولة تعبئة بعض دول المنطقة الخاضعة لأميركا في إيجاد حل لذلك، في الوقت الذي يعرف الجميع أن المشكلة أكبر من قدرة هؤلاء، وربما كان بعضهم ـ حسب المعلومات ـ يدفعون بالإرهابيين التكفيريين إلى بلاد الرافدين تخلصا منهم وحذرا من قيامهم بالعمليات العنيفة في بلادهم. علما أن الجيش الأميركي والقوات المتعددة الجنسية الخاضعة لأمرته لم يستطع حل مشكلته هناك، على رغم الاختلال في موازين القوة لمصلحته فكيف يستطيع هؤلاء مساعدته في ذلك.

وإذا كان هذا الرجل، «نائب بوش»، يتحدث عن إيران كمشكلة للاحتلال الأميركي في العراق ويحذر دول المنطقة من خطتها السياسية والأمنية، فإنه وجد نفسه مع حكومته، مضطرا للدخول معها في المفاوضات بشأن العراق من أجل الوصول إلى حلِّ لمأزقه الأمني والسياسي من دون أن يبحث القضايا الأخرى التي يضغط بها على إيران اقتصاديا وسياسيا، ولاسيما فيما يتصل بالملف النووي الإيراني السلمي الذي يتحرك من خلال موقعه للدفع بمجلس الأمن لفرض عقوبات جديدة عليها من دون حق قانوني، ضاغطا على الاتحاد الأوروبي وعلى دول أخرى.

ونلاحظ في زيارة نائب الرئيس الأميركي إهماله للمسألة الفلسطينية واعتبار ما يسمى السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا يمكن التوفر عليه، لأن هناك قضايا مهمة في مصالح أميركا لا يمكن تأخيرها أو عدم العمل عليها لمجرد أن القضايا الأخرى لم تحل الأمر الذي يمنع من التطرق إلى هذه أو تلك.

لقد كانت زيارة هذا الرجل الإرهابي الضاغط على الرئيس الأميركي في كل قراراته السياسية والعسكرية العدوانية حركة من أجل إرباك الوضع السياسي في المنطقة وخصوصا بالنسبة إلى حلفاء أميركا ـ وقد حاول في زيارته إلى الإمارات المتحدة أن يضغط لدفع الإمارات إلى مصادرة المصالح الإيرانية في كل شركاتها العاملة هناك، ومحاصرة إيران اقتصاديا في شكل عام كي لا تستطيع المضي قدما في مشروعاتها المتنوعة ولاسيما الملف النووي السلمي، ولكنه لم يوفق لذلك لأن علاقة إيران التاريخية بهذه الدولة لا يمكن للخطة الأميركية أن تعمل على إسقاطها، لأن ذلك قد يؤدي إلى بعض التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية مما لا تستطيع الإمارات أن تتحمله. وقد كانت زيارة الرئيس الإيراني لهذه الدولة حركة نوعية في تقوية العلاقات الثنائية المتنوعة من جهة وإفشال المخطط الأميركي من جهة أخرى.

إن المشكلة في حركة الموفدين الأميركيين للمنطقة أنهم لا يبالون بمصالح دول المنطقة في علاقاتهم الإقليمية بمنطقتهم، ولاسيما إيران، بل يعملون على توظيف المسئولين في الدول لخدمة مصالح أميركا والسقوط في مخططاتها التي قد تربك كل أوضاعهم وتظهرهم لدى شعوبهم أنهم خاضعون للإدارة الأميركية في التضحية بمصالح بلادهم الحيوية وممارسة الضغط على شعوبهم.

ومن جانب آخر، فقد عادت الدوامة الفلسطينية إلى ساحة غزة في الأوضاع الأمنية الوحشية القاسية بين الفصائل الفلسطينية ولاسيما فتح وحماس، ولم تستطع حكومة الوحدة الوطنية أن تسيطر على هذا الوضع الدامي الذي صادر أمن الشعب الفلسطيني كله في تلك المنطقة، ما يوحي بأن المسئولين الفلسطينيين لم يركزوا الحكومة على قاعدة قوية ثابتة تحمي شعبهم من الفوضى، ولم يرصدوا المخابرات الصهيونية التي تنفذ إلى الساحة الفلسطينية من خلال بعض الشخصيات الأمنية المتهمة بتعاملها مع العدو لمنع أيّ فصيل للانتفاضة من العمل على مواجهة العدوان الإسرائيلي بالمقاومة الفاعلة التي تضغط على العدو بصواريخها ضد مستوطناته.

إننا ننادي المجاهدين الفلسطينيين بكل محبة ومسئولية أن يعرفوا الاتجاه الصحيح الذي تتحرك فيه البنادق الفلسطينية، فلا يجوز ـ تحت أيّ اعتبار ـ أن يوجّه الرصاص إلى صدر أي شخص فلسطيني ولاسيما النساء والأطفال والشيوخ، بل إن على البنادق أن تتوجه إلى العدو، وأن تنطلق المقاومة لتكون هي الحل لمسألة الاحتلال، لأن العدو ـ ومعه أميركا ـ لا يمكن أن يسمح بنجاح أية حكومة وحدة وطنية ولاسيما إذا كانت فصائل الانتفاضة جزءا منها... بل يعمل على دفع كل السائرين في خط مخابراته إلى التحرك لإثارة الفوضى التي يفقد معها الشعب ثقته بكل حكامه... إن المرحلة الآن هي من أخطر المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية التي أهملها الواقع العربي والدولي والإسلامي وأعلنوا أنهم يتبرأون من دم هذا الصديق لأنهم يخافون من امتداد المقاومة الأصيلة إلى مواقعهم الخاضعة لأعداء الأمة الدوليين والإقليميين والمحليين.

وفي جانب آخر، فإن «إسرائيل» بدأت تدريبا على حرب واسعة ومناورات بعيدة المدى لطياري النخبة استعدادا لأي حرب تخطط لها ـ مع أميركا ـ في المنطقة ضد سورية ولبنان وربما إيران، لتمسح عن تاريخها القريب عار الهزيمة في حربها على لبنان ضد حزب الله، لأن هذه الدولة اليهودية المتحالفة استراتيجيا مع أميركا قد ولدت في الحرب، وسعت في كل تاريخها العسكري السياسي ضد العرب في المنطقة إلى إلحاق الهزيمة بهم لتبقى الدولة الأقوى في المنطقة ليخضع لها الجميع ولتحقق لأميركا بعض مشروعاتها السياسية في ربط الواقع العربي بها. ومن المضحك المبكي أن البعض في لبنان ـ وفي بعض العالم العربي ـ مشغول بالحرب على المقاومة التي هزمت العدو وبطرح نزع سلاحها انطلاقا من بعض التعقيدات المحلية، في الوقت الذي لا تملك هذه الدولة التي يتحرك القائمون عليها في هذا الاتجاه أية قوة لردّ العدوان الإسرائيلي في حال عزمه على القيام بذلك... إن الجميع يعرفون أن سلاح المقاومة لن يستخدم في أيّ حرب أهلية داخلية، ولن ينطلق لتأسيس دولة على حساب الدولة الأم، بل أن هذا السلاح لم ولن يستخدم إلا لدفع العدوان كما كان في الماضي، الذي كانت كل مواقعه من أجل التحرير في سنة (2000) وفي رد العدوان في (2006).

إن على النادي السياسي اللبناني بمعارضيه ومواليه أن يعرف أن الشعب اللبناني يريد الدولة العادلة القوية القادرة التي لا تخضع لاعتبارات طائفية أو شخصية أو وصاية إقليمية أو دولية، ولكن كيف تصنع هذه الدولة، وما هو حجم قوتها في ردّ العدوان؟ وما هو تخطيطها في اعتبار القانون للجميع لا للزعامات المذهبية والطائفية التي لن يستطيع أحد أن يسألها عن مصادر ثرواتها من أين لك هذا؟

ويبقى العراق الجرح النازف في قلب الأمة، ويبقى العراقيون الشعب الجريح الذي يسقط منه الشهداء والضحايا والجرحى ويشرّد فيه المدنيون الأبرياء من منازلهم ويهاجرون إلى مختلف بقاع العالم هربا من المعتدين من المحتلين والتكفيريين... أما العالم فإنه يتفرج على كل هذه المأساة من دون أن يجد لها حلا على رغم من المؤتمرات التي كان آخرها مؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد لمعالجة المأزق الأميركي لا لحل المشكلة العراقية... ونحن الذين يتألمون من كل قلوبهم وأعماقهم، نريد للشعب العراقي أن لا يشغل نفسه ـ في هذه المرحلة ـ بالخلافات السياسية والطائفية والمذهبية لأن المشكلة أكبر من كل تلك الخلافات، ولاسيما أن الاحتلال لا يريد لأية حكومة أو لأيّ برلمان أو لأيّ واقع سياسي أن ينجح، بل إنه يعمل لاستكمال السيطرة على مقدرات العراق وثرواته وموقعه الإستراتيجية خدمة لمشروعاته في المنطقة بعيدا عن مصالح العراق... إن المطلوب هو توسعة المأزق الأميركي من أجل محاصرة الإدارة الأميركية في بلدها للتعجيل بانسحاب الجيش المحتل من العراق بفعل الضغط السياسي الداخلي ولا حل غيره.

أما في الداخل اللبناني، فلا يزال الجدل يتحرك في الساحة السياسية التي فقدت الكثير من أساليب التهذيب في الكلام، وابتعدت عن دراسة الأخطار الكبرى التي تصيب البلد في اقتصاده وأمنه وسياسته، ولم تعد هناك أيّة وحدة وطنية جامعة أمام اللغة الطائفية، فلم تعد المسألة هل يتحرك الانتخاب وطنيا من قبل التنوع الوطني سواء أكان برلمانيا أو سياسيا، بل بات المطلوب أن يتحرك طائفيا لينتخب المسيحيون نوابهم ورئيسهم وينتخب المسلمون نوابهم من دون أن يكون لهم دور كبير في الاستحقاق الرئاسي، تماما، كما كان البلد قد تحوّل إلى فيدراليات طائفية أو مواقع مذهبية يعيش فيها هذا الفريق أو ذاك الفريق في هذه الدائرة الضيقة أو تلك... أما لبنان الواحد الموحّد، أما المواطن اللبناني المنفتح على أبناء وطنه فقد كفر به الجميع في حركة الواقع ولم يعد له أي دور إلا في النشيد الوطني الذي ينطلق من الشفاه لا من القلوب والعقول، لأن المنشدين يرجعون إلى قواعدهم الطائفية والمذهبية وربما الشخصية سالمين أو غير سالمين.

وهكذا بدأ اللبنانيون يهربون من مؤسساتهم التي عطلوها وجمدوها، وأصبحت الأمم المتحدة بديلا من الدولة اللبنانية، وأصبح القضاء الدولي بديلا من القضاء اللبناني، وأصبح المجتمع الدولي هو المجتمع الذي يتطلع إليه اللبنانيون في قراراته الرسمية من أجل مصلحة هذا المحور الدولي أو ذاك... أما الإعلام اللبناني فقد أصبح في عهدة السفراء والموفدين الأجانب والمعلقين الدوليين... ويبقى للبنانيين في إعلامهم الثروة الغنية من ألفاظ السباب والشتائم والاتهامات الاستهلاكية ووسائل التخوين... ما يجعل الواقع التربوي للأجيال الجديدة واقعا لا يلتقي بالأخلاق من قريب أو من بعيد.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1722 - الخميس 24 مايو 2007م الموافق 07 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً