العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ

في ذكرى أربعينية الشاخوري... من المسئول عن هذا الوباء؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

من أخطر الأمراض الاجتماعية هي تبادل الشكوك والظنون، حتى اعتبرها الإمام زين العابدين (ع) لقاحا للفتنة بين الفرقاء فقال: «فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنايح والمنن» وتزداد الخطورة حين يعتري الشك والارتياب علاقة الحكومة بالشعب أو بفئة كبيرة منه. الإمام علي بن أبي طالب (ع) أرسل كتابا إلى واليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر، وحذّره من اكبر الأسباب التي تقود لعلاقة مبنية على الشكوك بينه وبين أهل مصر، ثم أوضح له علاج المشكلة وبيّن له السبيل لإرجاع المياه لمجاريها في العلاقة معهم. يقول الإمام في كتابه مخاطبا واليه على مصر: «وإن ظنّت بك الرعية حيفا فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك، فإنّ ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك، وأعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق».

فقد تحدث بعض التصرفات، يظن الناس من ظاهرها في الوالي سوء وتكون محل تداول، وتعشش عليها الأقاويل، ويجد فيها الأعداء والانتهازيون فرصة لتضخيمها وإحاطتها بهالة من الأكاذيب والافتراءات، ويظن الناس ببعضهم الظنون، فيفتل التماسك بينهم، ويضعف للوالي ولاؤهم، وحتى لا تصل الأمور لهذه الدرجة، لا بد من الوضوح في اتخاذ القرارات، وإشراك الناس في الاطلاع عليها.

وقد استخدم الإمام كلمة (أصحر)، تعبيرا عن ضرورة الكشف التام بلا مواربة، وهو تعبير بليغ يوغر في شدة الوضوح حتى لا يـدع مجالا للبس بين الحاكـم والشـعب، إذ انّ «الاصحار: الظهور، من أصحر إذا برز في الصحراء»، «وأصحرت بكذا أي كشفته». وسياسة مصارحة الشعب بشئون الحكم، ضرورة لتصحيح الأوضاع الخاطئة، والحكومة العادلة لا تخشى أن ترجع إلى الصواب في حال الخطأ، ولا تخشى مكاشفة الناس بأمور الدولة، لأنها لا تنوي سرقتهم، فهمّها الرئيس خدمتهم والقيام بأمور الدولة بالعدل والإنصاف. يقول الشيخ محمد جواد مغنية في شرحه: «...صارح الرعية بكل شيء، ولا تُخْفِ عنهم شيئا، وإذا اتهموك وظنوا بك الظنون فقدّم لهم الدليل على براءتك، والحجة القاطعة على أمانتك... وبهذه الصراحة المخلصة تطمئن القلوب إليك وتثق بك، وبها أيضا تروّض نفسك بالتواضع للحق والعدل».

في هذا السياق، فإن الرصاصة الغادرة التي سلبت روح عباس الشاخوري من بين جنبيه، جعلت من هذا الحدث قضية تتشح بالغموض المثير والشعور بالخطر حتى غدت قضية الكل في هذا الوطن، ولهذا وبعد أكثر من أربعين يوما من الجريمة، المطالبات تزداد برفع اللبس وتستحث وزارة الداخلية بتقديم ما قامت به من جهود وعرضها على الجمهور. وتأتي هذه الجريمة بينما ما زال الناس يتداولون أمر ذلك التقرير الذي قض مضاجعهم، وخلع أفئدتهم حتى قال عنه أحد العلماء: إننا نشعر أن الأرض تهتز من تحت أقدامنا. وما زال الناس يسترجعون بعض ما جاء في ذلك التقرير كلما عنت في الأفق مصيبة أو حدث حادث، وما زالوا يربطون بين بعض الممارسات الرسمية وبين ما جاء في هذا التقرير، في حين لم تتحرك الجهات المعنية لرفع اللبس وإيضاح الأمر، ومصارحة الشعب أو فعل أي شيء من أجل إنهاء حالة سوء الظن. وعوضا عن ذلك، قامت بخطوات أشعرت الناس بأنها تحاول دثر قضية التقرير والدفع به في طي النسيان، وهذا هو الاعتقاد السائد والكلام المتداول في كل مكان. وما دامت الجهات الرسمية المعنية بعيدة عن سياسة المشافهة والشفافية، فان النتيجة تشكيك وارتياب يملآن القلوب، على أكثر من صعيد، ولن يكون آخرها(محاولة) بيع فشت الجارم.

غير أن مثل قضية الشاخوري وقضية ذلك التقرير المثير، تلامس أبعادا أخطر من مجرد مصادرة الأملاك العامة، ألا وهو افتقاد الشعور بالأمن... الأمن الذي لا يمكن مقايسته بأي قضية أخرى.وهذا الشعور سببه اعتقاد المواطنين بوجود تمييز في تطبيق القانون، ولا تكاد تجد خلافا بين شخصين عن وجود فئة تتعامل مع الوطن، ومع الأملاك العامة، ومع عامة البشر دون خوف من عقاب أو وجل من قانون رادع، وربما ينفع التذكير بجدار المالكية الذي أقامه متنفذ سنة 2005، ولم يتم هدمه إلاّ بتدخل من ملك البلاد.

وبافتقاد المصارحة والشفافية، بجانب الاعتقاد بالتمييز في تطبيق القانون، فان النتيجة استفحال وباء الريبة والظنون في جسد العلاقة بين الشعب والحكومة، وبالتالي لا يمكن توقّع تفاعل إيجابي من قبل الشعب مع مشاريع الدولة، فكم من الأحداث وقعت، وكم لجنة تحقيق أعلنت الجهات الرسمية المعنية عن تشكيلها لهذا الغرض، ثم رُكنت على رفوف النسيان إلى الأبد، حتى غدا الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق محل تندر الناس في مجالسهم، وكم قضية سُكت عنها حتى اندثر ذكرها. إلا أن قضية عباس وذلك التقرير المريب لها علاقة مباشرة بأمن الناس ومستقبلهم، ولهذا ستبقى مثل هذه الجريمة وذلك التقرير كالعظم العالق في حلق العلاقة بين الحكومة والشعب، والأمر بيد الطرف الأقوى - أي الحكومة - من أجل ترسيخ علاقة مبنية على الثقة بدلا من تكريس حالة الشك والظن بمواصلة إهمال مثل هذه القضايا وإثارة الغبار حولها.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً