العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ

أميركا فشلت في لعب دور الشرطي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يتابع الجيش الصهيوني عدوانه على الفلسطينيين في الغارات الإسرائيلية الأرضية والجوية، مبررا ذلك أنه ردّ على الصواريخ التي يطلقها مجاهدو الانتفاضة للدفاع عن شعبهم في مواجهة الاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات ضد المدن والقرى والمخيّمات، ما يمثّل استهدافا مباشرا للمدنيين من الرجال والنساء والأطفال.

ومن الطريف أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تدعو إلى تحرّك دولي لممارسة ضغوط على من تسمّيهم الإرهابيين والحكومة الفلسطينية، معلنة عدم المساومة مع الإرهاب، وإن واجبنا - كما تقول - ان «نضرب مطلقي الصواريخ وحركة حماس»، وقد كان المسئول الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى جانبها عند سقوط الصواريخ على بعد أمتار من مكان اجتماعهما، ما جعله يندّد بالعنف، ويقصد العنف الفلسطيني، ولكنه - مع أكثر دول الاتحاد الأوروبي - لا يندد بالعنف الإسرائيلي الذي بدأ بالاحتلال ومازال مستمرا حتى الآن بالأسلحة المتطورة التي ترسلها أميركا إلى الدولة العبرية.

إن الدول الغربية - وفي مقدّمها أميركا - كانت ولاتزال تدعم اليهود ضد العرب والمسلمين وتؤيد الاحتلال - على رغم ادّعائها بأنها ترفض ذلك من حيث المبدأ لأنه منافٍ لحرية الشعوب - ولكن المسألة أن احتلال أرض عربية أو إسلامية لا يمثل أيّ إساءة لحقوق الإنسان عندهم، من خلال العقدة التاريخية ضد شعوب المنطقة التي كانت مستعمرة لأكثر من دولة أوروبية ومنها بريطانيا، التي هيّأت كل الظروف في احتلال اليهود لفلسطين والقيام بالمجازر الوحشية الصهيونية ضد شعبها.

ومن جانب آخر، فإننا نجد الدول العربية والإسلامية المتصالحة مع العدو، كمصر والأردن، أو المنفتحة على علاقاتها الاقتصادية معه، لا تمارس أية ضغوط على «إسرائيل»، في الوقت الذي يعلم الجميع أنهم يملكون الكثير من عناصر الضغط السياسي والاقتصادي، سواء أكان ذلك في شكل مباشر أو غير مباشر، ولكنّهم يكتفون بالتفرج على العدو وهو يقتل الفلسطينيين المدافعين عن حرية أرضهم وأبنائهم، وقد يصدرون بعض الكلمات الاحتجاجية الفارغة من المضمون خوفا من شعوبهم التي رفضت مواقفهم جملة وتفصيلا... وقد يتحدثون عن السلام مع «إسرائيل» التي ترفض مبادرتهم وتتحدث بكلمات لا توحي بالجدية والاحترام للعرب، الذين أدمنوا العار منذ زمن طويل ورفضوا أن يغسلوه بالمواجهة التحريرية، وتحالفوا مع العدو ضد المقاومة البطلة التي أسقطت العار العربي بإسقاط العنفوان الصهيوني في التحرير في العام 2000 وفي يوليو/ تموز في العام 2006، ما جعل الذين يخافون من محو العار من أكثر من دولة عربية يتحالفون مع العدو ضد المقاومة المحرّرة خوفا من امتداد حركة الحرية إلى مواقعهم الخاضعة للسياسة الأميركية ـ الإسرائيلية.

أما أميركا - في إدارتها البوشية ـ فإنها لاتزال تمارس دور الشرطي الذي يحرس مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، ويوجّه بندقيته السياسية والأمنية والاقتصادية ضد مصالح شعوبها، في عملية خداع سياسي إعلامي بحجّة أنه يعمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي يخطط لإيجاد محور سياسي وأمني لأكثر من ديكتاتورية عربية يمنحها صفة دول تدعم مصالحه، وتشارك في حروبه، وتحمي احتلاله، وتضغط على معارضيه ليضمها إلى حليفته الدولة الصهيونية التي يرى فيها أكثر الدول حضارية واعتدالا في المنطقة، وإلى أقرب أصدقائه من العرب من الذين صرّح بعض المسئولين في دولة عربية بأن «إسرائيل» هي الصديق والحليف والحامي للواقع العربي ضد إيران.

ومن الطريف أن أحد مستشاري بوش قال: «أعتقد أن ما قرروا القيام به - وهم رجال الإدارة - هو تأدية دور الشرطي الجيد بدلا من الشرطي السيّىء الذي ظلوا يؤدونه لمدة 6 سنوات»، ويضيف «إن سيناريو الشرطي الجيد والشرطي السيّىء ينفع فقط في حال كان الشرطي السيّىء قابلا لأن يصدَّق».

إننا نعتقد أن هذه الإدارة الأميركية - من خلال رئيسها ونائبه - لن تستطيع أن تمارس دور الشرطي - سيئا أو جيدا - لأنها تحوّلت إلى دولة إرهابية تستعرض عضلاتها العسكرية والاقتصادية والسياسية لتصادر كل حركة للحرية لأي شعب يكافح من أجل أن يكون حرا ويرفض أن يكون عبدا لأية قوة مستكبرة، وهذا ما نلاحظه من ابتعاد المسئولين في المنطقة عنها في مواقعهم الخاصة، لأنهم يستمعون إلى الموفدين الأميركيين الذين يطلبون منهم حماية مصالح أميركا حتى على حساب مصالح دولهم وشعوبهم...

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن المأزق الذي تعيشه هذه الإدارة الاستكبارية الإرهابية في احتلالها للعراق قد جعلها تستجدي أكثر من دولة عربية وإسلامية لإنقاذها من الورطة التي وقعت فيها، حتى أن الرئيس بوش بدأ يناشد العراقيين ويقول لهم: «نحن بحاجة إلى مساعدتكم من أجل القضاء على العنف الآن أكثر من أي وقت مضى»، في الوقت الذي كان يمنّن الشعب العراقي بأنه دخل بلدهم محتلا من أجل إنقاذهم من العنف، وقد كانت كل خططه أن يحوّل العراق إلى حال من الفوضى التي لا يملك فيها أي عراقي أمنه ولا يحصل على أية حاجة من حاجاته، والخطة الأميركية الآن هي كيف يحافظ الاحتلال على أمن جنوده لا أمن الشعب العراقي، حيث أنّ الرأي العام الأميركي، سواء من الجمهوريين أم الديمقراطيين، يطالبه بالانسحاب من العراق الذي أصبح بفعل المقاومة الشريفة مقبرة للجنود الأميركيين.

لقد دخلت أميركا المنطقة - بفعل سياسة إدارتها التي يهيمن عليها المحافظون الجدد - ما أدّى إلى إحراق مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية، وحوّلت أكثر من دولة عربية وإسلامية إلى جحيم من العنف الوحشي الذي يسقط فيه المدنيون من الشيوخ والنساء والأطفال، وما أفضى إلى إثارة المنازعات والخلافات السياسية، بحيث أصبح المسلم يقتل المسلم والمواطن يعتدي على المواطن، لأن ذلك هو النتيجة الطبيعية للفوضى الخلاقة، أو البنّاءة التي بشّرت بها... ولذلك، فإننا نطلق الصوت القوي لكل شعوبنا المستضعفة إلى الوقوف بكل قوة المقاومة والمعارضة والممانعة ضد سياسة الإدارة الأميركية لتوسيع مأزقها في كل مواقعها الاحتلالية والسياسية، لأن ذلك وحده هو الذي يضعف قوتها، ويضغط على مصالحها، ويعيد للشعوب حيويتها، ويمكّنها من تقرير مصيرها بنفسها، لأننا إذا تركنا أميركا تمارس حرية الاحتلال والضغط فستحرق العالم كله بخططها الاستكبارية لا بقنابلها النووية.

أما لبنان، فإنه يهتزّ - في هذه المرحلة - بالعنف الدامي الذي يحوّل الوطن إلى حرب مجنونة بفعل الاهتزاز السياسي الذي منع المواطنين من الحوار العاقل الموضوعي الهادئ بشأن الخطط الواقعية التي تحول دون سقوط أوضاع البلد تحت تأثير الطموحات الشخصية، التي تختفي خلف ستار من النفاق السياسي والطائفي والمذهبي والشخصي الذي يتحدث بكلمات الحقّ التي يراد بها الباطل، ويدعم الخارجين عن القانون بماله ومواقعه ليكونوا الفئة التي يستعين بها في مواجهة خصومه في تنوعاتهم الفئوية الخاصة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هناك مشكلة حسّاسة وهي مشكلة بعض المواقع الدينية التي ابتعدت عن خطاب الوحدة الجامعة التي تجمع الناس على القيم الروحية والأخلاقية والمصالح الوطنية، لتكون منطلقة من خط الإثارة تأييدا لفريق سياسي هنا وفريق سياسي هناك، ما قد يؤدي إلى الفتنة في المجتمع، في الوقت الذي يتحدثون بأنهم للجميع باعتبار أنهم يريدون الشعب خاضعا لامتيازات رموزهم السياسية، وهذا ما نعانيه في كل استحقاق مركزي مستقبلي مصيري يخضع فيه الخطاب وراء الكواليس لتعليمات الموفدين الدوليين الذين يعطون التعليمات المحددة التي تلتقي مع مصالح دولهم ويعلنون أنهم لا يتدخلون في شئون لبنان.

لقد كان النواب ينتظرون كلمة السرّ في بعض استحقاقات الوطن، ومازالت المسألة تنتقل من وحي إقليمي إلى وحي دولي، لأن القضية الرئاسية - وبكل أسف - لا تخضع لحاجات اللبنانيين بل لحاجات الآخرين...

وإننا أمام الاهتزاز الأمني والتفجيرات الخبيثة، نريد للبنانيين أن يعملوا على أساس أن يكون كل مواطن خفيرا وحارسا، لأن السلم الأهلي والأمن الوطني هو مسئولية الجميع.

وأخيرا، إننا أمام مناسبة التحرير الذي نلتقي به في هذا اليوم، علينا أن نعي أهمية هذا الحدث في معطياته المتجددة وفي إلهامه المستمر للشعوب العربية والإسلامية التائقة للتخلّص من الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأميركية.

لقد شكّل تحرير معظم الأراضي اللبناني وطرد العدو محطة كبرى أسست لهزيمة العدو في عدوانه الأخير، ولذلك فإن المسئولية تقع على عاتق الجميع ليس لجهة حماية المقاومة وصون إنجازاتها فحسب، بل لجهة استثمار هذه الإنجازات على مختلف المستويات الأمنية والسياسية والثقافية كونها تمثّل الرصيد الكبير للوطن والأمة الذي لا يجوز التفريط به أو الإساءة إليه في أي ظرف وتحت أي اعتبار.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً