العدد 1731 - السبت 02 يونيو 2007م الموافق 16 جمادى الأولى 1428هـ

المشكلة الطائفية... هل نحتاج لطريق ثالث؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في القرن السادس عشر، قام بعض الهنود وبدافع توحيد الطائفتين المسلمة والهندوسية باختراع تعاليم، بعضها مأخوذ من الإسلام وبعضها الآخر من الهندوسية، ودعا أتباعها إلى «الوحدة بين الهندوس والمسلمين ورفعوا شعار: لا هندوس لا مسلمين، يقول الزعيم السيخي كوبند سنغ: «لا فرق بين مندير - وهو معبد الهندوس - ومسجد، وبين عبادة الهنادك وصلاة المسلمين»، ولكن هذه التعاليم تطورت فيما بعد حتى أصبحت دينا آخر، ومع الأيام أصبحت هناك طائفة ثالثة.

هذه الأيام وعلى إثر تصريح وزير الداخلية الذي قال ان الخطر الأول الذي يتهدد مجتمعنا هو الفتنة الطائفية، أسرع البعض ليثبت أن المشكلة محصورة في الخلاف الفكري الديني بين الطائفتين السنية والشيعية، وبالتالي لا بد من طرح طريق ثالث لحل هذا الإشكال، وهو اللجوء لنشر فكر محايد لا ديني يرتكز على ثقافة التعايش وقبول الآخر. ولكن قد يكون على النمط نفسه، فإن الطريق الثالث اللاديني المُشار إليه آنفا، قد ينفع ويوّحد من ينضوون تحته، بشرط أن يؤمنوا به لحد أن يصبح في ذاته بالنسبة لهم بمثابة الدين.

كمثل الكثير من العلمانيين أو اللادينين الذين يقدّسون مبادئ العلمانية بالقدسية التي يكنها الدينيون لتعاليم دينهم، وإذا وصل العلماني لهذه الدرجة، فإن الأمر لا يتعدى خلق فئة أو طائفة ثالثة في المجتمع كما حدث في الهند وظهور الطائفة السيخية.

مع ذلك، قد تدفع الحوادث والمصالح بعض العلمانيين للتشبث بالنَفَس الطائفي في بعض المنعطفات، وربما ما يجري في لبنان بين فرقاء كثير منهم يؤمنون بالعلمانية، خير مثال على ذلك. وحتى وقت قريب كان الخلاف في أيرلندا الشمالية الواقعة في عمق الحضارة العلمانية متأججا بين البروتستانت والكاثوليك، مع أن الأحزاب أطراف الصراع يشتركون في الإيمان بفصل الدين عن الدولة، ولكن الجذور الدينية قوية لحد أن أفرزت خلافا على أسس دينية، ويدلل هذا على أن مجرد اشتراك الطرفين في الاعتقاد بفصل الدين عن الدولة وثقافة التعايش غير كاف لتوحيد الناس ونسيان الماضي الأليم الذي بدأ حين تبنت انجلترا المذهب البروتستانتي قبل 400 عام وحاولت فرضه بالقوة على الأيرلنديين وقمعت انتفاضاتهم المتكررة منذ القرن السادس عشر.

ومع أن الفكر الليبرالي ينظم العلاقة بين الدين والدولة، ما زلنا نسمع بأحزاب لها سمة دينية في أوروبا، كالحزب الديمقراطي المسيحي الألماني، ومع أن هذا الحزب يشدد في مقدمة قانونه الأساسي على أنه حزب ديمقراطي ليبرالي، غير أنه وأحزاب أخرى يصرون «على الإشارة إلى الدين المسيحي كجزء لا يتجزأ من الهوية الأوروبية».

وجود أكثر من نمط من التفكير قدر لا بد منه، ومن المحال خلو الساحة من المذاهب والديانات المختلفة والمتخالفة، غير أن الخلاف الفكري لم يكن السبب الوحيد أو حتى الرئيسي للصراع في المجتمعات، والتاريخ يشهد بأن التعايش أكثر بكثير من الاحتراب بين مختلف المذاهب والطوائف والأديان. ولا أعتقد أن البحرين تنقصها مثل تلك الحلول أنفة الذكر، لأن هذه الحلول تفترض أن المشكلة تكمن في الفكر فقط وبالتالي فهي محصورة في الشعب فقط، ولكن الصحيح وجود تهاون رسمي لم يكن موجودا من قبل تجاه من يثيرون الحقد الطائفي ويبثون ثقافة التكفير عن طريق الكتب المستورة من بعض الدول والأقراص المدمّجة، وخطبهم المسجدية، مع إقصاء مقصود لفكر الأكثرية من المسلمين من سنة وشيعة القائم على التعايش والاعتراف بالآخر.

صحيح توجد جذور فكرية لا يمكن نكرانها، وهناك كم هائل من التراث البالي يتم توظيفه كوقود للفتنة، ولكن ذلك لا يختص بالخلاف بين الشيعة والسنة، فهو يشمل الأديان المختلفة، بل يشمل حتى المذاهب في الطائفة الإسلامية الواحدة، فلو لم يوجد سوى طائفة واحدة، لوجدت أسباب أخرى للخلاف، كالعرق والقبيلة والمذهب، ومثال على ذلك، يحدثنا التاريخ عن وقوع أحداث دموية في سنة 317هـ في بغداد بين الشافعيين والحنابلة، وكذلك بينهم وبين الأشاعرة كما يذكر إبن خلدون، وأما ما حدث في الأندلس وأضاعها، فلم يكن للطائفية علاقة به وبالصراع بين أمراء المناطق المسلمين الذين ينتمون لطائفة إسلامية واحدة. وإذا افترضنا أن هذه الحوادث تعود للروح الدينية الشرقية، فإن علمانية الأيرلنديين لم تحل دون نزاعهم على أسس التشطير الطائفي الديني.

لا يمكن أن تصبغ الساحة بلون فكري واحد، فلو اقتنع جزء من الناس بالعلمانية، سيبقى جزء يرفضها، وبالتالي فان الخلاف الفكري الذي بنى عليه أولئك أطروحاتهم لحل المشكلة الطائفية، سيكون قائما بين الطرفين.

الوقائع تقول أن الصراع يمكن أن يتفجر بين الدينيين والعلمانيين نتيجة الضغوط والخلافات السياسية قبل الخلاف في المبادئ الفكرية، وأمام أعيننا الخطر الذي ما زال يتهدد الساحة الفلسطينية ويدفعها إلى شفا جرف هار من الاقتتال بين حركة حماس الإسلامية السنية الشافعية وبين حركة فتح ذات التوّجه العلماني، وكلا الحركتين من الأهل والأقرباء، يجمعهم العرق والدم واللغة والتاريخ والطائفة الواحدة أيضا. والمراقب لما يجري هناك، يلحظ أنه وحين يتفجّر القتال، تشتغل آلة تأجيج العداء واستقطاب الأنصار بإثارة الخلاف الفكري بين الحركتين، أما قبل ذلك فمن يعتني بالخلاف الفكري هم النخبة فقط.

إن رسالة الدين تكمن في قدرته على التوفيق بين مصالح مختلف أفراد المجتمع وطوائفه حتى لو كانت تحمل في تفكيرها إرثا سلبيا تجاه الآخر، فالقرآن مثلا فيه آيات تنظر بسلبية لليهود، ولكن توجد في الشريعة أيضا ضوابط تلزم المسلمين باحترامهم وصيانة حقوقهم واعتبارهم مواطنين، ولهذا عاش اليهود والنصارى في بلاد الإسلام معززين مكرمين.

المذاهب الإسلامية ذاتها تعايشت لقرون طويلة ولم يعكر صفو تعايشها سوى بعض الحقب من قبل الأنظمة التي وظفت الدين وبعض رجاله لخدمة أهدافها، خصوصا في عصر الخلافة العثمانية، ولهذا فإن الحوادث الطائفية معدودة جدا مقارنة مع القرون الطوال التي عاشت هذه الجماعات المتخالفة بجوار بعضها البعض.

وفي الإسلام بطرفيه السني الشيعي - إذا جاز التعبير - من العوامل والضوابط الفكرية ما يمنع من التعدي على الآخرين وحقوقهم، وفيه ما يقرّب ويؤلف القلوب ويبعد شبح الفتنة الدينية، ولكن ذلك يحتاج لرعاية رسمية صادقة، تحد من دور التيارات التكفيرية وأصحاب المصالح الخاصة بدلا من تشجيعها على حساب التيارات المعتدلة التي تؤمن بضرورة التعايش السلمي مع كل من يعيش على هذه الأرض، وليس بين السنة والشيعة وحسب. وما يقوم به البعض في مجتمعنا من التحيّز الطائفي، لا علاقة له بمبادئ وقيم مذهبه الديني، وإنما أفرزته ألاعيب السياسة والدفاع عن المصالح الدنيوية المادية، وهؤلاء أنفسهم ما زالوا يوظفون البعد الطائفي الديني في أي خلاف مادام الطرف الآخر من الطائفة الأخرى، ولكن في اليوم الذي تتطلب مصالحهم إذكاء الصراع مع أطراف ينتمون لنفس طائفتهم، فلن تعوزهم الحجج لهذا الغرض، ونموذج لذلك ما يجري حاليا في بعض البلدان، حيث يعاني بعض المتصوفة من أهل السنة من اعتداءات وتكفير واتهامهم بالشركيات على أيدي بعض التيارات السلفية المتشددة المنتمية لنفس الطائفة.

بالمثل يوجد في أوساطنا من يلصقون أنفسهم بالتيار الليبرالي، بينما يتحركون في ظل حركة مصالحهم الخاصة، حتى لو تطلب ذلك منهم الخوض في مياه الطائفية الآسنة وركوب موجة الفتنة.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1731 - السبت 02 يونيو 2007م الموافق 16 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً