العدد 1731 - السبت 02 يونيو 2007م الموافق 16 جمادى الأولى 1428هـ

الدولة العظمى في شباك «الصغار»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لعلها المفارقة العجيبة الفريدة من نوعها في التاريخ السياسي العالمي ان يجلس سفير دولة عظمى بل سفير الدولة التي لاترى نفسها الا الدولة العظمى الوحيدة في العالم وهي أميركا إلى جانب سفير دولة «صغرى» يفترض انها «مارقة» كانت حتى الأمس القريب قد صنفت من قبل رئيس الدولة العظمى المعنية ضمن «مثلث الشر» والتي تنتظر دورها في السقوط أولا على يد ابطال نشر الديمقراطية في العالم ثم لتلتحق بالدولة الديمقراطية «المثال» أي العراق وهي الدولة التي زعمت الدولة العظمى انها ستبنيها على انقاض الدولة الاستبدادية السابقة والتي اطاحت بها بالمناسبة ليس بسبب استبدادها بل بذريعة خطرها على الأمن الدولي أولا والأمن الاقليمي ثانيا والأمن الداخلي العراقي ثالثا!... لتطلب منها أي من الدولة «المارقة والشريرة» ماذا؟ تطلب منها المساعدة والمساندة في إعادة الأمن والاستقرار إلى الدولة المثال! بعد ان فشلت هي فشلا ذريعا في مهمتها المعلنة.

ان السفير رايان كروكر حاول في اجتماعه الثلاثي ان يلقي اللوم على دول الجوار بالطبع وفي المقدمة منها إيران البتة في فشل أميركا في استتباب الأمن العراقي وبما انه محشور بالزمان وبضغط الرأي العام الأميركي وبالمنافسين لرئيسه من الحزب الديمقراطي وايضا من الرأي العام الداخلي العراقي الذي بدأ يضيق ذرعا بالاحتلال وبالتالي لابد له مهما طال الزمن معه ان يعد حقائبه للرحيل لاعتبارات أميركية داخلية وعراقية باتت ملحة فإنه لم يكن يملك الكثير من أوراق المناورة في المفاوضات مع سفير دولة تعتبر الجارة الأهم للعراق أولا والدائمة البقاء إلى جانبه كيفما تغيرت الأحوال ثانيا وغير المستعجلة على أي شيء في العراق بما فيه أمر انسحاب قوات الاحتلال منه ثالثا والعميقة الترابط بالنسيج العراقي الداخلي رابعا فان السفير الإيراني حسن كاظمي قمي بالمقابل شعر أنه «في بيته» بمعنى انه تصرف وكأنه غير مستعجل على شيء حتى المطالبة برحيل قوات الاحتلال ناهيك عن امتلاكه لغالبية اوراق اللعبة الداخلية العراقية والاقليمية بالإضافة إلى تقاطع الكثير من وجهات نظر بلاده عن العراق مع وجهات النظر الدولية بل والأميركية الداخلية.

فإيران وان لم تطرح ضرورة جدولة انسحاب المحتل وبشكل ملح باعتباره أم المشكلات لكنها طرحت ضرورة المشاركة الاقليمية الفعالة في أي حل لعراق المستقبل ما يعني ضرورة اشراك الحليفة سورية ودول الجوار الخليجي وتركيا ومصر والجامعة العربية التي بدأت سلسلة مشاروات جدية معها بشأن أكثر من ملف اقليمي ساخن في مقدمته العراق كما علم هنا وذالك اثناء اجتماعات مكثفة عقدها المسئولون المعنيون بالملف الاقليمي مع السيد هشام يوسف الموفد الخاص لعمرو موسى إلى طهران قبل أيام واخيرا ضرورة اشراك كل الاطراف الدولية المعنية ما يجعل الاحادية الأميركية التي اتبعت حتى الآن في معالجة الملف العراقي تتجه إلى مزيد من الانكفاء.

لقد كان لقاء باردا وجافا إذا بين خصمين غير متكافئين في المسرح الدولي الغلبة فيه ربما لأول مرة «للأصغر» والاطول بالا!.

لقد اثبتت تجربة العراق أن الغلبة العسكرية لا تولد غلبة سياسية بالضرورة! وان فقدان الوضوح في الاستراتيجيات يولد فراغا وبما ان الفراغ أمر لا يمكن أن يدوم ولا معنى له في المنطق فإن هذا الفراغ سرعان ما يملأه خصمك مهما كان «صغيرا» ومهما استهنت به والنتيجة ستكون التسليم ببعض ما كنت ترفضه عندما كنت في اوج صعودك! وهكذا كانت المفاوضات مع طهران أشبه بالعلقم الذي لابد منه لإدارة ظلت حتى آخر لحظة ترفض الاذعان لتناوله!.

طهران من جهتها التي لم تحسن الظن يوما بالأميركيين ولا يعتقد أحد بأنها غيرت من نظرتها من اجتماع واحد تراها مستعجلة على أمر آخر تعتبره أكثر أهمية من الاجتماع بالأميركيين الا وهو استثمار هذا الاجتماع في تحسين صورتها لدى أصدقاء أميركا التقليديين أو أصدقائها الجدد فالأنباء التي تتردد في الأروقة الخلفية في طهران تتحدث عن تحضيرات تجري على قدم وساق لتأمين زيارة مفاجئة للرئيس أحمدي نجاد إلى مصر ربما حتى قبل إعادة العلاقات الديبلوماسية الكاملة معها أو في سياق مثل هذا الحدث الذي سيكون تاريخيا بكل المعايير والمستويات! هذا بالإضافة إلى التسريع في إعادة تفعيل المبادرة المشتركة مع المملكة العربي السعودية حول لبنان وأخيرا وليس أخرا ربما القفز في الهواء باتجاه فرنسا ساركوزي البوشي الهوى سواء من الباب اللبناني أو من الباب النووي.

ليس من باب الادب البروتوكولي ان يصر الإيرانيون على ان يكون اجتماعهم الأول مع الأميركيين في بغداد بالذات وبحضور المالكي تحديدا على رغم من انهم غير راضين على المالكي تماما مثلهم مثل الأميركيين لكنهم ارادوا ان يبلغوا الأميركيين وبحضور المالكي شخصيا بأن الانقلاب على العملية السياسية واسقاط المالكي بطريقة «غير ديمقراطية» كما كان يتردد بقوة قبل الاجتماع خط أحمر لن تقبل به طهران وهذه نقطة كافية لوحدها ان تحرج الأميركي الذي ظل يردد على امتداد السنوات الأربع الماضية بضرورة «تعميم الديمقراطية» في المنطقة وتجعله في الموقف الاضعف في المفاوضات أمام حليفه العراقي لاسيما إذا ما عرفنا ان الإيراني يفضل مرشحين أخرين كثر على المالكي لكنه يناور به كورقة لا تزال رابحة أمام البعثي «المتلون» والمرشح المفضل لدى الأميركي رئيس الوزراء السابق أياد علاوي!.

انها مرة أخرى ديبلوماسية حياكة السجاد التي تفاجئ الكاوبوي الأميركي المستعجل على انجاز مهمة «الانسحاب المشرف» بأي ثمن كان!.

ليست طهران وحدها هي اليوم من تتحدى وتتمرد على المارد الأميركي! سورية لم تعد تبالي كثيرا بما يقوله عنها الأميركيون بل وترد عليهم عندما ينتقدونها بجواب تهكمي ينم عن استخفاف واضح بالقول: «فلتهتم أميركا بما لديها من مشكلات» وكذلك بدأت تفعل الكثير من الدول «الصغيرة» الأخرى التي صرنا نسمع منها مبادرات واجراءات تنم عن استقلالية واضحة في القرار على أكثر من صعيد اقتصادي ومالي وأمني! وإذا كان هذا هو حال الدول الصغرى فعن الدول الكبرى حدث ولا حرج من الصين وألمانيا وصولا إلى روسيا التي باتت تهددها بحرب باردة جديدة! فضلا عن الحديث المتكرر عن احتمال ان «تتحول اوروبا إلى برميل بارد» إذا ما أصرت واشنطن عى مشروعها للدرع الصاروخي! انه زمن الصغار الذين يعرفون كيف ومتى يتم ملء الفراغ الاستراتيجي!.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1731 - السبت 02 يونيو 2007م الموافق 16 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً