العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ

ماذا فعلت السلطة بعدل القضاء ونزاهته (1)

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

في أحد المؤتمرات الدولية اجتمع بعض رجال القضاء من الدول الغربية والعربية في ندوة جانبية لبحث أوضاعهم وظروف عملهم في هذه الدول، وكما هي طبيعة رجال القضاء اتسمت نقاشاتهم بالعقلانية والصراحة مع بيان الأسباب التي أقام عليها كل منهم وجهة نظره، ونقدم في هذا المقال حصيلة هذا الحوار باعتباره يمثل عرضا سريعا لمشكلة القضاء في العالم عموما وفي الدول العربية خصوصا كما أنه يسلط الضوء على الوسائل التي يمكن من خلالها علاج هذه المشكلات.

الوضع في الغرب

بدأ أحد القضاة من الدول الغربية حديثه بقوله: لقد طالعت معظم دساتير الدول العربية فوجدت أنها تولي مبدأ المساواة أهمية خاصة باعتباره ركيزة أساسية للحريات العامة، وأضاف قائلا: وتعلمون جميعا أنه من المتفق عليه أن هذا المبدأ يشمل المساواة أمام القانون، وهي تعني عدم التمييز بين أفراد الفئة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية، والمساواة بالنسبة إلى الوظائف العامة أي مساواة جميع المواطنين في تولي الوظائف العامة ومعاملتهم المعاملة نفسها من حيث شروط شغل الوظيفة ومزاياها وحقوقها، وأضاف المتحدث يقول: على أن أهم تطبيقات مبدأ المساواة التي تعنينا في هذه الندوة هو تطبيق المساواة أمام القضاء التي تعني أن يكون لجميع المواطنين حق التقاضي أمام محاكم واحدة وفقا لقانون واحد وبإجراءات واحدة بلا تمييز أو تفرقة بسبب الأصل أو الجنس أو اللون أو العقيدة أو الآراء الشخصية، كما يحظر مبدأ المساواة أمام القضاء إنشاء محاكم خاصة لفئة معينة من المواطنين إذا كان وجودها يؤدي إلى تمييز فئة من الأفراد على غيرها أو انتقاص حقوق طائفة من الناس مقارنة بطائفة أخرى ولم تكن هناك ضرورة لإنشائها، ويشمل ذلك محاكمة الأفراد أمام قاض آخر غير قاضيهم الطبيعي، واستطرد المتحدث موضحا أن السلطة التنفيذية في بلادنا تحترم مبادئ الدستور وتطبقها على الوجه الصحيح، لأنها تؤمن بأن من شأن هذا الاحترام والتطبيق الصحيح لمبادئ الدستور توفير ضمانة أساسية لتحقيق تقدم المجتمع وتطوره، وهو التقدم الذي لم يكن لنا أن نحققه ونباهي به العالم لولا احترامنا لمبادئ الدستور.

واختتم هذا المتحدث حديثه بقوله: إن بلادنا تحرص على احترام وتطبيق الديمقراطية تطبيقا سليما، وتعرف كل سلطة حدودها فلا تتعدى سلطة على اختصاصات سلطة أخرى ولا تحاول إلغاء وجودها، ومن هذا الاحترام وذلك الحرص تمتع قضاؤنا بحرية واستقلال كاملين، فلا يتدخل في أعماله أحد ولا يوصي أي فرد أيا كان مركزه بأن يكون الحكم في قضية معينة على وجه معين، وهكذا فإنه لا وجود لأية مشكلة لدى القضاء في بلادنا مادمنا نحترم الدستور ونحرص على تطبيق الديمقراطية تطبيقا سليما، وتحترم كل قيادة حدودها المرسومة لها في الدستور.

حتمية الصمود

وقال قاض آخر من الدول الغربية: إن الأمر المهم والجوهري ليس هو ما تتضمنه النصوص الدستورية التي تؤكد أن شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الحكم وضمان للحقوق والحريات وأنه لا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، وأنه لا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ذلك أن الأهم من هذه النصوص هو احترام السلطة التنفيذية لهذه المبادئ وسعيها لترسيخها وتنفيذها، فإذا أظهر الواقع تدخل هذه السلطة في أعمال القضاء وقبل القضاء هذا التدخل خوفا أو طواعية أو سعيا لمغنم فلا شرف للقضاء ولا نزاهة للقضاة ولا ضمان للحقوق والحريات، واختتم المتحدث حديثه قائلا: إن القاضي في الدول غير الديمقراطية يقع بين مطرقة السلطة التنفيذية وسندان ضميره، فإذا استخدمت هذه السلطة مطرقتها فليس أمام القاضي سوى أن يواجه هذه المطرقة بقوة وسلطان ضميره، أما إذا خضع وأمات ضميره فقد ضاع القضاء وانهزم العدل وشاع الظلم، وعلى الناس في هذه الحال أن تلجأ إلى مجالس التحكيم العرفية التي كانت معروفة في قديم الزمان، ليحكم بينهم شيوخ طوائفهم أو كبار قومهم أو عقلاء مجالسهم، وينتهي الأمر عند هذا الحد من دون أن يتكبد المجتمع كلف إنشاء سلطة قضائية لا شرف لها.

دروس التاريخ

وقال قاض ثالث من الدول الغربية أيضا: إن قيم استقلال القضاء عندنا وتفاني قضاتنا في أداء رسالتهم النبيلة وتقديس القسم الذي أدوه حين ولوا القضاء راسخة في بلادنا منذ قديم الأزل، فلا حاول حكامنا قهر قضاتنا والسيطرة عليهم أو إرهابهم في أرزاقهم أو تسليط فئة منهم على فئة أخرى أو استخدام المزايا المادية وسيلة لتخريب ذممهم، ولا استجاب قضاتنا لأية تدخل وحافظوا على أن تكون أحكامهم نابعة من ضمائرهم وقناعاتهم بعيدا عن أية تدخلات سلطوية، واستطرد هذا المتحدث موضحا: عندما كان هنري الخامس ملك إنجلترا وليا للعهد سيق أحد خدمة المقربين منه إلى المحاكمة فغضب لذلك، وتوجه إلى المحكمة مع حراسة مقتحما قاعة المحكمة غاضبا طالبا من القاضي إخلاء سبيل الخادم، وأضاف هذا المتحدث قائلا: لاحظوا معي أنه في هذه الواقعة حاولت السلطة التدخل في أعمال القضاء بالقوة وليس بالترغيب أو الترهيب فقط، فماذا كان موقف القاضي؟ هل استجاب لتدخل السلطة أم استجاب لنداء ضميره؟ وأضاف اسمعوا معي ماذا حدث؟ لقد نظر القاضي إلى ولي العهد في هدوء قائلا: سيدي، تذكر مركزك كولي للعهد، إنني هنا أجلس مكان والدك الذي ندين له كملك وأب بالولاء وباسمه أتهمك بإساءة السلوك، وبأنك لا تقدم بذلك مثلا طيبا لأولئك الذين سيصبحون يوما رعاياك، ولهذا ولما ارتكبته من امتهان للقضاء آمرك بأن تسلم نفسك إلى سجن محكمة منصة الملك، وأن تظل فيه حتى تحاكم وفق مشيئة الملك»، وتساءل المتحدث؟ هل أمر ولي العهد حراسه بقتل القاضي أو اعتقاله أو نفيه؟ أم أنه أدرك أن القاضي لم ينطق إلا بالحق وبغير ما أملاه عليه ضميره غير عابئ بأي عقاب طالما أنه أرضى ربه؟ وأضاف المتحدث مستطردا «لقد ألقى ولي العهد سلاحه، وتوجه إلى السجن تنفيذا لأمر القاضي». لكن ماذا كان موقف الملك وقد علم أن ابنه ولي العهد في السجن؟ هل أمر بإحضار ابنه معززا مكرما وسجن القاضي بدلا منه. قال المتحدث :لما علم الملك بذلك جثا على ركبتيه شاكرا لله أن وهبه قاضيا لا يرهب أحدا في العدل، كما وهبه ابنا يخضع لحكم القضاء. واختم المتحدث حديثه قائلا: لقد حققنا تقدمنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأن لدينا سلطة لا تتدخل في أعمال القضاء، وتحترم القضاة بل سلطة تخضع لحكم القضاء، وفي الوقت نفسه لدينا قضاة لم يرهبهم أحد في إدارة العدل غير خشية الله والضمير.

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً