العدد 1745 - السبت 16 يونيو 2007م الموافق 30 جمادى الأولى 1428هـ

الأدوات الاقتصادية ومرونة السعر والطلب للمياه الجوفية (7)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرض المقال السابق موضوع الاعتبارات الاقتصادية كجزء أساسي ومكمل لعملية تخطيط وإدارة الموارد المائية الجوفية، وكمحفز لرفع كفاءة استخدام المياه الجوفية واستدامتها لخدمة المجتمعات الخليجية، وخصوصا أن القيمة الاقتصادية للمياه الجوفية في تزايد مستمر في هذه الدول بسبب الزيادة السكانية والتنمية الاقتصادية والطلب على الغذاء من جهة، وتقلص الكميات المتاحة للاستثمار منها بسبب استنزافها وتلوثها من جهة أخرى، بالإضافة إلى الحاجة المتزايدة لها كمخزون استراتيجي لحالات الطوارئ في هذه الدول.

وبيّن المقال بأن تقييم المياه الجوفية في دول مجلس التعاون يتم بصورة متدنية جدا، إذ يحصل المستخدم لها على جميع منافع استخدامها بشكل شبه مجاني لا يتناسب مع قيمتها أو كلفتها الاقتصادية الحقيقية، ويتم السماح للمستخدم الاستفادة منها بالشكل الذي يريد (سواء كان ذلك لصالح المجتمع أم لا)، وبالكميات الذي يريد حتى لو أدى ذلك إلى استنزافها وخسارتها من دون دفع ثمنها الحقيقي أو ثمن تدهورها للمجتمع الذي يمتلكها في الأساس.

وانتهى المقال إلى ضرورة النظر بجدية في استخدام بعض الأدوات الاقتصادية لتحسين إدارة المياه الجوفية في دول المجلس لاسترجاع بعض من الكلف الحقيقية لهذه الموارد، ولتحفيز المستخدمين لها على رفع كفاءة استخدامهم لهذه المياه والاستفادة منها بكفاءة في مشروعات ذات قيمة ومردود عاليين.

وعموما، يمكن تقسيم الأدوات الاقتصادية التي يمكن تطبيقها لتنظيم استخدام المياه الجوفية ورفع كفاءة استخدامها إلى أدوات مباشرة وأدوات غير مباشرة. وتشمل الأدوات الاقتصادية المباشرة أساسا فرض تعرفة على الكميات المسحوبة من المياه الجوفية، ويحتاج ذلك إلى تركيب العدادات على آبار المياه الجوفية لحساب الكميات المسحوبة من المياه الجوفية. وإذا تعذر ذلك، وهذا هو الحال في أغلب دول المجلس، فيمكن تقدير هذه الكميات بطريقة غير مباشرة من خلال مساحة المنطقة الزراعية ونوع المحصول الزراعي، وفي بعض الأحيان يمكن تقدير الكميات المسحوبة من المياه الجوفية من خلال معدلات استهلاك الطاقة المستخدمة لسحب المياه الجوفية إذا توافرت هذه البيانات.

أما بالنسبة للأدوات الاقتصادية غير المباشرة، وتسمى كذلك بالمحفزات الاقتصادية الإيجابية positive economic incentives، وهي عبارة عن إدخال محفزات اقتصادية لتشجيع الاستخدام الكفء للمياه الجوفية وترشيد استخداماتها من خلال الكثير من الأشكال التي تتناسب والأوضاع السائدة في المنطقة، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق دعم جزء أو أجزاء من عمليات الإنتاج المتعلقة بالمياه أو مخرجاتها، مثل دعم الدولة للمزارعين لإتباع الطرق الموفرة للمياه لتوجيههم إلى استخدام وسائل الري الحديثة التي تقلل من استهلاك المياه وإهدارها، أو دعم زراعة المحاصيل قليلة الاستهلاك للمياه، وغيرها من أشكال التدخل الاقتصادي الموجهة. كما يمكن أن يكون ذلك عن طريق إزالة الدعم عن مدخلات ومخرجات الإنتاج مثل إزالة الدعم عن المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه (مثل القمح والبرسيم).

ويمكن أن يتم ذلك على مستوى أعلى بتغيير السياسات الزراعية لتعكس الندرة المائية السائدة بالمنطقة، أو تعديل سياسات التجارة الخارجية في الغذاء وتعزيز السياسات الموجهة نحو الأسواق من خلال زراعة المحاصيل التي تكون إنتاجيتها المائية عالية ومحتواها المائي منخفضا.

وإذا نظرنا إلى عملية تطبيق الأدوات الاقتصادية في دول المجلس في عملية تخطيط وإدارة الموارد المائية، فسنجد أن الدول التي اهتمت بتحسين إدارة المياه الجوفية وتنظيم استخدامها قد قامت وحتى الوقت الحالي بالتركيز بشكل كبير على الأدوات الاقتصادية غير المباشرة، وتمثلت هذه أساسا في مجالين رئيسيين، وهما تقديم الإعانات لدعم استخدام طرق الري الحديثة، وإزالة الدعم الزراعي الحكومي عن المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه. إلا أن الملاحظ أن الأسلوب الأخير هو بمثابة محاولة لتعديل أو تصحيح لسياسات التوسع الزراعية السائدة في معظم دول المجلس، والتي من بين أدواتها برامج دعم الأسعار للمنتجات الزراعية، ما يمثل أصلا تعارضا صارخا لسياسات المحافظة على المياه الجوفية!

ويبين الواقع الحالي للمياه الجوفية بأن تطبيق هذه الأدوات الاقتصادية غير المباشرة في دول المجلس لم يؤد إلى «تخفيض حقيقي» في معدلات السحب من المياه الجوفية في هذه الدول، وفي أحسن الأحوال أدت هذه الأدوات إلى تخفيض معدل النمو في زيادة الكميات المسحوبة من المياه الجوفية. ولذا، ومن أجل إعادة خزانات المياه الجوفية الموجودة حاليا إلى حالتها الطبيعية وخفض مستويات السحب غير المستدامة منها، فإن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات أقوى من المتبعة حاليا، والتوجه إلى الأدوات الاقتصادية المباشرة، والمتمثلة في فرض تعرفة مباشرة على الكميات المسحوبة من المياه الجوفية.

وتعتمد هذه الأداة الاقتصادية عموما على المبدأ الاقتصادي الذي يرى أن السعر المفروض لسلعة ما يلعب دورا مؤثرا في تحديد الطلب عليها، وبأن زيادة السعر لهذه السلعة سيؤدي إلى انخفاض الطلب عليها. وعليه، فإن رد الفعل المتوقع لمستهلك المياه الجوفية تجاه زيادة السعر عليها سيؤدي إلى تقليل استهلاكه لهذه الموارد، وسيؤدي إلى استخدامها في مشروعات ذات قيمة عالية. إلا أن هذا المبدأ الاقتصادي يمكن تطبيقه على السلع الاقتصادية ذات الصفة الكمالية التي تخضع لقضايا العرض والطلب، والتي تسمى بالسلع المرنة.

إلا أنه في حالة المياه عموما فإن الوضع يعتبر معقدا نسبيا ولا يمكن تطبيق هذا المبدأ الاقتصادي بشكل حرفي، إذ إن هناك الكثير من العوامل والاعتبارات التي تؤثر في وضع تعرفة لاستخدامات المياه الجوفية وهيكل هذه التعرفة، ومن أهمها نوع الاستخدام وأهميته (إذا ما كان للشرب أو الاستخدام المنزلي أو للزراعة أو للصناعة أو للسياحة)، ومدى توفر المياه ودرجة ندرتها، والمستوى الاقتصادي والمعيشي للمستهلكين. فالمياه عموما تعتبر من السلع الأساسية للإنسان وتتسم بعدم المرونة في العلاقة بين السعر والطلب بسبب ضرورية المياه، ولذا، فإن تطبيق هذا المبدأ حرفيا عليها غير منطقي وغير مقبول. ولكن يمكن تطبيقه في حدود معينة ويحتاج إلى دراسات معمقة لتحديد تلك الحدود التي تصبح بعدها استخدامات هذه المياه خارج الاحتياجات الأساسية للمستخدم وتدخل في الكماليات ويتم ذلك من خلال نظام الشرائح (أنظر «سياسات الدعم... عامل مرشد أم مشجع لاستهلاك المياه في المملكة»، الوسط، العدد 1388، 25 يونيو/ حزيران 2006).

ففي حالة استخدام المياه الجوفية للأغراض الأساسية للإنسان مثل الشرب والاستخدام الآدمي فستكون المرونة منخفضة جدا، وهناك حد أدنى من كميات المياه لا يمكن الاستغناء عنها مهما زاد السعر في هذه الاستخدامات.

أما في حالة استخدام المياه الجوفية في الأنشطة الاقتصادية غير المتعلقة باحتياجات الإنسان الأساسية، مثل الأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية، فإن المياه هنا تبدأ في اكتساب صفة المرونة وستكون أكثر تأثرا بالتعرفة المائية. وسيعتمد وضع تعرفة للمياه الجوفية لهذه الاستخدامات على مبدأ اقتصادي آخر وهو «القدرة على الدفع» willingness to pay، والذي من خلاله يتم تحديد القيمة الاقتصادية للمياه في هذه الأنشطة. فعلى سبيل المثال، ستكون قدرة الأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية على الدفع نظير استخداماتها للمياه الجوفية أعلى من قدرة الأنشطة الزراعية على ذلك، كما أنه ضمن الأنشطة الزراعية ستكون القدرة على الدفع لدى الشركات الزراعية الكبرى أعلى منها في حالة المزارع الصغير الذي يعتمد على الزراعة كمورد رزق لعيشه وغذائه. يستكمل المقال المقبل فرص تطبيق التعرفة على استخدامات المياه الجوفية في دول المجلس.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1745 - السبت 16 يونيو 2007م الموافق 30 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً