العدد 1752 - السبت 23 يونيو 2007م الموافق 07 جمادى الآخرة 1428هـ

الخسن والخسين ثلاثتهم بنات مغاوية!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

أولا ادخل في صلب الموضوع لأقول إن «الدورة الدموية» العربية والإسلامية تنزف بشدة ومنقطعة النظير من العراق إلى فلسطين إلى لبنان إلى افغانستان، فيما أرباب السلطة في بلادنا من كل لون أو فئة أو طائفة أو مذهب أو مدرسة سياسية يتغنون «بالشرعية»! التي يتمتعون بها وإنجازاتها على الصعيد السياسي وينظرون إليها بكل اللغات والأبعاد إلا بعد الناس أو الأنسان الذي يفترض أن السلطة من أجله تقوم!.

ففي العراق هناك نزف يومي لكل ألوان الطيف البشري فيما الطبقة السياسية لا تناقش إلا موضوعة من هو مع الحكومة» الشرعية أو ضدها حتى تعطيه الثواب أو العقاب الذي يستحقه! باعتبار أن الحكومة جاءت بالانتخابات ولا تذهب إلا بالانتخابات! هذا في حين أن «الغلابة» وهم عامة الناس يعانقون الموت يوميا بحثا عن كسرة خبز حلال والتأكد من العودة سالمين هم وأهليهم إلى مساكنهم مع نهاية كل نهار! وسحابة الاحتلال الثقيلة وإفرازاتها من فرق الموت المتعددة الهوى والهوية لا تنفك من إسدال ستارتها اليومية على عاصمة الرشيد إلا بإضفاء «الشرعية» على إزهاق أرواح ما معدله 50 جثة مجهولة الهوية!.

وفي فلسطين وعلى رغم اختلاف الظروف والحيثيات فإن حال «الغلابة» من الناس وهم الأكثرية لا يختلف كثيرا عن العراق، بعدما أصبح العقلاء من الطبقة السياسية يطلقون صفة «الجيفة» على مقولة «السلطة» في ظل حال التناحر والاقتتال بين الأخوة على خريطة توزيع للسلطات وضعها الاحتلال ومع ذلك لا تنفك الغالبية الساحقة من الطبقة السياسية تجادل على حقوقها «الشرعية» الانتخابية أو الدستورية!.

وفي أفغانستان ليس الحال بأحسن مما هو عليه في العراق أو فلسطين، إذا لم يكن أسوأ بكثير بأعتبار المعايير هناك مقلوبة كلها ولا أحد من العقلاء يمكن أن يتفهم أصلا سر بقاء هذا «الكاراكوز الانتخابي» الذي اسمه «حكومة كارازاي» والذي صار مضرب المثل لكل تنصيب احتلالي محتمل في مكان جديد في العالم! إلا عندما نتذكر ذلك التناحر وما سماه البعض في حينه بـ «اقتتال الدمار الشامل للأخوة المجاهدين»! وكيف اخرج من بطنه المرحلة الطالبانية ومن ثم فيما بعد تداعياتها التراجيدية الاحتلالية «الشرعية» الراهنة!.

الأمر نفسه يكاد يتكرر في لبنان في كل لحظة بل أنه يحضر له في كل ساعة وحين، فيما الطبقة السياسية منهمكة في نقاش «دستوري ميثاقي شرعي» أصبح أكثر من عقيم في ظل الحوادث التي ليس فقط تجاوزته بل أخشى ما أخشاه أنها تجاوزت لبنان الوطن الذي كنا حتى الأمس القريب نتغنى به بأنه لوحة بديعة للتسامح والتعددية والحوار والعيش المشترك مع الآخر!.

لست هنا منقلبا على أحد ولا منقصا على «شرعية» أحد ولا متطاولا على قامة أحد أي أحد! ولا مطالبا أحد بالتخلي عن أي من المبادئ الثورية أو العقلانية التي يؤمن بها والتي أعتقد أن بالإمكان الجمع بينهما بشكل متواز وخلاق لكنني بدأت أضيق بهذا النقاش بل هذه الهرطقة القاتلة بشأن موضوعات السيادة والاستقلال والحرية و»الشرعية» الدستورية أو الديمقراطية أو الانتخابية أو البرلمانية وكل ما يشبهها من مقولات خداعة وكاذبة ومضللة للناس الغلابة مهما بدت براقة أو ممتعة أو مربحة أو «ربحية» بنظر الطبقة السياسية العائمة على طوفان استعمار جديد هو من نوع «الاستحمار» الذي كان يتحدث عنه المفكر الإيراني الشهير المرحوم علي شريعتي والتي تصادف هذه الأيام ذكرى وفاته الثلاثينية. وما دمنا قد ذكرنا إيران فثمة مثل إيراني شهير قد يبين الحال «الغلط» التي نعيشها برأيي وهو عندما يقول المعلم لتلميذه «ضع خطا تحت الكلمة «الغلط» في الجملة التالية: «الخسن والخسين ثلاثتهم بنات مغاوية»!.

فهل ثمة من أمر من أمور بلادنا يسير على مايرام أو في إطار المعقول أو القواعد العقلانية المتبعة والمعروفة في العالم؟! فكل شيء عندنا أصبح مستباحا حتى الكلمات والحروف ناهيك عن الإنسان! وكأن الدنيا صارت تسير في بلادنا بالمقلوب! والهرم وضع على غير قاعدته!.

ففي العراق مسموح لكل الدول الأجنبية البعيدة التدخل في شئونه بل التحكم فيها حتى النخاع وبجميع أشكال التدخل التي تخطر على البال أو لا تخطر، فيما ممنوع على الدول العربية والإسلامية ودول الجوار خصوصا من إبداء القلق فيما يحصل له لأنها سرعان ما توضع تصريحاتها في «شبكة الكلمات المتقاطعة» الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو ماشابه، بينما الكل يعرف من هو السبب الحقيقي وراء هذه الشبكة الكارثية المتقاطعة وتراه أما غير قادر على النطق بالحقيقة أو غير مسموح له بذلك وشلال الدم العراقي لا يتوقف عن الانسياب وكأن بلاد الرافدين باتت في كوكب آخر أو بتنا نحن من كوكب آخر!.

وفي أفغانستان التي كان يوما اسمها نورستان كما ورد في التاريخ القديم فقد أصبحت كما يقول الغلابة من أهلها ولاية من ولايات «كفرستان» بعد أن عاثت بها القوات الاحتلالية الأجنبية فسادا ولم ترحمها حتى بالافتخار الذي سبق لها أن سجلته في مجال مكافحة المخدرات وهي من بعض مزايا حكم «المجاهدين» النادرة فأبوا إلا أن يعيدوها إلى سابق عهدها لتصبح مزرعة للآفيون والسم الزعاف من سائر المخدرات وتحت أعين ورعاية وإشراف ما يسمى بالمجتمع الدولي الحر!.

وأما في فلسطين فحدث ولا حرج لا سيما بعد وقائع اقتتال الأخوة الأعداء المشئومة والتي وإن كنا ندينها جميعا من حيث المبدأ إلا أن رد الفعل المشبوه بنظر البعض والملغوم بنظر البعض الآخر لكنه الأسرع من الصوت في إدانة طرف والثناء على الطرف الآخر جعل كل المقاييس والمعايير التي سمعناها من الغرب والمجتمع الدولي عن الحيادية والموضوعية والعقلانية وغيرها الكثير تصبح في مهب الريح بل نقرأها بالشقلوب كما يقولون عندنا بالعامية.

وليس الوضع في لبنان بأحسن مما ذكرنا من أمثلة على الإطلاق، ولا التعامل مع الملف النووي الإيراني المتهمة صاحبته بالظن والتخمين واحيانا باللغط المقصود بشأن ميول احتمالية التسلح! مقابل التجاوز الوقح والفظ والمستنكر عن اعتراف الدولة الإسرائيلية بحيازة قنابل نووية «عينك عينك» كما يقول المثل بأحسن حال من حالات العيش «بالشقلوب»! في هذا العالم الدموي الغريب الأطوار والمدعي كثيرا لكنه الظالم لأكثرية سكان الكرة الأرضية بحكم الغلبة للقوة النارية والخديعة اللغوية البهلوانية!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1752 - السبت 23 يونيو 2007م الموافق 07 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً