العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ

فرض تعرفة على استخدام المياه الجوفية في دول مجلس التعاون (8)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

استعرضنا سابقا الأدوات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي يمكن تطبيقها لتنظيم استخدام المياه الجوفية وتحسين مستوى إدارتها في دول المجلس وتحفيز المستخدمين لها على رفع كفاءة استخدامهم لهذه المياه والاستفادة منها بكفاءة في مشروعات ذات قيمة ومردود عاليين. وبين المقال بأنه في دول المجلس التي اهتمت بتحسين إدارة المياه الجوفية وتنظيم استخدامها تم التركيز بشكل كبير على الأدوات الاقتصادية غير المباشرة، إلا أن تطبيق هذه الأدوات لم يكن فعالا في تحقيق «الخفض الحقيقي» المطلوب في معدلات السحب من المياه الجوفية في هذه الدول، وبأن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات أقوى من المتبعة حاليا، والتوجه إلى الأدوات الاقتصادية المباشرة، والمتمثلة في فرض تعرفه مباشرة على الكميات المسحوبة من المياه الجوفية.

كما بين المقال أن مرونة السعر والطلب على المياه، كسلعة اجتماعية ضرورية قبل أن تكون اقتصادية، هي منخفضة بشكل عام، وأن هناك الكثير من العوامل والاعتبارات التي تؤثر في وضع تعرفه لاستخدامات المياه الجوفية وهيكل هذه التعرفة، ومن أهمها نوع الاستخدام وأهميته، ومدى توافر المياه ودرجة ندرتها، والمستوى الاقتصادي والمعيشي للمستهلكين، وأنه يمكن تطبيق الأدوات الاقتصادية المباشرة على استخدامات المياه الجوفية في حالة استخدامها للأغراض غير المتعلقة باحتياجات الإنسان الأساسية، مثل الأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية، مع الأخذ في الاعتبار تفاوت القدرة على الدفع لهذه الأنشطة الاقتصادية، أما في حالة استخدامها للأغراض المتعلقة باحتياجات الإنسان الأساسية، فيمكن تطبيقها بعد حد معين عندما تدخل استخداماتها في بند الكماليات.

وفي حين أنه من السهل نسبيا فرض تعرفه على الأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية في دول المجلس، تبقى الأنشطة الزراعية (المستهلك الرئيس للمياه الجوفية في هذه الدول وحيث يبلغ الهدر أعلى درجاته فيها) هي الأصعب، وذلك بسبب الكثير من التعقيدات والحاجة إلى إجراء دراسات ذات بعد تقني واقتصادي واجتماعي وسياسي، وكذلك بسبب الحاجة إلى سياسات ذات مستوى أعلى للتنمية الاجتماعية والاقتصادية من سياسات القطاع الزراعي وقطاع المياه، ما يتطلب إجراء تنسيق بين المسئولين في هذين القطاعين مع واضعي سياسات التنمية الاجتماعية - الاقتصادية العامة للدولة في كيفية تحقيق ذلك.

وعلى رغم أنه من المنطقي والمطلوب أن يتم دعم المزارعين الفقراء الذين يعتمدون على الزراعة كمورد رزق لعيشهم ولغذائهم بهدف رفع مستوى معيشتهم، إلا أن دعم السحب من المياه الجوفية ليس هو الوسيلة المثلى لذلك، إذ إن زيادة السحب من المياه الجوفية سيؤدي إلى تدهورها وتقليص توافر هذه الموارد الحيوية لهؤلاء المزارعين على المدى الطويل، وسيؤدي في النهاية إلى تقليل مستوى معيشتهم. ولذلك، فإنه لابد من النظر في دعم هؤلاء المزارعين بطرق أخرى محايدة ولا تؤثر على المياه الجوفية، المصدر الرئيسي الذي يعتمدون عليه، مثل نظام الكوبونات أو الأرصدة المالية المتبع في عدد من الدول، إذ يتم فرض تعرفة على المياه الجوفية للاستخدام الزراعي وإعطاء المزارعين كوبونات أو مبالغ نقدية معينة مقدما لاستخدامها في دفع فاتورة المياه الجوفية. أضف على ذلك أن معظم المزارعين في دول المجلس هم عبارة عن مستثمرين ورجال أعمال وحياتهم غير مرتبطة بالزراعة، وينظرون إلى الزراعة على أنها فرصة استثمارية كأي استثمار آخر، ولن يتوانوا عن التخلّي عن النشاط الزراعي والتوجه نحو استثمار آخر متى ما توافرت الفرصة لذلك أو توقفت الدعومات الحكومية للنشاط الزراعي وأصبح هذا النشاط غير مربح. ولذلك، يصبح من غير المنطقي أن يتم دعم هؤلاء المزارعين بالدرجة نفسها التي يتم فيها دعم المزارعين الفقراء الذين يعتمدون على الزراعة في حياتهم.

وإذا تركنا الأنشطة الزراعية جانبا، فسنجد أن دول المجلس لم تستخدم هذه الأداة الاقتصادية حتى في حالة الأنشطة الصناعية والتجارية والسياحية (مثل الفندقة، الصناعات الغذائية، صناعة الطابوق وغسل الرمال، والمياه المعبأة، وغيرها)، كما سنجد أن كلفة استخدام المياه الجوفية لهذه الأنشطة لا تتعدى كلفة حفر البئر واستصدار رخصة البئر. ولذلك، فإنه من الأهمية بمكان وكخطوة أولى في سبيل إصلاح وضع المياه الجوفية في دول المجلس أن يتم تطبيق التعرفة المطلوبة على هذه الأنشطة بسبب قدرتها على الدفع. ويفضل أن تكون هذه التعرفة تصاعدية ومعقولة ومبنية على نماذج اقتصادية تأخذ في الاعتبار الكميات المطلوبة لتحقيق الربحية الأساسية لهذه الأنشطة ولا تؤثر عليها.

أما في حالة القطاع الزراعي، فإن معدلات استهلاك المياه الجوفية تعتمد على مساحة الأرض الزراعية ونوع المحصول وأسلوب الري المستخدم. وبتحليل النظام الزراعي سنجد أن الأدوات الاقتصادية تستطيع أن تلعب دورا مؤثرا في عنصرين رئيسيين في هذا النظام، وهما نوع المحصول وأسلوب الري المستخدم. وبسبب طبيعة القطاع الزراعي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يحبذ أن يتم تطبيق هذه التعرفة بشكل تدريجي، وقد يكون من المجدي في هذه المرحلة الابتدائية أن يتم العمل على تسجيل جميع مستخدمي المياه الجوفية ووضع عدادات المياه على آبار السحب الخاصة بهم، ومن ثم حساب المياه المطلوبة لري المساحات الزراعية بالمحاصيل الحالية. ويمكن في هذه المرحلة فرض تعرفة بسيطة جدا على هذه الكميات، أو عدم فرض تعرفة عليها، لإعطاء المزارع الإحساس بقيمة هذه المياه، على أن يتم بعد فترة زمنية تحديد الكميات التي يتوجب على كل مزارع سحبها بناء على مساحة الأرض الزراعية ونوع المحصول، ومن ثم فرض تعرفه تصاعدية على الكميات الإضافية عن ذلك، مع مراعاة العدالة الاجتماعية في تصميم هيكل هذه التعرفة.

إن فرض التعرفة على استخدامات المياه الجوفية في دول مجلس التعاون، حتى لو كانت رمزية، سيساهم في رفع قيمة هذه المياه عند المستخدم، وسيؤدي إلى تحفيزه لزيادة كفاءة استخدامه لهذه المياه والابتعاد عن الهدر في استخدامها، وسيقلل من التأثيرات السلبية الناتجة عن استنزافها ويسمح لها باستعادة مستوياتها المائية والملحية، وسيؤخر الحاجة للاستثمار في مصادر مائية بديلة، ويمكن أن يؤدي إلى مردود مالي للدولة يمكن استخدامه في رفع كفاءة القدرات المؤسسية والبشرية المسئولة عن إدارة المياه الجوفية. إلا أن الأهم من ذلك كله، هو أن ذلك سيساهم في استدامة هذه الموارد الطبيعية لخدمة المستفيدين منها أنفسهم، وهو مفهوم أساسي مطلوب إيصاله بشكل ملح لمستخدمي المياه الجوفية في دول المجلس.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً