العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ

الدخول من السماء!

رحلة إلى بغداد (1)

علي الشرقي ali.alsharqi [at] alwasatnews.com

إذا كان الدخول إلى عواصم العالم يكون عبر وسيلتين آمنتين على الأقل إحداهما جوية والأخرى برية أو بحرية، فإن الدخول إلى بغداد لا يمكن إلا أن يكون عن طريق وسيلة آمنة واحدة هي الجو، على رغم أن الطرق المؤدية إلى بغداد هي: برية ونهرية وجوية.

طريقا النهر (دجلة) والبر هما من أخطر الطرق للوصول إلى العاصمة العراقية، فأولهما (دجلة) محفوف بأشكال كثيرة من المخاطر بعضها من الفصائل المسلحة وأخرى من عصابات تستولي على كل ما قد يكون لها مفيد فوق النهر وداخله.

أما الطرق البرية المؤدية إلى بغداد من جهاتها المختلفة فهي تمر من مناطق تسكنها عشائر عراقية أصيلة، لكن مجاميع مسلحة بدءا من بعض الفصائل العراقية التي تستهدف قوات الاحتلال وصولا إلى تنظيم القاعدة الإرهابي وما يواليه من فصائل طائفية أخرى تستهدف العراقيين وجدت لها في بعض هذه المناطق أرضا خصبة للتجمع والانطلاق بسبب خشية هذه العشائر من المواجهات مرة، أو التخويف من سيطرة «الأحزاب الإيرانية» على مناطقهم مرات.

قبل الدخول إلى بغداد من الجو يستعد المسافرون لحالة هبوط نادرة لا تخلو من غرابة أو حتى خوف.

فالطائرة التي تنوي الهبوط إلى مطار بغداد الدولي عليها أن تشرع بعملية النزول من ارتفاع عال من فوق مبنى المسافرين، وقد تستغرق عملية الهبوط هذه ساعة كاملة في بعض الأحيان، أو ربما تنتهي بفشل قائد الطائرة في انزالها بالطريقة المناسبة، كما حصل في مرات كثيرة بسبب خطورة الوضع على الأرض أو ربما لصعوبة العملية. عملية النزول تبدأ بدوران حلزوني نحو الأرض شبيه بشكل كبير بإحدى طرق هبوط رجال المظلات، وتتخلل عملية الهبوط نفسها - التي يشعر فيها المسافر وكأنه يهبط من السماء بشكل شبه عمودي- عمليات لدوران عكسي بحسب ما يتم توجيهه من الأرض، وهي كلها لا تخلو من ازعاج مبرر هدفه منع الإرهابيين من استهداف الطائرات خلال هبوطها.

المعروف أن مطار بغداد يتعرّض باستمرار لقصف بالصواريخ من المناطق والبساتين المحيطة به، فهو يقع شمال غرب بغداد من جهة «الكرخ» (الجهة الغربية لنهر دجلة)، وهي مناطق ساخنة وزعت أراضيها في زمن النظام السابق على العسكريين ورجال الأمن، وهذا القصف غالبا ما يصيب مدارج الطائرات ونادرا ما يصيب مبانيها، وقد قلت هذه العمليات بعد أن كانت تستمر لأيام، خصوصا بعد أن غطت القوات الأميركية المنطقة بشبكة مراقبة جوية عبر الأقمار الصناعية وبالونات المراقبة، وأزاحت معظم البساتين والحقول التي كان يتستر خلفها المسلحون لاستهداف القوات الأميركية التي جعلت من أرض المطار أحد قواعدها العسكرية الأساسية.

لا يمكن لمن يصل المطار بعد الساعة السادسة عصرا أن يغادره لخطورة الطريق المؤدي إلى مركز العاصمة، مما يضطر المسافرون إلى المبيت داخل المطار في حال تأخر وصول الطائرة التي كانت تقلهم.

وقبل ذلك، قد تجد مَنْ يقلك إلى إحدى المناطق غير الساخنة في بغداد، لكن من المستحيل أن تجد مَنْ يقبل بإيصالك إلى المناطق الساخنة إلا إذا كان السائق من ساكني هذه المناطق وهم قلة قليلة بسبب استهدافهم من المجاميع المسلحة، الأمر الذي دفع معظم العاملين في المطار إذا لم يكن كلهم ومن ضمنهم سواق الأجرة - الذين لا يسمح لهم بدخول المطار إلا بموافقة أميركية معقدة - إلى التخفي وراء هويات لا تمت للمطار بصلة.

عموما إن مَنْ يريد الوصول إلى سكنه في المناطق المضطربة من بغداد يضطر إلى الوصول إلى أقرب نقطة آمنة من منطقته ومن ثم عليه الاتصال بأهله لتأمين وصوله إلى منزله بأمان.

وللرحلة من المطار إلى مناطق بغداد حكاية أخرى.

إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"

العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً