العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ

قراءة في مجهول الحرب المقبلة

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

عجز المفتشون الدوليون حتى الآن عن اثبات صحة الاتهامات التي تسوق لها الولايات المتحدة وبريطانيا من ان العراق ارتكبت فعلا ما يتعارض والتزاماته المعلن عنها بالقرارات الأممية السابقة، بل ان هذ الاتهامات نفسها التي تسوقها واشنطن لاتزال غير مقنعة بالنسبة الى معظم دول العالم كمبررات لشن الحرب على العراق، وفضلا عن ذلك فإن معظم اعضاء مجلس الأمن لا يزالون لا يرون ضرورة تبرر الحرب على العراق، ومع ذلك فإن من المحتمل جدا ان تنجح واشنطن في الحصول على قرار ثان من مجلس الأمن الدولي لشن الحرب على العراق، وذلك النجاح مرتبط في حقيقته بموازين القوى الدولية المائلة لصالح واشنطن، ولأن الدول الدائمة العضوية الثلاثة في مجلس الأمن التي لا تؤيد شن الحرب على العراق، لا تريد المجازفة بعلاقاتها الجيدة مع واشنطن، عبر استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور قرار الحرب عن مجلس الأمن. فإن المرجح ان يصدر القرار الثاني وفق مشيئة واشنطن.

وسواء بهذا الاحتمال، او من دونه، اذ تقول واشنطن انها ليست بحاجة الى قرار ثان، فإن الحرب باتت على الأبواب، حتى وان لم يصدر قرار ثان. وهذه الحرب ان لم تكن في الشهر الجاري فإنها ستكون على الارجح في الشهر المقبل، فإن السؤال المطروح هو: ما السيناريو الذي ستتخذه هذه الحرب؟

من المرجح ان تكون بداية سيناريو الحرب المرتقبة مألوفة، من حيث ان الولايات المتحدة ستقوم بعمليات القصف عن بعد. ولا تختلف التوقعات في هذا الخصوص، اذ من المتوقع ان تبدأ موجات الطائرات والصواريخ الاميركية بهدر سماء العراق لتصبح جرافات هدم تدمر الكثير من المباني والمنشآت والمواقع ولتطال البنى التحتية المدنية للسكان من منظومات الاتصالات الى محطات توليد الطاقة الكهربائية وشبكات توزيع مياة الشرب... ولكن ذلك كله لن يمكّن أميركا من تحقيق اهدافها من هذه الحرب والمتمثلة بغزو العراق والاطاحة بنظامه السياسي.

من المؤكد ان السيناريوهات التي تحدثت عنها وسائل الاعلام الاميركية بعضها تم الترويج لها في اطار الحرب النفسية وخدعها، الا انه مع ذلك فمن الواضح ان جميع الخطط الحربية التي يتم الترويج لها تقوم على افتراضات عسكرية محددة، في مقدمتها الفرضية الرئيسية التي تعول عليها الحرب الاميركية المحتملة ضد العراق وهي ان على الجيش العراقي ان يكون قادرا على الصمود وانه سرعان ما سينهار أمام القصف الجوي والصاروخي الاميركي، وعلى النحو الذي حصل لميليشيات طالبان.

غير ان الحقيقة المعلومة لدى الاميركيين وسواهم تقول ان الجيش العراقي ليس على ذلك القدر من الضعف والهزال حتى يقارن بميليشيات طالبان. صحيح ليس هناك وحدة من وحداته يمكن ان تكون مجهزة بكفاءة التجهيزات من المستويات المتوسطة لوحدات الجيش الاميركي، الا انه يجب الاعتراف بكفاءة وحافزية المقاتل العراقي على خوض معارك برية. فإلى جانب الكفاءة العسكرية للمقاتل العراقي، فإنه يجب الا ننسى ان المقاتل العراقي يقاتل من على أرضه ودفاعا عن وطنه، وبالتالي فإن افتقار الجيش العراقي للاسلحة الذكية وتقنيات الأقمار الاصطناعية مثلا الا انه جيد التسليح والاعداد الحربي فيما يتعلق بالأسلحة الأساسية الخاصة بحرب المدن. وهذه أسلحة تضم مجموعة واسعة من البنادق الاتوماتيكية والقنابل اليدوية والأسلحة المضادة للدبابات ثم السلاح الأهم: المعرفة الجيدة بأرض المعركة نفسها.

وبالنظر الى تجارب الحروب الاميركية السابقة في كل من لبنان والصومال وكوسوفا وافغانستان فإن العراقيين يفترضون احتمال تراجع الولايات المتحدة مبكرا عن فكرة تحقيق النصر الشامل والنهائي مقابل وقف مبكر لاطلاق النار اذا ما تبين لهم منذ انطلاق الشرارات الأولى للحرب انها ستكون حربا كارثية في عدد ضحاياها من القوات المهاجمة، وهذا بدوره سيشكل حافزا للعراقيين على القتال لالحاق المزيد من الاصابات بالقوات الغازية.

ويقينا ان للعراق ايضا فرضياته العسكرية الاساسية للحرب التي سيخوضها ضد الولايات المتحدة، وفي مقدمة هذه الفرضيات محاولة الابتعاد عن الاشتباك مع القوات الغازية في ميادين مكشوفة بسبب تفوق القوات الاميركية من الناحية التكنولوجية على القوات العراقية، وعليه فإن الفرضية التي يتم التخطيط لها من الجانب العراقي هي ان تكون المدن أرض المعركة الفاصلة والرئيسية. فالميزة العسكرية لقتال المدن انها تتيح للعراقيين القدرة على حشد أكبر قوة دفاعية من ابناء هذه المدن نفسها لخوض الحرب ومنازلة العدو، إضافة الى ان التكنولوجيا الاميركية لن تكون قادرة على اداء دورها الحربي بالكفاءة المطلوبة. وخصوصا انه لم يسبق مطلقا للقوات الاميركية ان احتلت مدينة كبيرة بحجم بغداد على سبيل المثال، اذ يبلغ عدد السكان بضعة ملايين ولا بمستوى تحصيناتها الدفاعية ايضا. فكثافة البنايات والبيوت القليلة الارتفاع بأزقتها الضيقة المتعرجة تمكن المقاتلين العراقيين من المناورة، وتاليا اظهار كفاءتهم القتالية في اقتناص الجندي الاميركي، واحراق المصفحات الاميركية واستهداف الدبابات بالأسلحة المضادة لها.

ان المجهول الذي سيواجه العسكريين الاميركيين هو الارتباك الذي ستفرضه حروب المدن التي ستكون بالأساس معتمدة على المهارات القتالية للافراد وليس على المعدات، والعراقيون الذين لهم تجربتهم في مثل هذه الحروب يعرفون ضآلة كفاءة العسكرية الاميركية على خوض مثل هذه الحروب كما تدل على ذلك تجارب هزائمهم في لبنان ومقديشو... ومن المؤكد ان هذا الادراك سيزيد من معنويات العراقيين وهم يصدون قوات الغزو. وفي النتيجة النهائية، ان الفوارق التكنولوجية بين العراق والولايات المتحدة كبيرة ونوعية غير انها لن تكون حاسمة في الحرب الأميركية المقبلة على العراق، لأن هذه الحرب سيكون ميدانها المدن العراقية، وان عنصرين أساسيين سيلعبان دورا فيها: أولهما المقاومة التي سيبديها العراقيون في الدفاع عن بيوتهم ومدنهم. وثانيهما الكفاءة القتالية للافراد في مواجهة بعضهم بعضا وهنا من المؤكد ان يدخل عنصر المعنويات في الحسبان في تأكيد هذه الكفاءة، والأساس النفسي الذي يرتكز عليه المقاتل من كلا الطرفين لابد ان يعتمد على المشروعية الاخلاقية في الاسباب الموجبة التي تدفعه للقتال

العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً