العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ

مطاطية الغطاء الشرعي في قلم أستاذ علم الاجتماع

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

استغربت مما ساقه أستاذ جامعي في علم الاجتماع، وتوظيفه الذي اتسم بالفجاجة للنيل من الوفاق ومن رئيسها بالدرجة الأولى في مقال يكاد أن يزعزع احترامي له ولمكانته العلمية.

كان الأجدر به الالتزام بكلمته التي ذكرها في مقدمة مقاله حين قال حرفيا: «لستُ مؤهلا للدخول في مناقشة (الغطاء الشرعي من الناحية) الدينية»، غير أنه نحى منحى آخر، فيه الكثير من التجني والتوظيف غير اللائق لمفردات ما أنزل الله بها من سلطان في حال من المفاضلة والمقارنة بين جمعية الوفاق وحركة حق، معتبرا أن الأولى مسايرة والثانية معارضة. وليته وهو يكتب من بلاد الغربة في صحيفة محلية، هل هو مساير أم معارض؟

ولو كان - وفقا لتقسيمه وتشطيره الآنف الذكر - معارضا لما استطاع الكتابة خلاف سقف الحرية التي يتمتع بها في مدونته الشخصية وبلاد الغربة التي قضى فيها زهرة شبابه، إذا هو قد ساير الوضع الحالي والسقف المتاح من أجل أن يكتب في حدود هذا السقف من دون التخلي عن الجدّ في محاولة توسعته ورفعه، فهل في مصطلح المسايرة بهذا الفهم عيب ونقيصة كما أراد الرجل في مقاله؟

لقد اتسم تناول الكاتب لمسألة الغطاء الشرعي في حالة من التردد والارتباك لجأ فيها لكلمة «قيل... وقيل»، ولكن رغبة منه في مسايرة الحالة التي وجدها في بعض الملتقيات الإلكترونية، أقحم نفسه في غمار هذا المصطلح، وأخذ يقدّم فتاواه للوفاق ولحركة حق ولهؤلاء الناس، حتى توّصل إلى أن الغطاء الشرعي ليس من الحرام أم الحلال أو الحق والباطل، وبالتالي قد يتخلص منه الناس يوما ما. وبغض النظر عن أي رأي في الغطاء الشرعي، فهو من متطلبات التحركات السياسية في الوسط الشيعي الديني، ففي هذا الفكر، لا يجوز التصدي للشأن العام بالفتوى إلا للمجتهد الجامع للشرائط، وهذا يدلل على الحرص على عدم التفريط في أموال الناس وأعراضهم ودمائهم، لأن الشأن العام مرتبط بهذه الأمور الخطيرة الثلاثة. وكذلك لا يجوز - وفقا لهذا الفكر - قيادة الجماهير بما قد يعرّض هذه الجوانب الثلاثة للخطر أو يحرم الأمة من منفعة أو يحول دون دفع ضرر عنها إلا بإجازة من فقيه، بمعنى لابد من وجود غطاء شرعي يبرر لأحد ما التحرّك ويجيزه. هذا باختصار فحوى الغطاء الشرعي الذي حاول دحضه أستاذ علم الاجتماع حين استعان بالعبارة الآتية: «إن تحركات حركة (حق) لا تتطلب إسالة الدماء وهي لهذا لا تستوجب الغطاء الشرعي»، وكأنما الغطاء الشرعي لا يُعنى سوى بالدماء فقط.

السيد الحائري، المرجع المعروف والطالب المتقدم من طلاب الشهيد السيد محمدباقر الصدر، وهو ممن يجيز العمل الحزبي الهرمي ولا يقتصر على العمل الشعبي، يقول: «ومتى تغطّى حزب من الأحزاب الإسلامية بغطاء الشرعية لعالم دين يجب على ذاك العالم بالدرجة الأولى أن يتدخل تدخّلا حقيقيا في قيادتهم وحفظهم عن خطر الانحرافات والزلات، فإن أبوا عن قيادته لهم أو عجز هو عن ذلك لأيّ سبب من الأسباب، وجب عليه سحب الغطاء عنهم» (المرجعية والقيادة، آية الله الحائري ص 196)

الكاتب لم يتحدث بموضوعية، وإنما كان ديدنه الزج بمصطلح الغطاء الشرعي في كل حادثة ونازلة فُهم منه النيل - ربما من غير قصد - من عالم الدين الذي يمثل غطاء شرعيا للوفاق كما صرّح عدّة مرات أمين عام الجمعية الذي أرجع الكاتب ما يراه من أخطاء في تحركاته أو نقض لتعهداته كما يقول، للغطاء الشرعي كمقاطعة الوفاق لجلسة القسم احتجاجا على توزير عطية الله، وحتى موقف سلمان الذي تحدث فيه في تلفزيون الكويت عن وزير التأزيم، زعم الرجل أن الغطاء الشرعي الذي يتمتع به الشيخ يعفيه من تقديم اعتذار للناس إذ لم يفِ بوعده بتطيير وزير التأزيم من أول أسبوع كما وعد في المقابلة التلفزيونية، وكأنه لا يعرف الفرق بين إرادة الشيخ علي وبين الواقع الذي أفرزته المراكز العامة للانتخابات. وعندما تكلم الكاتب عن تمرير الوفاق لقانون التأمين ضد التعطّل، عبّر عن ذلك بقوله «بالموافقة على اقتطاع ضريبة 1% من الأجور» وكأنما القانون من أجل الاستقطاع فقط، ما يوحي بتعمد استهداف الوفاق وكتلتها النيابية التي كرر تسميتها «بالكتلة الإيمانية» كما يكرر تسميتها بعضهم استخفافا وانتقاصا... وكل المناورات السياسية والخطاب السياسي لديه وحتى مقاطعة برلمان 2002، مغطّى بالغطاء الشرعي، وبالتالي فهو غطاء مطاط كما عنون مقاله.

وقد أضطر أخيرا لوضع نفسه موضع المفتي حين زعم مقدما كلامه بكلمة «قيل» إن من يحتاج الغطاء الشرعي أكثر هو خط المسايرة الذي ينقض تعهداته كما يقول الكاتب، أما حركة حق فليست في حاجة لمثل ذلك الغطاء طالما أن المشاركة في الشأن العام هو واجب سياسي على كل مواطن كما هو حق من حقوق المواطنة. إن اللجوء لكلمة «قيل» يُفهم منها أنها محاولة للتملص من تبعات هذه الآراء من أستاذ الاجتماع ودليل عدم الثقة فيما يطرحه، وعدم استيعابه كما أقر في بداية مقاله عن فهم الغطاء الشرعي، وإذا به يخوض خوضا عجيبا ويخبط خبط عشواء في هذه المسألة، وأخيرا وجد نفسه مفتيا للناس بعدم الحاجة للغطاء الشرعي، وإن الضمير والإحساس بالمسئولية الوطنية كافيان.

أعتقد أن تيار الوفاق ليس بحاجة لتذكير كاتب المقال بخطورة الانضواء تحت لواء السلاطين كما في عبارته المنقولة عن الإمام الخميني- رحمه الله-، وأقطاب هذا التيار لم يبيعوا دينهم ولم يفرّطوا في دنيا الناس من أجل أنفسهم مطلقا، ولو أرادوا لاهتدوا الطريق إلى نعيم الدنيا. وأن جمهور الوفاق واعٍ لأهمية الالتفاف حول الجمعية التي تعتبر أحد مظاهر ما أنتجه جهاد الشيخ الجمري وتضحياته الذي لم يهنأ بمشاهدة شيء منها، وإن تصحيح المسار بالآليات الديمقراطية من الداخل خير من قيام عشرات الحركات في الساحة تؤدي إلى شرذمة التيار وبالتالي تفكيك الوفاق. إن تيار «الوفاق» يعلم متى يتحرك ومتى يسكت، فهؤلاء هم الذين قدموا ما لم يقدمه غيرهم طوال عمر الانتفاضة من فلذات أكبادهم ومن أعمارهم، وهم الذين ملأوا السجون من أجل الكرامة وعودة البرلمان وحقوق الناس في حين كان البعض محتفظا بأهله بعيدا عن الزنزانات ومسيل الدموع.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً