العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ

القوى العشر الضاغطة... لمن تستجيب الحكومة؟

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

ربما لو كنت في مكان الحكومة سأكون أكثر راحة لو تخليت عن منصبي لأتخلص من محركات الضغط المؤثرة في الحراك المجتمعي، فالحكومة معذورة لمن تستجيب ولمن تصم أذنيها ولمن تشيح بوجهها عنه، وأنا واثق أن لا أحد يستطيع أن يعبّر عن حجم هذا الضغط الهائل سوى الحكومة ذاتها.

وأنا واثق أيضا أنه في ظل النظام الديمقراطي أو حتى في هشاشته الحالية لا يمكن لأحد أن يتخيّل كم هو متعب العمل في الحكومة، وكم من التوازن يتطلب هذا الموقع، فقيادة الحكومة ليست نزهة ولا ترفا، ذلك أن حجم المسئولية كبير جدا، والحكومة في واقع الحال هي تلك القوة المحصورة بين 10 قوى مؤثرة تحاول باستماتة أن تسحبها نحو خياراتها إلى درجة كبيرة.

ومن ينظر إلى الواقع البحريني سيدرك أن ثمة قوى ضغط مجتمعي حقيقية، لا تستطيع الحكومة أن تتقدم خطوة إلا بها، وهذه القوى الرئيسية تضطر الحكومة لسماعها حتى تقول إن هناك مجتمعا مدنيا حيّا في البحرين.

1. البرلمان: قوة مؤثرة جدا برغم قلّة صلاحيات السلطة التشريعية التي حددها دستور 2002، ولكن ما من أحد ينكر أن للبرلمان أسنانا حقيقية تتجاوز على أرض الواقع صلاحياته المنقوصة، فاليوم الوزير (وأقصد كل الوزراء) يحاسبون من تصريح صحافي يطلقه هذا النائب أو ذاك، والدليل أنّ بعض الوزراء سخّر وقته لتقفي أثر التصريحات النارية لهذا النائب أو ذاك أو لهذه الكتلة أو تلك.

2. المجالس البلدية: هذه القوة تغيب عن السطح أحيانا، لكن لا أحد يستهين بقوتها، وخصوصا في الدورة البلدية الجديدة، وكم رأينا حملات المد والجزر والتراشق الإعلامي بين المجالس والحكومة على ملفات حيوية ومهمة، والملف البيئي هو أحدها، وهي أداة ضغط حتى ولو كانت محدودة المفعول فإنها قادرة على مزاحمة الحكومة بين الحين والآخر.

الإعلام: رغم العثرات التي خلقها قانون الصحافة والنشر للعام 2002 والمعمول به حتى الآن، إلا إن الجميع يدرك الهالة التي خلقتها الصحافة البحرينية الرصينة « وأصر الرصينة» لذاتها، فصحافة الإصلاح أثبتت أنها قادرة على مجاراة السلطة التشريعية في الضغط، بل أن مفعولها في كثير من الأحيان أسرع وقعا على الحكومة من البرلمان وربما السلطة القضائية أيضا. وتوجيهات شبه يومية تصدر من القيادة السياسية بالتأكيد على حرية التعبير ودور الإعلام في حماية التجربة الديمقراطية، ورغم اختلافنا على صدقية أو عدم صدقية تطبيق هذه الشعارات على الأرض، إلا انه من التجنّي الكبير أن ننكرأن لهذه التوجيهات أثرا ولو كان محدودا.

3- العلماء: أثبتت التجربة بضرس قاطع أن قوة العلماء حقيقية، ليس لأنها أكثر نشاطا من القوى المجتمعية الأخرى، بل لأن هذه القوة - قادرة دون غيرها - أن ترسم خيارات الساحة السياسية، وقادرة على أن تنزل في الشارع ربع شعب البحرين بين مقطع وآخر، والقيادة السياسية لم تكن غافلة عن معرفة تأثير هذه القوى، بدليل أن العلماء كانوا دائما في صدارة القوى التي تستشيرها القيادة، بل وتصغي لها جيدا.وقوة العلماء أصبحت قادرة على أن تلغي أو تؤجل لأجلٍ غير مسمى حتى مشروعا تراه الحكومة مهما كقانون أحكام الأسرة.

وتأثير العلماء تجلّى في أكبر صوره في الانتخابات البرلمانية، حين هتف العلماء الشيعة للكتلة الإيمانية، وهتف العلماء السنة بالتحالف بين الأصالة والمنبر، وفي النهاية نجح كلا الطرفين في مسعاهما، سواء رضت الحكومة أم لم ترض، وقوة العلماء في كلا الطرفين قادرة ومستعدة على أن تدخل على الخط مهما دعت الحاجة لتصحيح أي اعوجاجٍ تراه يمثل خطرا من مقياسها.

4. النقابات (القطاع العمالي): لم يثن تعنت الوزارات والهيئات الحكومية أمام خيار الموظفين في المضي قدما بتشكيل نقابات مهنية فاعلة ومنظمة مساندة من قوى المجتمع المختلفة، وفي مقدّمتها الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين، والضغوطات الحكومية التي مورست وتمارس على النشطاء النقابيين ليست سوى دليلٍ على تأثير هذه النقابات في فرض وجهة نظر ممثليها.

ولن يجدي نفعا أي مسعى لعرقلة حركة النقابات بسبب إصرار الإدارات الحكومية ومن خلفها ديوان الخدمية في التمسك بتفسير عقيم لقانون النقابات، فالمسألة حسمها جلالة الملك في يوم العمال حين بارك التوجه النقابي في القطاع العام.

5. مؤسسات المجتمع المدني (القطاع الأهلي): من الواضح أن البحرين تعج بالمجتمع المدني الفاعل ( ولدينا أكثر من 400 مؤسسة ونادٍ وجمعية وصندوق) مسجلة رسميا في وزارة التنمية الاجتماعية، ولهذه المؤسسات دور بارز في التأثير والضغط بهذا الاتجاه أو ذاك، وكم لاحظنا أن الدولة اضطرت أن تستجيب لهذه القوة، كما لم يسع خيار البعض في الدولة بخلق والتسويق لمؤسسات مجتمعية غير حقيقية «الغونغو»، وسبب فشل هذه الكيانات المصطنعة أن المجتمع يقظ وواعٍ، وليس من وارد أن يستجيب يوما لفقاعات زائفة.

6. الجمعيات السياسية: هي أحزاب حقيقية لكن الفرق الوحيد بينها وبين الأحزاب أنه ليس مسموحا لها حتى الآن بتداول السلطة، وغالبية الجمعيات السياسية الفاعلة والمؤثرة ليست وليدة يومها، فهي امتداد لحركات سياسية امتدّ نضال بعضها لأكثر من 30 عاما. وسواء الجمعيات السياسية المسجلة رسميا تحت قانون الجمعيات أو الحركات غير المسجلة، فإنها مؤثرة وتملك نصيب الأسد من الشارع، ولها وزن ثقيل وصوت مسموع غالبا، وبعض هذه الجمعيات لها أنياب حقيقية ومخالب تنافس الدولة بكل أجهزتها في الوجود على الساحة الاجتماعية والإعلامية، وتشكل بين فترة وأخرى لوبيا ضاغطا على الدولة.

7. القطاع الطلابي والشبابي: صحيح أن هذا القطاع غير منظم بالدرجة الكافية، وصحيح أن عوامل كثيرة حالت دون أن يأخذ هذا القطاع موقعه الحقيقي عبر تأسيس الاتحاد العام لطلبة البحرين، إلا إن ذلك لا يعني أن الكثير من الجمعيات تعمل بأطر جيدة، وتبني بينها تحالفات لفرض الأجندة الشبابية كما حدث في القمة الشبابية السنوية، ولربما لنشاط هذا القطاع تخوفت أطراف حكومية من إفساح المزيد من المجال للعمل الشبابي المنظم، وهذه العرقلة تمثلت في تسويف تطبيق الاستراتيجية الوطنية للشباب وكذلك البرلمان الشبابي.

8. القطاع المالي والتجاري (غرفة تجارة وصناعة البحرين): إن أي قرار تفكر فيه الحكومة لا يمكن فيه أن تتجاهل هذا القطاع الاستراتيجي؛ لأنه ببساطة المحرك القوي للاقتصاد، ورجال الأعمال لديهم هيمنة كبيرة وتأثير هائل على الحكومة، وقد أجبروها على التراجع عن بعض الخطط والسياسات الاقتصادية.

وبرغم الهيبة التاريخية التي يحتفظ بها هذا القطاع، بوصفه رافدا أساسيا في التنمية العمرانية، فإن النخب المؤثرة لهذا القطاع سعت لتترك بصماتها على التشريع، ودخل عدد منها المجلس النيابي المنتخب، واقتحمت بقوة مجلس الشورى المعيّن، بل وسعت لبناء تكتل سياسي يمثل صوتا للتجّار، والآن يعمل هذا القطاع على بناء تحالفات مع كتل برلمانية لضمان إيصال صوته في أية تشريعات مقبلة.

ونحن بصراحة نرى تأثير هذا القطاع القوي على كل شيء، ويمكن أن تستشهد هنا بقرائن كثيرة قد يكون من أبرزها معارضة هذا القطاع الشديدة لبعض خطوات تنظيم سوق العمل، كما أنه يجهض باستمرار أية محاولة لفرض مزيد من الشروط على قطاع المال والأعمال.

9. القطاع النسائي: ثمة جمعيات كثيرة تعنى بشئون المرأة في البحرين ولدت قبل تأسيس المجلس الأعلى للمرأة بل وحتى قبل إشهار الاتحاد النسائي، والأجندة النسائية طغت إلى السطح بشكل بارز بفضل جهود هذه الجمعيات في تشكيل تحالف مجتمعي عريض للضغط على الدولة، وقد شاهدنا ذلك في سعي الجمعيات للمطالبة بقانون أحكام للأسرة، ورغم اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا القانون، فإن هذه الجمعيات فرضت نفسها على الدولة .

10. الحرس القديم: قد يستغرب البعض من وضع الحرس القديم في عداد القوة المؤثرة في المجتمع، ولكن هذا التكتل السميك يمكن أن نحدث فيه ثقبا ولكن لا يمكن أن نلغيه من المعادلة إطلاقا، وهو مؤثر فعلا؛ لأنه يمتلك شيئا كبيرا من الأرض والثروة والقوة بل والحضور الإعلامي والتمثيل السياسي، وهذا يعني أن هذا اللوبي قوي ويدفع البلاد نحو التراجع، والحكومة مضطرة؛ لأن تجاريه أحيانا، لا حبا فيه وإنما لأنها تخشى عواقب تمرده، والمعارضة تخطأ حين لا تدرك تأثير هذه القوة على مجرى القرار؛ لأن الحكومة كثيرا ما يهمها الحرس القديم أكثر من اهتمامها بمعرفة مواقف المعارضة.

وببضع كلمات يمكن القول إنه ليس من المنطقي أن نقيّم أي مشروع حكومي من دون أن نعرف مدى تعرضه وخضوعه لمؤثرات هذه القوى العشر، والتوازن بينها، وهذه القوى العشر هي التي تستطيع أن تحدث اختراقا إيجابيا في المجتمع، وتدوس على كبريائها قليلا لتصنع مستقبلا آخر، ولكنها بالتأكيد تستطيع أن تدفع الحكومة إلى التراجع وإدارة ظهرها للمطالبات الشعبية.

ولن ينجح مشروع سياسي أو اجتماعي أو حتى اقتصادي من دون مراعاة حاجات كل هذه القوى العشر حتى يكتب له النجاح، وإذا لم يستطع المشروع في حشد أكبر قدر ممكن من هذه القوى فإنه سيقابل باذن صماء من جانب الحكومة، فالحكومات دائما ترى أن من ليس له وزن ليس أهلا لمحاورته، وهل الحوار إلا بين الأقوياء؟!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1787 - السبت 28 يوليو 2007م الموافق 13 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً