العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ

حكاية «بيت العنكبوت» وأسطورة «السيد الذي لا يقهر»!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يتزاحم عليك المشهد وأنت في الجنوب اللبناني الصابر والصامد، والمحتسب أمره لله.

و تزدحم عليك الذكريات وأنت تتجوّل في قراه المهدّمة من جهة لكنها المغمورة بأفراح أساطير الجهاد والفِداء التي بنت لهم قصورا من الفخر والعز الذي يقولون لك إنّ رجالَ الله أرسوا دعائمها وأقاموا بنيانها على كلّ تلة وفي كلّ وادٍ. وهم إذ يروون لك تلك الحكايات الخالدات يرددون القول إنه إذا كان البشر هم الذين يصنعون الحجر ويصقلونه فإن معارك العز والفخار هي التي تصنع الرّجال وتصقلهم وترفعهم درجة إلى العلا فتجعلهم رجالَ الله!.

أن تكون في بنت جبيل وفي هذه الأيام بالذات في شهر يوليو/ تموز المجيد فإن ذلك يعني أنك في خيمة صانعي حكاية «بيت العنكبوت» ورعايتهم وحماية قبضتهم الفولاذية التي لا تقهر من دون أن تراهم أو تحتلك بهم بالضرورة! فأنت إذ ترى وتنظر لا تراهم لأنهم أحرص الناس على التخفي ولا يملكون أي قدر من شهوة حبّ الظهور التي يعشقها أولئك المدّعون والمستعرِضون للبطولات حتى الهيام! لكن الناس كلّ الناس هنا يعرفونهم جيّدا بل هم مسكونون بعشقهم بلا حدود، فهم مِنْ وجهة نظر العامّة والخواص من الناس على السواء أقرب ما يكونون إلى رجال الله الذين يأتمرون بأوامره ولا يرجون سوى رضاه والذين كلّما قيل لهم إن «الناس» - أي المجتمع الدولي - «قد جمعوا لكم» كان جوابهم أنهم «لا يخشون إلاّ الله» ولسان حالهم يلهج دوما «حسبنا الله ونعم الوكيل»!

وحكاية «بيت العنكبوت» بدأت في الواقع يوم الرابع والعشرين من مايو/ أيار العام 2000 عندما اذعن عدو فلسطين ولبنان والعرب وعدو الحرية في العالم أجمع أنّ عليه الرحيل والجلاء من أرض أدهم خنجر وصادق حمزة وعبدالحسين شرف الدين وموسي الصدر وعباس الموسوي بسرعة البرق قبل أن يتحوّل جيشه الأسطوري المزعوم إلى أشلاء متناثرة في وديان جبل عامل وعلى تلالها بفضل تعاظم ضربات المقاومة وتسارع عملياتها الاستنزافية. ويومها أعلن اللبنانيون اليوم الذي يليه عيدا وطنيا للمقاومة والتحرير وكان الخطاب الشهير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في بنت جبيل إذ وصف ذلك الجيش الذي لا يقهر بأنه «أوهن من بيت العنكبوت» وهو الخطاب الذي كان وقعه على قادة ألوية النخبة من ذلك الجيش المنسحب في حينه كوقع الصدمة أو يزيد لكنه قرر يومها أن يتجرّع العلقم ولو إلى حين!

وجاءت مأمورية حرب يوليو العام الماضي والتي أنيطت بهم من قبل المنهكين من المحافظين الجدد في العراق فإذا بهؤلاء القادة الذين «لعقوا» علقم خطاب السيد الذي لا يلين يلاحظونَ من جديد بأن حكاية «بيت العنكبوت» راحت تتكرر معهم أيضا ولكن هذه المرة بوقع أشد! كما فوجئوا بأن الدعم والإسناد الذي هيئ لهم هذه المرة وبإجماع ما يسمّى بـ «المجتمع الدولي» ليس بإمكانه انقاذهم لا من وحشة السير في وادي الحجير كما لم يحم دبابات «الميركافا» التي صُنِعت خصيصا لحمايتهم! فإذا! بهم يفشلون في إنجاز المهمة التي حضروا وخططوا من أجلها على مدى 33 يوما!

هذا الفشل المتكرر لقادة النخبة من قادة الجيش الذي لا يقهر هو الدافع من وراء الاحتفال الجماهيري الذي نظمه أهالي بنت جبيل المحررة هذا العام من جديد وفي المكان نفسه الذي كان قد خطب فيه السيد الذي لا يلين في العام 2000، فكان خطابا مجلجلا مرة أخرى أكّد فيه للناس كلّ الناس وللعدو، كما للصديق بأن الرهان على جيش النخبة الذي لا يقهر لايزال رِهانا خاسرا على جيش هو حقا «أوهن من بيت العنكبوت»! وأنه لو حاول مجددا الاعتداء على بيوت الناس فإنه سيلقى المصيرنفسه الذي لقيه في صيف العام الماضي إن لم يكن أشد وأقسى!

لا شك أنها حكاية معبّرة وطريفة في الوقت ذاته! فبعد سبع سنوات عجاف على قادة جيش النخبة لم يتمكن هؤلاء المدعومون من اعتى امبراطورية عرفها التاريخ الحديث بل ومن كل اطراف المجتمع الدولي «الاعمى» كما وصفه السيد الذي لايلين، ليس فقط من أن ينتقموا لـ «شرفهم» العسكري الذي «مرمغه» بالتراب ثلّة من المجاهدين الصّابرين والمحتسبين في العام 2000، بل هاهم قد كرروا «الحكاية» نفسها وهذه المرة بطريقة كوميدية أثارت سخرية حتى الرأي العام الإسرائيلي نفسه والذي لا يزال يتندّر بهذه «الحكاية»! لا بل أنها انقلبت إلى ضدها في الجانب المقابل بعد أن تحوّلت إلى اسطورة «السيد الذي لا يقهر»! كما أخذت تتردد على ألسنة الناس عامّة، وذلك في إشارة رمزية معبّرة عن صلابة وعزم وإرادة مَنْ يفضلون أن يطلقوا عليه هنا بسيّد المقاومة الذي لا يقهر وصانع النصر المبين للعرب، كما للمسلمين فضلا عن اللبنانيين وسائر أحرار العالم المنصفينَ!

الناس هنا كلّ الناس لا حديث لهم يتندّرون به إلاّ حكاية «بيت العنكبوت» ولا أسطورة يتغنون بها إلاّ أسطورة «السيّد الذي لا يقهر»! لقد نسوا الآمهم ومعاناتهم التي رافقتهم لعقود وصاروا لا يخافون الحروب ولا تهديدات العدو الرابض على الحدود، فهم «يتشرّجون» كلّ بضعة أيام بدفعة جديدة من الطاقة الحرارية العالية والإرادة الفولاذية التي ينفخها فيهم سيّد المقاومة عبر خطاباته الجيّاشة والباعثة على الأمل وقرب الخلاص. حتّى أنهم صاروا يعدّون عمر العدو الرّابض فوق صدرهم بعدد أصابع اليدين! وبالتالي فإن خشيتهم من بطشه في ظل احتمال عودته للمجازفة بأي حرب أو عدوان ضدهم باتت أقرب ما تكون إلى النكتة منها إلى الواقع ذلك أنهم غدوا مسكونين بحكاية «بيت العنكبوت» التي بها يتندّرون وأسطورة «السيّد الذي لا يقهر» التي بها يتغنون ويتفاخرون!

في حقول التبغ ومزارع الزيتون والكروم وبساتين التفاح حيث تحرث سواعد الفلاحين وتتلاحم مع سواعد المجاهدين والفدائيين هنا حتى لتكاد تفقد القدرة على التمايز أو التمييز بين الجهاد من أجل الرزق والجهاد من أجل الدفاع عن الأرض والعِرض والكرامة والشرف لا مكان لرموز السياسة التقليديين ولا مكان لمدن الرنين والطنين ومدن البهرجة والحداثة والحداثيين إنه الرهان على الأسطورة التي لابدّ أنها ستهزم الحكاية مهما تكرر النِزال!

إنه الرهان على الإيمان الذي لابدّ أن يَهزمَ الكفرَ مهما علا وتجبّر!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً