العدد 1797 - الثلثاء 07 أغسطس 2007م الموافق 23 رجب 1428هـ

المالكية... هل تكون بداية لثورة بيضاء في إصلاح الأراضي؟

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

نعم، لتكن المالكية بداية جيّدة لسياسة إصلاح الأراضي التي انتظرناها طويلا، وقد استبشر المواطنون خيراَ بالتوجيهات الملكية بتحويل ملكية أرض خاصة إلى عامّة، والشكر موصول لكل مَنْ ساهم في هذا الجهد بدءا من وزير البلديات والمحافظ والنواب والبلديين واللجنة الأهلية، وكلّ مَنْ ساهم في إيجاد مخرج مشرف لهذه الأزمة، مع ضرورة أنْ تتم متابعة تنفيذ هذا الإنجاز على الأرض.

إنّ نجاح الدولة في المالكية يجب أنْ يعمم في كلّ مكان، وهذا يحيلنا إلى سياسة إصلاح الأراضي، وإذا أردنا أنْ نبدأ هذه السياسة علينا أنْ ننهي السياسة النقيضة من خلال اتخاذ قرار شجاع بوقف الفساد الكبير في ملف الأراضي.

فعلا، إنه ملف شائك ومعقّد، وتهيمن عليه شبكة كبيرة مترامية الأطراف، جشعة، طامعة، سوّرت هكتارات الأراضي حيث تشاء وأنى تشاء، وإذا تجاوزنا قليلا، وقلنا إن هؤلاء لا ينفذون سياسة الدولة، فإنه ليس من الوارد إطلاقا أن نقول إنهم لم يحصلوا على ضوء أخضر، أو لم يوفر لهم سكوت الدولة غطاء كبيرا لأعمالهم تلك.

إنهم، زرعوا في الفساد، ونشأوا في بيئة الهيمنة المطلقة، وأطلق لهم العنان ليسرقوا كل شيء، ولم يقف جشعهم على الأراضي التي سرقوا السواد الأعظم منها حتى امتدّت أيديهم إلى البيئة والبحار، وباعوا الوطن مقابل ملايين الدولارات.

وكما يقول المثل البحريني الشهير «الكلمة اللي تستحي منها بد ابها»، فيجب أنْ نوضّح للدولة وللقيادة السياسية أنّ الهبات والعطايا للمتنفذين ولكبار القوم وللشيوخ عليها أنْ تتوقف فورا، فلا يعقل كلما يطالب أهالي منطقة بساحلهم يلقون صدودا أو أنْ يأتي الجواب متأخرا على استحياء بأن هذا الساحل مملوك لهذا الشيخ أو لهذا الأمير الخليجي.

أرض لكلّ مواطن... متى؟

جلالة الملك- حفظه الله- طرح رؤية متنورة جدا يمكن البناء عليها كحجز أساس قانوني ووطني في سياسة إصلاح الأراضي التي ننادي بها، فجلالته عبّر عن رؤيته في هذا الجانب بوضوح عندما قال لرؤساء التحرير بالحرف الواحد :» نريدُ أنْ يحصل كلّ مواطن على قطعة أرض يبني عليها بيته».

المشكلة حتى الآنَ أنّ الحكومة لا تعترف بل لا تودّ أنْ تعترفَ أنها هي المسئولة عن أزمة الأراضي حتى لولم تكن مسئولية مباشرة ، ولكن تلك الجريمة جرت في عهدتها، وليس من جريمة ارتكبت أكبر من تلك، بل والمؤسف أكثر أنّ الحكومة ترفض حتى الإعلان صراحة عن سياسة إصلاح الأراضي كما تفعل كلّ الحكومات الإصلاحية في كلّ مكان.

ولنسأل الحكومة: هل ستتحقق رؤية جلالة الملك ولا تزال أراضي الوطن تسرق وتوزع وتباع وتشترى وتحوّل إلى مجمّعات (كومبونات) مسيجة، وهل ستتحق رؤية جلالة الملك والحكومة تقف مكتوفة الأيدي من الذين يتسابقون على صفقات بيع الأراضي والبحار؟ والأهم من ذلك ماذا فعلت الحكومة ليكون لكلّ مواطن أرضا، وماذا ستفعل الحكومة من تخطيط مستقبلي لبلوغ هذا الهدف حتى لا يشكك الناس في كلّ شعار جميل!

واقعيون... ولكن!

أتذكّر أنني وجهت لوزير الإسكان فهمي الجودر سؤالا في مؤتمر صحافي عقده بالمركز الإعلامي في انتخابات البحرين 2006، وقلت له بالحرف الواحد: «كيف ستتصرفون مع مطالب المعارضة بعودة الأراضي؟».

تبسّم الوزير الشاب والذكي، وبعد تمهّل أجاب:» بالنسبة إلى قضية استراد الأراضي أودّ أنْ أؤكّد أنّ الدستور نصّ بأن الملكيات الخاصة مصونة ولا يمكن استرداد ملكية أحد إلاّ بالطرق القانونية، وإذا كان شخص قد استفاد من هذه الأراضي فهو مواطن بحريني، ومن غير المعقول أنْ نتحدّث عن موضوع قبل أنْ نعرف طريقة عرضه، ولا أعلم إنّ دولة متطورة يمكن نزع الملكيات فيها من غير تعويض عادل وهذا ما نصّ عليه الدستور وقوانين مملكة البحرين» داعيا المعارضة «إلى الواقعية في الطرح».

ولكن المشكلة في البحرين ليست هي فهمي الجودر، وعلى حد علمي لم يبتلع الجودر هكتارا من البر أو البحر، وبالتالي هو ليس مسئولا عن جريمة سرقة الأراضي، ولكن عدم علاقة الجودر بهذا الملف لا يعني عدم وجود مشكلة ابتلاع الأراضي، وهي إنّ 80 في المئة من الأراضي تحوّلت إلى ملكيات خاصة، ولا يستطيع الوزير أنْ يُنكر أنّ المشروعات الإسكانية الجديدة تتطلب مبالغ بالملايين لإعادة استملاك ما تم وهبه من أراض لمتنفذين كبار في الثلاثين عاما الماضية، والمشكلة لم تحل بعد.

نحن واقعيون أيضا، ولا نطلب من الحكومة المستحيل، ولا نطالبها بإرجاع كلّ شبر سُرق من أراضي البحرين، وإن كانت هي المسئولة دستوريا ووطنيا عن ذلك، ولكن نقول إنّ الحكومة عليها إعلان سياسة مغايرة، ويجب أن يستشعرَ الناسُ بقيمة الإصلاح واقعا لا خيالا فقط.

استثمار تقرير سكيديمور

وكم أتمنى لو تسخّر المعارضة طاقاتها كلّها، وتستخدم شارعها العريض، وتستخدم قواها الإعلامية للضغط على السلطة بوقف جريمة مسلسل سرقة الأراضي، وفي حال قامت بذلك ستكون هذه الخطوة أكثر نفعا- في نظري الخاص- من إعادة استجواب الوزير عطية الله؛ لأنّ سرقة الأراضي لا تحتاج إلى دليل، فنحن نرى أثرها في كلّ وقت ومكان في هذا البلد.

ففي أيدينا اليوم وثيقة مهمة هي تقرير الشركة الاستشارية الأميركية «سكديمور» الذي أشار بوضوح إلى أنّ ما تبقى من سواحل جزيرة البحرين الأم لا يتعدى الـ 3 في المئة، وهذا على حد الاعتراف الرسمي بأن 97 في المئة من سواحلنا تحوّلت إلى ملكيات خاصة، وهي كافية لإدانة المسئولين عن الحقبة السابقة.

والمحافظة الجنوبية يمكن أنْ تمثل عمقا استراتيجيا لسياسة إصلاح الأراضي، فيمكن أن أقتنع لدرجة ما أن بعض الأراضي التي سُرقت لا يمكن استردادها، ولكن في المقابل يجب أنْ يحصل المواطنون على حصتهم العادلة من الأراضي أو ما تبقى منها على الأقل.

وقف تملك

الأجانب فورا!

الكل يعلم أنّ لا أحد في البحرين (إذا كان راتبه الشهري لا يقل عن 1000 دينار) قادر على أن يشتري أرضا في منطقة سكناه بأية مساحة كانت حتى لو محدودة، والسبب هو الجنون الخيالي في الأسعار في كلّ المحافظات عموما، وفي محافظتي العاصمة والمحرق خصوصا.

والسبب معلوم؛ لأنّ البحرين فتحت مصراعيها لسياسة السماح للخليجيين وبعض الأجانب في التملك بالأراضي، وهذه السياسة يجب أن تتوقف بتشريع صارم من البرلمان، وليس في ذلك عنصرية أو شوفينية، فأهلا وسهلا بكل الخليجيين، ولكن يجب أن يدركوا حقيقة أنه لم تعد هناك أراضٍ في البحرين، وما تبقى من فتات يجب أن يكون للبحرينيين.

مَنْ حجز أرضا شاسعة يمكن أن يسكن عليها 1000 مواطن في منطقة حيوية وذات مقومات طبيعية أو تجارية بالتأكيد ومن المنطقي أنه لن يرجع الأرض التي سرقها، ولن يعتذر للمواطنين عن فعلته، وما الذي يجبره على الاعتذار أصلا طالما يجد أن يد القانون في بلادنا قصيرة بحيث لا تطول محاسبة المتجاوزين.

شقق الـ 150 دينارا

شاهد عيان!

في كلّ الدول المتحضرة ( وربما حتى بعض الدولة المتخلفة أيضا) ليس بمقدور أيّ متنفذ أنْ تنفتح شهيته ويسيل لعابه على أرض ضخمة يبادر إلى تسويرها ووضع آسيوي ليحرسها، لتتحوّل بقدرة قادر من ملك عام للجميع بمقتضى الدستور إلى ملكيات خاصة لشخص، وهذا يعني أن رغبة هذا المتنفذ أكبر وأكثر وقعا من إرادة الأمّة مجتمعة، وأكبر من حق شعب كامل، ورغبته أطول من يد القانون.

استغرب كثيرا عندما نجول بالسيارة أمام أرض ونقطع عشر دقائق متواصلة في منطقة مهمة، والأرض لك تنتهي، وأقول في نفسي أو أهمس لصديقي: يا سبحانَ الله كيف حصل هذا الشيخ أو الوزير أو أي يكن على هذه الأرض، ومَنْ منحه إيّاها، وكيف حصل على شهادة ملكية عليها، وكيف توثقت في السجل العقاري، وازداد عجبا عندما أعرف أنّ صاحب هذه الأرض الشاسعة يمتلك مثلها وأكبر منها بمرات في مناطق مختلفة؟!

أتمهل قليلا؛ لأنظر الجانب الآخر من الصورة، لأرى آلاف المواطنين ليس لهم إلا خرائبهم التي فيها، بل بعضهم يدفع إيجارا على خربة يقطنها مع عائلته، وفي البحرين لا فرق في هذا الجانب بين سني وشيعي، فكلّ مَنْ يفكّر في الارتباط وبناء عش الزوجية عليه أوّلا وقبل كل شيء أنْ يفكّر مليا كيف سيسدد إيجار شقة ذات مواصفات محدودة جدا بسعر لا يقل عن 150 دينارا، وهذا الوضع لا يقتصر على منطقة معيّنة، بل هي حقيقة يعاني منها كلّ الشباب بدءا من الحد ومرورا بالمحرق والمنامة والمنطقة الشمالية بل وحتى في الرفاع أيضا.

شقق الـ 150 دينارا التي تستنزف رواتب شباب البحرين في كلّ مكان لا يستطيع وزير أو مسئول أنْ ينكرها، ولا تستطيع حكومة أنْ تغضَ الطرفَ عنها، وإذا توقفنا قليلا، سنسأل أنفسنا سؤالا بديهيا لماذا يُجبر هذا الشاب على دفع 150 دينارا (وهذا في الغالب أكثر من نصف راتبه)، ولولا سياسة سرقة الأراضي طوال الـ 30 عاما الماضية ألم يحصل هذا الشاب على قطعة أرض صغيرة ليبني عليها منزلا متواضعا؟

أليس شباب الحد والمحرق والبديع والرفاع هم الأولى بالحصول على أراضي منطقتهم، وهل يَرْضون بأن توزع الأراضي ولا يكون لهم نصيب فيها؟ وهل وهل وهل... أسئلة لن تنتهي!

الطفرات للجميع

رغم كل شيء، التباكي ليس هو الحل، وإنما يجب أن تكون المالكية هي البداية في سياسة إصلاح الأراضي، وليضرب جلالة الملك للجميع درسا بليغا في وضع خاتمة جميلة لمسلسل سرقة الأراضي، وليقطع جلالته أيدي كلّ مَنْ تروق له شهيته ليسرق منطقة كاملة أو أنْ يحجب مياه البحر عن الأهالي، وليوقف جلالته كلّ مَنْ يلهث في تسييج أراضينا بالطابوق!

ومهما يكن الحديث عن المحاسبة مهما وضروريا، بيد أنّ الأهم أنْ نبدأ صفحة جديدة لنحافظ على ما تبقى من أراضٍ، وحتى ما هو بحوزتنا الآنَ من أراضٍ شحيحة يمكنها أن تحل جزءا من المشكلة القائمة لو صدقت الحكومة في سياسة إصلاح الأراضي لترجمان الدستور الذي أوصى بالتوزيع العادل للثروة؟

نحتاج الآنَ وأكثر من أي وقت مضى إلى « ثورة بيضاء» لإصلاح ملف الأراضي، وننظر بشوق وحنين وتلهف تنفيذ رؤية جلالة الملك الاستراتيجية « أرض لكلّ مواطن»، وليكن هذا شعار الحكومة في السنوات الخمس المقبلة، والطفرات التنموية والعمرانية يجب لا تستثني أحدا لمذهب أو عرق أو لون، وطالما سمعناها كثيرا تتردد من حناجر ملك الخير:» البحرين للجميع»!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1797 - الثلثاء 07 أغسطس 2007م الموافق 23 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً