العدد 1808 - السبت 18 أغسطس 2007م الموافق 04 شعبان 1428هـ

حكومة نجاد وامتحان «التواصل» أو «الانقطاع»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة اجماع يكبر مع الأيام في إيران وإن كان بشكل غير منظور وربما بعيدا عن الجدل اليومي، مفاده أن زمن «الإلغاء» للآخر محليا كما إقليميا كما دوليا ولى! وإذا كان البعض من السياسيين «المحليين» سواء من أصحاب النظرة الضيقة أو من «حديثي النعمة» في عالم العمل السياسي لا يزالون يمارسون هذه اللعبة فإنهم على رغم إقبال الزمان عليهم فإن لعبتهم هذه لا تجد جاذبية في المشهد الإيراني العام حتى لو بدا صوتهم مرتفعا أو بدت عصاهم غليظة لبعض الوقت! هذا الأمر ينطبق على الفريق الفعلي الحاكم كما كان ينطبق على الافرقاء الذين سبقوه في تولي سدة الحكم على حد سواء.

فإذا كان صحيحا أن الطبقة السياسية التقليدية الإيرانية المعروفة بمعسكري «المحافظين» و»الإصلاحيين» قد خسرت آخر المعارك الانتخابية الكبرى أي معركة انتخابات الرئاسة لصالح الجيل الثالث من الشباب الثوري المتحمس بسبب «ترهل» الكثير من قياداتها أو «استرخائها» أمام «هجمة» الخارج ما فتح المجال أمام ورود دماء جديدة من شاكلة أحمدي نجاد إلى سدة الحكم وبالتالي ورود جيل جديد إلى مطبخ صناعة القرار الإيراني بإندفاعة ملفتة!

فإن الصحيح ايضا بأن تجربة هذا الجيل الجديد في عالم السياسة وعلى رغم كل الدعم الذي يلقاه من القيادة العليا بسبب «نقائه الثوري» الذي تحتاجه القيادة في معاركها الخارجية الكبرى، لم تنضج بعد بما يعطي الاطمئنان الكافي للداخل على الأقل وأن رجالاته لا يزالون تحت الاختبار بل أن بعضهم «يحبو» في مجالات كثيرة وهو يثبت مع كل يوم يمر بأنه أحوج ما يكون إلى تراكم خبرة الكبار وإلى مقولة ضرورة تواصل الأجيال!

هذا التدافع بين الأجيال الثلاثة للثورة والذي يجري على مستويات مختلفة في بطن النسيج الاجتماعي الإيراني هو الذي جعل وما يزال تجربة ولوج أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة بما يشبه المفاجأة غير المتوقعة حتى من أكثر المتمرسين في العمل السياسي المحلي في إيران، محل جدل واسع هنا في الداخل كما هي محل انبهار وترقب في الخارج! تماما كما كانت تجربة «تسلل» رجل الدين الإصلاحي من الجيل الثاني محمد خاتمي إلى سدة الرئاسة ومطبخ صناعة القرار في نهاية تسعينات القرن الماضي محل جدل داخلي واسع وانبهار خارجي وإن من نوع مختلف!

وإذا كان أحمدي نجاد قد ربح الداخل والخارج الشعبيين على الأقل في «القيامتين» القومية والدينية التي استطاع هو وحواريوه وداعموه أن يؤسسوا لهم في معاركهم الخارجية الكبرى ضد الاستكبار الأميركي ومشروعه المشؤم المعروف بــ «الشرق الأوسط الجديد» وأنه استطاع تجاوز الاختبار في هذا المجال إلا أن الآراء اليوم بشأن أدائه الداخلي لا سيما في الحقل الاقتصادي تبدو متضاربة إلى حد كبير بما يجعلها أشبه بالزاوية المنفرجة في الرأي والرأي المضاد!

فثمة حلفاء أساسيون له انسحبوا من جبهته مبكرا حتى قبل أن يكمل سنته الأولى وثمة من حوارييه من انسحب من معسكره الضيق وقرر أن يشكل تجمعا أو طيفا جديدا وثمة آخرين ممن ينتمون إلى طيفه المحافظ من قرروا الابتعاد عنه وعدم تبني كل طروحاته لا سيما الاقتصادية منها على رغم دعمهم إياه في المعارك الكبرى الداخلية والخارجية، واليوم يأتي انسحاب أو «استقالة» اثنين من وزرائه الاقتصاديين - النفط والصناعة - على رغم كونهما ليسا من «حوارييه» ليجعلوا هذا الطيف الواسع من المختلفين حوله يصل إلى مداه الأوسع في إثارته للجدل!

إنه الاختبار الأهم الذي لم يتجاوزه بعد أحمدي نجاد! وهو الاختبار الذي يتوقع له أن يشتد صعوبة وقساوة كلما اقتربنا من الاستحقاق الانتخابي المهم القادم لإيران أي - الانتخابات التشريعية في مارس/ آذار المقبل.

لكن هذا الاختبار هذه المرة لن يكون لأحمدي نجاد وحده ولا لمعسكره الضيق المعروف مجازا بالمحافظين الجدد ولا العريض المعروف بالمحافظين التقليديين فضلا عن الإصلاحيين الذين لم يقدموا إسهاما مهما في هذا المضمار، بل سيكون اختبارا للجميع أي لإيران كلها، إيران بأجيالها الثلاثة بل إيران المستقبل كل إيران! وهنا قد يكتب للتجربة الإيرانية بمرها وحلوها أنها لا تزال تحتضن كل الاجيال ولم تنزلق بعد إلى خطر إلغاء طرف لصالح طرف آخر على رغم خطورة الاختبارات التي مرت ولا تزال تمر بها!

هذا الاجماع حول انتفاء نظرية إلغاء الآخر لا ينطبق على الوضع الداخلي فحسب بل أن الأمر تعدى ذلك ليشمل التعامل مع القوى الاقليمية وكذلك الدولية المختلفة. فإيران اليوم ليست إيران الأمس «المهمومة» فقط بتغيير خريطة العالم من حولها بما يتناسب وتصوراتها الكونية أو المبادئ المعلنة لثورتها مهما بدت عند قادتها بأنها «الانموذج» الذي يجب أن يحتذى به! وهو حق طبيعي لكل مدارس الحكم، لكنها باتت «مهمومة» كذلك بكيفية المواءمة بين ما تعتقده الأفضل والنموذج وبين ما هو موجود عند الآخر من نماذج وبالتالي التكيف أحيانا مع نماذج الآخرين وأحيانا آخرى مواكبة إنجازاتهم وهو ليس فقط أمر غير معيب بل عين العقل والحكمة في أحيان كثيرة!

من هذا المنطلق يمكن فهم تبلور منظومة مجلس تشخيص مصلحة النظام مبكرا في إطار توسيع دائرة الاستشارات القيادية و»التشريع» الاستثنائي عند الضرورة ومقولة تشكيل مركز التخطيط الاستراتيجي في إطار توسيع دائرة مطبخ صناعة القرار والتنوع في اشكاله! وكل ذلك يأتي في إطار ما صار يعرف بمثلث «العزة والحكمة والمصلحة» وهي الاضلاع التي تشكل حاضنة نظرية الاقرار بوجود الآخر المختلف والمتفاوت!

هذه الحاضنة النظرية و»التشريعية» والاجتهادية في الواقع هي التي تحمي وتدعم حركة التخاطب المتحررة من الايديولوجيا في العمل الدبلوماسي وهي التي تحمي مهمة المفاوضات الصعبة والعسيرة مع العدو حتى لو كان من نوع «الشيطان الأكبر» وهي القادرة على فك عقد الملفات المستعصية او الملتبسة أو المعلقة لسنوات طويلة بين إيران وجيرانها من الدول الشقيقة والصديقة.

إنه الاختبار الذي يجب أن ينجح به أحمدي نجاد وفريقه الحاكم بامتياز وفي غير ذلك فإنه قد يعرض مشروع الجمهورية والدولة القوية والحديثة للخطر الحقيقي!

وفي هذا السياق لا مجال لخوض التجربة من الصفر والتعلم عن طريق «امتحان الخطأ والصواب»! بل المطلوب انتهاج أسلوب مراكمة الخبرات وتجارب السابقين ممن يحبهم أو لا يحبهم وممن يقبلهم أو لا يقبلهم ويؤسس عليهم، لا على انقاضهم!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1808 - السبت 18 أغسطس 2007م الموافق 04 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً