العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ

الولايات المتحدة وميزان القانون الدولي

محمد رضا بوحسين comments [at] alwasatnews.com

-

أصبحت الولايات المتحدة الدولة العظمى احد عوامل إقلاق الأمن والسلم الدوليين بتصرفاتها وسياستها غير المسئولة تجاه القضايا الدولية ومحاولتها مخالفة أحكام وأعراف قواعد القانون الدولي فضلا عن نزعة السيطرة على قرارات الأمم المتحدة وإدارتها في فلك إرادتها وكأنها إحدى إدارات الحكومة الأميركية القائمة على تنفيذ سياستها الخارجية.

فالصراع القائم في أروقة الأمم المتحدة هو صراع على سلطة إصدار القرارات الدولية والتحدي الأميركي لأعضاء المجتمع الدولي وللرأي العام العالمي.

وإصرارها بإلزام الأمم المتحدة في استصدار قرار وفقا لإرادتها ومشيئتها لغزو العراق لهو اكبر دليل على تأكيد حقيقة فشل الولايات المتحدة الأميركية وعدم أهليتها لقيادة العالم نحو تحقيق الأمن والسلم الدوليين القائم على مفاهيم التعاون الدولي، كما يؤكد من ناحية أخرى على فشل وعجز الأمم المتحدة عن تمثيل الإرادة الدولية الحرة لأعضاء المجتمع الدولي في ظل الصراعات والأزمات الدولية.

إن استمرار السياسة الأميركية غير العابئة بإدارة الشعوب وبعض الحكومات وتسخيرها الأمم المتحدة لتنفيذ سياستها الخارجية من شأنه زيادة وتفعيل واختلاق ما تسميه أميركا «بالإرهاب» على أن المتتبع تاريخيا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة يستطيع أن يجزم بأن ما يسمى «بالإرهاب» ربما أنها نتيجة مباشرة من فعل الحكومة الأميركية.

إذ لا يوجد إرهاب في أية منطقة أو بؤرة من العالم إلا ولأميركا بصمة في جذوره والتركيز أو الافتعال المقصود للإرهاب في منطقة معينة ومختارة من الدول يعني خلق مزيد من التدخل الأميركي. وتحت غطاء مقاومة الإرهاب، هذا الإرهاب المفتعل وبموجبه تمنح القوة الأميركية لنفسها شرعية التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول تحت غطاء دولي.

وعليه فإن نهج السياسة الخارجية الأميركية له أبعاد خطيرة وسلبية على قواعد القانون الدولي والمنظمات الدولية وعلى مفاهيم السلم والأمن الدوليين ومفاهيم التعاون الدولي كما له تأثيره المباشر على النظام العالمي فيما يتعلق بالاقتصاد والتجارة والاستثمار وما يترتب عليه من استمرار زيادة استغلال الشعوب وفقرها حتى تنعم أميركا بالرفاهية والقوة الاقتصادية.

مخالفة السياسة الأميركية للقانون الدولي:

بموجب اتفاق «يالطا للعام 1954م» تم التفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي و المملكة المتحدة على رسم الخريطة السياسية الجديدة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ لكل منها، وبموجب هذا التفاهم أيضا تم الاتفاق على الأحكام الأساسية لميثاق الأمم المتحدة على النحو الذي كفل استمرار سيطرة هذه الدول على مقادير العالم وحفظ التوازن السياسي فيما بينها. وقد استمر ذلك الوضع حتى انهيار وتفكيك الاتحاد السوفياتي سياسيا واقتصاديا.

وغني عن البيان، فإن الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كان احد الأسباب الرئيسية في ظهور نظام دولي قائم على هيمنة القطب الواحد على المجتمع الدولي، وفي ظل هذا الوضع أصبحت الرغبة لدى أعضاء الأسرة الدولية أكثر إلحاحا في اللجوء إلى الهيئات الدولية لتطبيق أحكام وقواعد القانون الدولي في تسوية المنازعات والأزمات الدولية وفرض حال الأمن والسلم الدوليين، وذلك خوفا من تعسف وقوة وهيمنة الدولة العظمى الوحيدة.

ويلاحظ أن توجه الولايات المتحدة الأميركية في تنفيذ سياستها الخارجية بإصرار فردي خارج الإجماع الدولي وبعيدا عن هيئة وقوانين الأمم المتحدة، قد جاءت بعد إجماع اغلب أعضاء المجتمع الدولي على موافقة بالتوقيع اتفاق منظمة التجارة الدولية وقيام الاتحاد الأوروبي وبروز التكتلات الاقتصادية فضلا عن التيار المنادي «بالقومية الدولية» وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأميركية تعقد الصراع في منطقة الشرق الأوسط للاستيلاء على ثرواته حتى وان استدعاها ذلك استخدامها «حق الفيتو» بأسلوب غير موضوعي وعادل للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ضد الممارسات الإسرائيلية للشعب الفلسطيني من جهة وغزوها لأفغانستان وتهديد أنظمة المنطقة بشكل معلن وضمني لأسباب واهية خارج إطار الشرعية الدولية.

عدم احترام الشرعية الدولية والالتفات عن مبادئ القانون الدولي يقوده رغبة أميركا في السيطرة على منابع النفط في دول المنطقة والتي تحتوي على اكبر احتياطات النفط في العالم والذي يعد المصدر الرئيسي والمحرك الأول الذي لايزال تعتمد عليه اقتصادات الدول المتقدمة.

وباستقراء الحوادث نجد أن أميركا تقوم - وفقا لمصالحها وأهدافها الامبريالية - بافتعال حوادث ومنازعات وأزمات دولية في المناطق الاستراتيجية، حتى يتسنى لها طرحها في منظمة الأمم المتحدة لتستغل بذلك نفوذها وتأثيرها هناك، فتتصدى إلى تسوية تلك المشكلات والأزمات وفقا لمشيئتها ومصالحها وتنفيذها تحت غطاء الشرعية الدولية على رغم مخالفتها لذلك بل ونراها تذهب إلى ابعد من ذلك في تفسيرها لجميع القيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي - مثل احترام السيادة الوطنية للدول، استقرار الأوضاع القانونية والسلم والأمن الدولي، العدالة والمساواة، حقوق الإنسان، حق الشعوب في تقرير المصير، حقوق الحكومات، عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والأقطار المختلفة وعدم اللجوء إلى التهديد باستخدام القوة في حل المنازعات وذلك وفقا لأهدافها ومصالحها الامبريالية.

إن إقرار حال الأمن والسلام الدوليين وحظر التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى تعتبر احد الأصول العرفية للقانون الدولي، وقد أكدت قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية هذا المبدأ في الكثير من أحكامها. فعلى سبيل المثال أدانت المحكمة الدولية في رأيها الصادر بتاريخ 28/6/1986 بشأن الدعوى التي أقامتها شيكاغو ضد أميركا إذ اعتبرت المحكمة أصل عدم التدخل أصلا قانونيا وفقا لما جاء بالبند 205 من رأي المحكمة التي انتهت إلى القول:

«إن هذا الأصل يحظر على أي دولة أو مجموعة التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، خصوصا التدخل باستخدام القوة»

كما أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في بيان ذي ثمان مواد بتاريخ 21/11/1960 جميع أشكال التدخل في الشئون الأخرى ولعل الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في أفغانستان بعد انتهاء الحرب مع روسيا وما أدت إليه الأوضاع الحالية، وكذلك في حرب الخليج الأولى من دعم النظام العراقي وترسانته العسكرية وكذلك التغرير بإعطائه الضوء الأخضر لغزو الكويت الشقيق تمثل نماذج حية وواضحة لتدخل أميركا في شئون دول المنطقة وهي المسئول الأول عما آل إليه الوضع اليوم الذي بموجبه تبرر لنفسها الحرب على العراق في التسعينات بسبب غزوه الكويت، فإن شعوب العالم اليوم تدين الغزو الأميركي للعراق للأسباب ذاتها.

إن القانون الدولي يقر ويؤكد على مبدأ المساواة في سيادة الدول، وهو ما يتعارض من الناحية القانونية مع مبدأ «حق الفيتو» الذي تتمتع به بعض الدول من دون غيرها وينافي مبدأ الديمقراطية، خصوصا إذا ما تم استخدام هذا الحق من دون موضوعية ولتحقيق أغراض سياسية واقتصادية على حساب مصلحة شعوب العالم والسلام والأمن الدوليين. ما يؤكد استخفاف ساسة الحكومة الأميركية بقواعد القانون الدولي الذي أصبح تحركه إرادتهم السياسية، وعلى رغم وضوح قواعد ميثاق الأمم المتحدة وأساليب اتخاذ القرارات الدولية ودور الدول الخمس، دائمة العضوية وما تتمتع به من حق «استخدام الفيتو» لرفض وإنشاء القرارات الدولية على أسس من الشرعية والموضوعية، وإلا أصبحت أداة تساعد على تأجيج الصراع وعدم الاستقرار في العالم وذلك ما يخالف قواعد القانون الدولي الهادف إلى حماية الأمن والسلام الدوليين وإذا ما كانت بعض الدول الكبرى تستخدم «حق الفيتو» على نطاق ضيق ونادر بموضوعية وحكمة بغرض مشروع في ظل سياسة الأمر الواقع، إلا أن الولايات المتحدة أصبحت أخيرا تطوع حق استخدام الفيتو وتمنع استخدامه وفقا لما تقتضيه مصالحها الاقتصادية والسياسية، إذ بدى ذلك واضحا في إدارتها للصراع العربي الإسرائيلي وفي تعاملها مع جميع القضايا الخاصة بالشرق الأوسط والدول النفطية.

لا ريب أن مثل هذه الأفعال تدعو الدول العربية والإسلامية إلى توظيف قواعد القانون الدولي تسجيل احتجاجها الواضح وإبلاغ الأمم المتحدة بهذا الرفض وتحميل الولايات المتحدة المسئولية الدولية المباشرة عن إخلالها بالتزاماتها الدولية المتمثلة في المعاهدات والأعراف ومبادئ القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة كما تستطيع الحكومات من خلال قنوات الأمم المتحدة تحميل رئيس الولايات المتحدة الأميركية المسئولية القانونية الدولية خصوصا وان الكونغرس الأميركي قد منح أخيرا المزيد من الصلاحيات والسلطات الواسعة لرئيس الولايات المتحدة لاتخاذ القرارات المهمة والمتعلقة بالأمن الوطني، إذ كانت تلك الاختصاصات والصلاحيات لا تصدر إلا من خلال الكونغرس الأميركي.

إن أول المتضررين من غزو أميركا لأفغانستان وبعض دول المنطقة هم شعوب ودول والمنطقة والأجيال القادمة فأميركا هي التي:

تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل

قصفت ليبيا من دون أساس قانوني

قصفت الطائرة المدنية الإيرانية

اجتاحت واستخدمت كل أنواع الأسلحة الفتاكة وغير المجربة من قبل مسئولة عن تجويع الشعب العراقي وانتشار الأمراض الخطيرة لمدة تجاوز 10 سنوات

إقرأ أيضا لـ "محمد رضا بوحسين"

العدد 181 - الأربعاء 05 مارس 2003م الموافق 01 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً