العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ

إعادة رسم خرائط المنطقة... العراق منطلقا!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

من قرار تقسيم العراق الكارثي بهدف تقطيع أوصاله وجعله جرس إنذار جديدا لكل من يتجرأ على التمرد على القرار الأميركي من الحلفاء أو الأصدقاء، مهما قيل عنه إنه غير ملزم! إلى فضاءات الصدام اللبناني الذي تروّج له وترعاه الإدارة الأميركية بسبب الفيتو العلني الذي تضعه على الرئيس التوافقي، إلى أجواء مؤتمر خريف «السلام الشرق أوسطي» المفخخ اسرائيليا، إلى حال الاستقطاب المفتعل مع إيران على خلفية مدرسة غوبلز الهتلرية في الكذب المجاني المستمر حتى يصدقك الناس! ثمة أجواء مكفهرة تجتاح السماء العربية والإسلامية يبدو انه كتب لها أن تستمر معنا إلى نهاية خريف المحافظين الجدد والذي سيكون طويلا ومملا ولكنه سيكون متعبا أيضا لمن لا يحسن قراءة القرائن والمعطيات على تراجع الأحادية الأميركية الحاد وفي طليعتها حيثيات الفشل الأميركي الموغل في مستنقع العراق!

أصحاب الذاكرة القوية يتذكرون جيدا أننا قلنا لمن يهمه الأمر من العراقيين الذين كانوا وقتها يعلنون - في الظاهر على الأقل - رفضهم الأجندة الأميركية بخصوص غزو العراق واجتياحة العسكري الفج بحجة أسلحة الدمار الشامل الملفقة، نعم قلنا لهم إن أية تغطية لهذا الغزو والاجتياح مهما كانت المصالح الحزبية حتى «الوطنية» التي تبحثون عنها إنما سيؤدي لا محالة بالعراق وبكم إلى «عسكرة» ليس فضاءات العراق الداخلية وتحويله إلى ساحة صراع لميليشيات لا يعرف أحد كيف ستنبع مثل الفطر، ومن ثم إلى تمزيق العراق إربا إربا، بل إنكم ستفتحون العراق على مصاريعه مضطرين ومجبرين لأشكال التدخل الخارجي الفج كافة أمنيا واستخباراتيا وعسكريا ولن تتمكنوا بالتالي مهما اعتمدتم على ما تسمونه «التذاكي» على الأميركان - كما كان ولايزال يتفلسف جهابذة «الحركة الإسلامية» - التخلص من مأزق ونفق الاحتلال والعسكرة والتقسيم والتبعية إلى الخارج بمجرد أنكم كنتم يوما وطنيين وتعتقدون انكم اذكياء بما فيه الكفاية للخروج من شرنقة تشابك المهمات بينكم وبين المحتل وتاليا تحرير انفسكم مما اضطررتم للقبول به قسرا كما تقولون والذي كنتم ولاتزالون تصرون على تسميته «تقاطع المصالح» مع الأميركي!

وقتها قلنا لاكثر من زعيم ديني وزمني عراقي معارض إن الأميركيين لهم اجندة طويلة عريضة ومعقدة ومتشابكة للمنطقة لن تقبل بأقل من تأمين مفتاح التحكم في وصول النفط بشكل سلس إلى الامبراطورية الأميركية وضمان أمن «إسرائيل»، وبالتالي فإن واشنطن والمحافظين الجدد أكثر تحديدا ليسوا «جمعية خيرية» لإزالة الدكتاتوريين وإشاعة الديمقراطية والدفاع عن حقوق المرأة والطفل والرجل العراقي أو غير العراقي ونشر الحريات في العالم!

وقتها غضب أكثرهم وحنق وكتب الرسالة وأصدر البيانات ضدنا واتهمنا بشتى الاتهامات على رغم تاريخنا الناصع والمعمّد بالدم في مقاومة ومناهضة الدكتاتورية والاستعمار والتبعية، فقط لاننا قلنا لهم يومها: بأي وجه ستقابلون شعبكم عندما يسيل دمه أمامكم على يد المحتل الذي سيمعن في التقتيل والذبح لابناء العراق ولن يرحم أحدا؟ وإن آخر همه حرية العراقيين ونظامهم الديمقراطي العتيد! في الوقت الذي قبلتم أن يكون في صفوفكم من صرح علنا يومها بأن «اليهود سيكونون درة التاج العراقي» فيما ذهب آخر ليقول بكل وقاحة: «إن أصوات القنابل التي تسقط على بغداد اجمل سمفونية سمعها في حياته» وأنتم تعرفون من نقصد وأين اصبح مصير امثال هؤلاء!

لم نكن يومها نقرأ في الفنجان ولم ندعِ علم الغيب ولم نكن كذلك نوابغَ! فقط لاننا قرأنا التاريخ بشكل صحيح ونريد ان نقرأه لكم اليوم على الطريقة نفسها قبل فوات الأوان ولأن العرب والمسلمين من دول الجوار المباشَر وغير المباشَر معنيون هذه المرة أيضا ولكن بشكل مباشَر وسريع أيضا!

إن كل العلائم والقرائن والمعطيات التي بين يديّ من يقرأها من العقلاء تفيد أن الأميركيين - ولاسيما المحافظون الجدد الحالمون بإنقاذ مشروعهم الامبراطوري العالق بطين قاع المستنقع العراقي - لا يهدفون من وراء كل الضوضاء التي يثيرونها من حول تحركاتهم ومهرجاناتهم الخريفية وما بعد الخريفية، سوى تصدير الفشل العراقي المحقق إلى سائر دول الجوار القريبة والبعيدة؛ لأنها الفرضية الوحيدة التي تجمد هزيمة بوش الكارثية وحوارييه في العراق وتدير فشلهم هناك إلى حين انكشاف العهد الأميركي الجديد! لقد بدأوا للعبة في لبنان وها هم يريدون تطويرها وإشاعتها على مستوى العالمين العربي والإسلامي ويبحثون عن تغطية عربية لها في مؤتمر التطبيع المجاني الخريفي مقابل إنهاء الصراع وليس مقابل الأرض بالتأكيد، ولكنهم سرعان ما سينقضّون على الدول العربية والإسلامية الكبرى الواحدة بعد الاخرى بمشروعات التقسيم الجاهزة التي لن تستثي أحدا، نعم من إيران وتركيا والباكستان مرورا بالسعودية وصولا إلى مصر فضلا عن سورية، والخرائط والمخططات والدراسات جاهزة، المهم ان نقرأها اليوم بعيون مفتوحة لأن غدا سيكون متأخرا جدا، حتى لا نكون مصداق الحديث الشريف: «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين»!

يقول مازن مكية وهو منشق من حزب الدعوة العراقي أخيرا: «إن السياسيين العراقيين يفسحون مجالا رحبا لتدخل الآخرين... عندما أخفقوا في ممارسة اداء ايجابي... مهملين المصلحة الوطنية العليا... وإنهم ساهموا في هدم الاسوار التي تحصّن السيادة العراقية...!».

بعد أربع سنوات ونصف السنة ها هو شاهد من أهلها ينبه مما قد حذرنا منه مبكرا!

أم سجاد - وهي زوجة مرافق نائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي، كريم خلف - والتي لم يخبرها أحد أن الذي قتله ليلة عيد الميلاد إنما هو «كاوبوي» أميركي مخمور حتى الثمالة، إلا بعد انكشاف فضيحة «بلاك ووتر» - تقول: «إن مال العالم كله لا يستطيع ان يعوضني عن زوجي... إن حارس (بلاك ووتر) يجب ان يعاد إلى العراق ويحاكم في بغداد... وإن المجرم في الحقيقة تم تهريبه إلى خارج العراق من قِبل مسئولين أميركان...»!

في هذه الاثناء ثمة جدل سخيف ومهين يدور في اروقة الدوائر الدبلوماسية والسياسية العراقية والأميركية عن «سعر» أو ما يسمونه «دية» كل قتيل وقع في مجزرة ساحة النسور التي كشفت في الواقع حقيقة جيش بول بريمر السري وسماسرة القتل المجاني من اعضاء شركات الأمن الخاصة التي لا تخضع لمحاسبة أحد في الدنيا كلها والذين يفوق تعدادهم الجيوش المحتلة رسميا للعراق باعتراف وسائل الاعلام الأميركية والذين يتفاخرون بتدعيم الأمن والاستقرار في العراق وتعزيزهما من خلال عدد الاصابات المحققة! والتي آخرها وليس أخيرها القتيلتان البريئتان المدنيتان أوهانيس - وهي أم لثلاث بنات - ورفيقتها في محلة الكرادة في بغداد فقط وفقط لأن سيارتهما اقتربت أكثر مما هو مسموح به في أعراف «الكاوبوي» من شركة يونيتي ريسورسنز «للتنمية الدولية» للأمن الخاص!

تستحضرني هنا وعلى عجالة واقعة معبرة جدا وهي اقرار نظام الشاه البائد قانون حماية المستشارين والأمنيين الأميركيين من الملاحقة القضاية الإيرانية مطلع الستينات وإلحاقهم بمعاهدة فيينا الشهيرة؛ ما دفع الزعيم الديني المعارض آنذاك الإمام روح الله الخميني إلى تفجير ثورة الاستقلال الوطني الشهيرة الأولى والتي أدت إلى اعتقاله ونفيه خارج البلاد عندما طالب الشعب الإيراني من خلال خطبته المزلزلة بإعلان الحداد العام في البلاد قائلا من جملة ما قال يومها ما مضمونه: «إنهم يبيعون الوطن والبلاد وكرامة شعب بكامله بثمن بخس... أي من أجل تأمين قرض مقداره 200 مليون دولار... مقابل إن يصبح شاه البلاد مرشحا للمحاكمة في أميركا إذا دهس كلبا أميركيا، في الوقت الذي إذا ما دهس فيه كلبٌ شاه البلاد أو إذا ما أقدم حمال أو خادم أميركي على اغتيال مرجعكم الديني لا يحق فيه للمحاكم الإيرانية التدخل او قول كلمتها...».

إنها لمفارقة عجيبة أن نعيش ونشهد ما يحصل من اهانة لأمة بكاملها من خلال ما يحصل للعراق المستباح في كل ساعة تمر علينا، والعالم ساكت عن الجريمة إن لم يكن متواطئا، والطبقة السياسية العراقية التي هدمت اسوار السيادة العراقية «بيديها وأيدي الأميركيين» كما يقول شاهد من أهلها وهو مازن مكية «ومشغولة بتلطيف أو تغليف مشروعات التقسيم للعراق» إن لم تكن «راضية ومتواطئة مع مشروع جوزيف بايدن لتقسيم العراق» كما يتهمها شهود آخرون، على غرار ما حصل مع مشروع «اتحاد الدول العراقية» الذي سبق أن روّج له ما يسمى «صندوق السلام» الأميركي!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً