العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ

من يجرؤ على الفشل

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

نخوض اختبارا عصيبا وجديدا للإرادة السياسية، من الآن وحتى انعقاد الاجتماع الدولي الذي دعت لعقده أميركا في أنابولس بولاية ميريلاند القريبة من واشنطن، وسيكون غالبا يوم 26 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وما نعنيه من اختبار الإرادة السياسية يتلخص في مدى قدرتنا على قول نعم أو لا، لما هو مطروح في هذا الاجتماع الذي من المقرر أن تحضره 36 دولة من بينها 13 دولة عربية مدعوة، فهل تستطيع هذه الدول العربية أن تقف وتصمد في وجه الضغوط المتوقعة، بل الواقعة فعلا منذ ما قبل الاجتماع، هل تجرؤ على الرفض إن كان ما هو معروض أقل من ما هو مطلوب!

الرفض في حد ذاته قد لايكون شجاعة موقف، مثلما أن القبول أحيانا قد يعبر عن شجاعة، والمعيار هنا هو مدى إيجابية ما تحققه من مكاسب رئيسية في حالتي الرفض أو القبول...

فهل لدى حكوماتنا الإردة السياسية المتماسكة لكي ترفض، طالما أننا نعرف من كل ما يقال ويجري الآن، أن ما هو معروض هو الفتات، فتات القضية الفلسطينية، وفتات الأرض المحتلة، وفتات الحرية والاستقلال...

نعرف بداية كم تختلف المناخات في دولنا العربية اختلافا واضحا، ما بين المناخات الباردة الماطرة، والمناخات الحارة العاصفة المتربة، وكذلك تتعدد الأزياء وأنواع الملابس، وتختلف السياسات والتوجهات بقدر تنوع واختلاف الأكلات...

لكن سياسات دولنا العربية لا تختلف أبدا على طاعة القرار الأميركي وحتمية الانصياع له باعتباره قدرا لا راد له، بصرف النظر عن تنوع أشكال الطاعة ونسبتها ودرجاتها، المهم أن لا تتصادم الإرادات بعنف، وألا يقع الخصام أو الطلاق، وإلا تشن الحرب في غير الوقت وفي غياب الهدف... هكذا يقول لنا كهنة السياسة في بلادنا...

وبالتالي فإنه من غير الوارد أوالممكن رفض الدعوة الأميركية لاجتماع الخريف، حتى وهدفه غامض وأجندته غائبة، وذهابنا إليه طائعين خاضعين يتم استسلاما أو مجاملة للصديق والأخ الكبير الراغب في تحقيق هدف خاص هو جمع شمل العرب و»إسرائيل» تحت مظلته، وبشهود أطراف دولية مختارة، تضمهم جميعا صورة تذكارية يطلق عليها «تاريخية» ويورثها الاجداد للأحفاد اعتزازا بالمناسبة المهمة وبالرفقة الحلوة!

كان في تصورنا العربي الواهم أن هذا الاجتماع الدولي، هدفه وضع الأسس الراسخة لتسوية شاملة ونهائية للصراع العربي الإسرائيلي، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومرجعيات مؤتمر مدريد للسلام والمبادرة العربية المنسية، إلا أن صاحب القرار والدعوة، ونعني بوش الأميركي وأولمرت الإسرائيلي، أخرج سورية وأرضها المحتلة من الاهتمام، ثم أضاف الوضع اللبناني إلى قائمة التأجيل، وقال إن الاجتماع سيركز على «النزاع الفلسطيني الإسرائيلي» كالعادة كمرحلة أولى، غالبا لن تتلوها مراحل!

وعلى رغم أن الموافقة العربية على تقسيم التسوية الشاملة وفق ما يراه الأميركيون والإسرائيليون، تؤدي إلى مزيد من تهميش حكايات التضامن العربي وروايات التنسيق العربي، فإنها في الحقيقة تعطي لـ «إسرائيل» المضمونة أميركيا، فرصة التهرب من جوهر المبادرة بمضمونها المعروف «الأرض مقابل السلام والتسوية الشاملة مقابل التطبيع الكامل»، وبذلك يفقد العرب آخر أوراقهم ويدفنون في حدائق ميريلاند آخر مبادراتهم...

فإن عدنا إلى ما قد يبحثه الاجتماع المزعوم من مبادئ أو خطوات التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، فإننا حتى الآن، لا نجد اتفاقا أو توافقا أو حتى اقترابا في المواقف بين الطرفين، بشأن ما سيبحثانه ويتفقان عليه بعد أسابيع قليلة، بل نجد فجوة واسعة تفصل بينهما لاختلاف الأهداف...

وعلى رغم زيارة الآنسة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للمنطقة حاليا، وقد أرهقتنا بزياراتها المتعددة ضعيفة النتائج، إلا أن جهودها لم تسفر عن ملامح اتفاق أو توافق فلسطيني إسرائيلي يكون أساسا لاجتماع الخريف، ونظن أن كل ما أنجز هو تشكيل طواقم المفاوضات، واجتماعات سرية أو علنية غامضة للمتفاوضين، يخرج بعدها متحدث فلسطيني ليؤكد أن الفجوة واسعة...

ونثق أن الجهد الأميركي الرئيسي يصب في خانة دعم الموقف الإسرائيلي ومطالبه المتشددة، مقابل تطويع وترويض الرفض الفلسطيني، لعل الزهق والضعف يؤدي إلى استلامهم جالبين معهم الموافقات العربية الجاهزة المجهزة، المعتمدة على نطاق المبدأ القائل، نقبل بما يقبله الفلسطينيون...

هنا يتبدى صراع الإرادات السياسية، وهو للأسف، بين قوي يزداد قوة ودعما وغطرسة في مطالبه التعسفية والتعجيزية، وبين ضعيف يزداد ضعفا ووهنا هو وعربه، فتصبح إرادته السياسية أضعف في المقاومة، فإما مغامرة الرفض المطلق لكل اللعبة والعودة إلى المربع واحد أو الخيار صفر، وأما التساهل «المرونة والخضوع وقبول ما هو ممكن ومتاح!

حتى الآن على الأقل لا نستطيع القول إن ساعة الحسم قد حانت، فلا تزال الإرادات الفلسطينية والإسرائيلية تتصارع، على رغم فروق موازين القوة، وما زال الفلسطينيون يعلنون تمسكهم بإعداد وثيقة تقدم لاجتماع الخريف، تتضمن الأسس الجوهرية لتسوية شاملة ونهائية، تحل المشكلات الرئيسة الثلاث، الحدود والقدس ومستقبل اللاجئين، وهم مسنودون في ذلك بقرارات الأمم المتحدة وبالمبادرة العربية ومرجعية مدريد ورؤية الرئيس الأميركي بوش لإقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية قابلة للحياة.

ولايزال الإسرائيليون يتمسكون باجتماع للعلاقات العامة ولتدشين الاعتراف العربي الرسمي بـ «إسرائيل» والتطبيع معها علنيا، مقابل اتفاق عام يمهد لمفاوضات غير محددة المدة مع الفلسطينين بشأن التسوية النهائية، مسنودين في ذلك بالدعم الأميركي المطلق وكذلك الأوروبي، وفي جيبهم رسالة الضمانات الشهيرة والمخفية، التي كان يبعثها الرئيس بوش لشارون في العام 2004 وبها تعهدات أميركية بعدم عودة اللاجئين، وبعدم العودة إلى حدود ما قبل عدوان 1967، وعدم التفريط في القدس عاصمة «إسرائيل» «الأبدية»!

هكذا تبدو المواقف والأهداف متباعدة، بقدر تباعد الوسائل والقدرات، ما يؤكد ترجيحنا لفشل اجتماع ميريلاند من حيث المضمون والجوهر، فهل يقبل الرئيس الداعي بوش أن تفشل دعوته ويفشل اجتماعه، وهل تتحمل «إسرائيل» نتائج إفشالها للاجتماع، وإلى أي مدى يؤثر الفشل على حاضر ومستقبل الأزمة الفلسطينية، ليس فقط على القيادات الحالية من فتح وعباس إلى حماس وهنية، ولكن على مجمل الشعب الفلسطيني، الذي يتكون من عشرة ملايين، بينهم ستة ملايين في الشتات وأربعة ملايين موزعين بين غزة والضفة الغربية وداخل «إسرائيل» نفسها...

لا نتعنت إن قلنا إن «إسرائيل» وأميركا تسعيان إلى فرض إرادتهما القوية على الطرف الفلسطيني الضعيف «والمنقسم» وعلى الأطراف العربية المتهالكة، وهما يريان أن الفرصة سانحة لفرض الإرادات الحاسمة في الصراع التاريخي، ولذلك تسارع «إسرائيل» في مخططاتها الاستيطانية الاستعمارية في الضفة الغربية، وخصوصا في القدس وحولها، واستكمال الجدار العنصري العازل، وتقسيم الضفة الغربية إلى قسمين، فضلا عن استمرار وعزل غزة في سجنها الكبير، مثلما تسارع أميركا إلى تجميع شتات تفاوضي في اجتماع ميريلاند، مجرد واجهة إعلامية تلفزيونية براقة لرفض الفشل والتمسك بأهداف نجاح واهم...

الفلسطينيون والعرب وحدهم يدفعون الثمن الغالي من اللحم الحي المتقطع من فلسطين والقدس والتاريخ والحضارة، وحدهم يخوضون الفشل بعد الفشل من دون أن يرف لهم رمش أو ينساب عرق الخجل... حتى هذا ضاع وسط ملاهي الحياة...

لكن... ثمن الفشل عبر تجارب التاريخ باهظ قاس كاسر، ما من أمة عظيمة ذاقت مرارته ودفعت ثمنه، إلا وانتفضت تغسل عارها، فمتى تغسل أمتنا عارها!

خير الكلام:

يقول حافظ إبراهيم:

إيه ياليــــل هــل شــــهدت المصــــابا

كيف ينصب في النفوس انصبابا

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً