العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ

ثلاثية النظام والإخوان والاحتقان!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

المتأمل في المشهد السياسي المصري هذه الأيام، يكتشف أن هناك ثلاثية تحكم حركته وتحدد مساراته الراهنة على الأقل، ونعني ثلاثية النظام، وجماعة «الإخوان المسلمين»، وبينهما الاحتقان الذي تلمحه واضحا جليا في كل مكان وعلى كل وجه.

وعلى رغم أن الاحتقان ليس وليد الصدام الحالي بين النظام والإخوان فقط، لأنه وليد عوامل إضافية أخرى، منها السياسي ومنها الاقتصادي الاجتماعي، ومنها الإعلامي والنفسي والعصبي، إلا أن صدام القطبين المتنافسين على مقدمة المهشد المصري، يمثل أضخم مولدات الاحتقان وأشده خطورة، لأنه صدام تكسير عظام، وليس مجرد تنافس أو صراع سياسي فكري، ولذلك فالمؤكد أن الأفضل هو العمل على الخروج سريعا من هذه الثلاثية العصيبة.

على طرفي نقيض يقف الطرفان إذا، على رغم كل ملامح ومؤشرات الحوار السري أو اللقاء الغامض المتسرب، فالإخوان، وهم جماعة محظورة قانونيا ناشطة واقعيا، يطرحون أنفسهم على أنهم البديل الأول والأقوى للحزب الوطني الحاكم وحكومته، بل بديلا للنظام الجمهوري كله، ويضيفون في دعاياتهم أنه لو كان في مصر ديمقراطية حقيقية وانتخابات نظيفة، لوصلوا إلى سلطة الحكم بسهولة بديلا لما هو قائم، بحكم شعبيتهم وتأثيرهم المستمد أساسا من العقيدة الدينية!

وفي المقابل يقف النظام الجمهوري الممتد من جمال عبدالناصر إلى حسني مبارك في حالة استنفار دائم وصدام مستمر مع جماعة الإخوان، التي عانت كثيرا من الحظر والصدام والاعتقالات حتى فيما قبل ثورة يوليو/تموز 1952، امتدادا لفترتها، باستثناء فترة الوفاق بين الرئيس السادات والإخوان... والنظام الجمهوري بحكم مبادئه وأسسه التي تبني الدولة المدنية، يرفض من الأساس فكر الإخوان ومخطط بناء الدولة الدينية، ولذلك تبدو القبضة الحديد للنظام الجمهوري منذ بدايته حتى الآن، هي وسيلة التعامل والمواجهة الأساسية مع جماعة الإخوان، قائلا إنه لو تهاوت قبضته لقفز الإخوان بكل تراثهم ومبادئهم إلى الحكم.

ومن الخطورة، اختصار المشهد السياسي المصري كله، في هذه الثنائية المتصارعة، النظام والإخوان، لأن انفرادهما البادي هذه الأيام، يساعد في إذكاء التوتر والاحتقان ويبشر بالفوضى، سواء تلك المصنعة داخليا، أو الفوضى الخلاقة المستوردة من الخارج، وخصوصا أن السياسة الأميركية البراغماتية «والانتهازية» سعت وتسعى لاستغلال هذا الصدام بين النظام والإخوان لصالح أهدافها.

فهل صحيح أن الساحة السياسية قد أجدبت وخلت إلا من ثنائية النظام والإخوان، وهل صحيح أنهما وحدهما الأكثر أهلية وأحقية في التنافس على الحكم والقيادة دون سواهما، وهل صحيح أن كل القوى السياسية والتيارات المدنية الديمقراطية في هذا المجتمع المتلاطم بملايينه ومفكريه وسياسية، قد أصابها سوس التدهور والانقراض، ولم تبق إلا الثنائية المذكورة لأنها وحدها وبطرفيها، السليمة والصالحة والمؤهلة!

نشك في ذلك، فلا النظام والإخوان خاليان من عوامل الضعف والتدهور، ولا هما كاملان مكملان بالمسطرة، وظني أنهما معا يعانيان من أزمة فكرية وسياسية، فعلى سبيل المثال الحزب الوطني حزب الحكومة والدولة والنظام: يعاني أزمة الاختبار الديمقراطي الحقيقي بعيدا عن التشبث بالسلطة والانفراد بالحكم ورفض تداول المناصب، بينما تعاني جماعة الإخوان منذ تأسيسها على يد مرشدها الأول حسن البنا العام 1928، من أزمة الهوية، بين الجماعة الدعوية الدينية، وبين التنظيم أو الحزب السياسي، أن باختصار بين الدولة المدنية الحديثة والدولة الدينية.

ونظن أن الطرفين مأزومان من الداخل، حتى لو أنكرا وطبعا هما ينكران بإصرار، ما يساعد على تصاعد الاحتقان ليس بينهما فقط، ولكن في المجتمع كله، وكل منهما يتحمل الوزر بقدر مسئوليته، وخصوصا أن البعض يدفع المشهد السياسي إلى اختصاره في هذين القطبين، وكأن مصر كلها قد خلت إلا منهما فقط.

فثمة 23 حزبا سياسيا شرعيا آخر إضافة للحزب الوطني، ترفع يافطاتها على واجهات مقاراتها وتقول أنا هنا في الساحة، التي لن نتركها للذئب والأسد وحدهما... لكن الحقيقة أن هذه الأحزاب الشرعية لم تستطع أن تقدم حتى الآن بديلا قويا لأي من الإخوان أو الحزب الوطني، ربما باستثناء محاولات ومجادلات أحزاب الوفد والتجمع الناصري والجبهة الديمقراطية، التي تسعى للمشاركة في الكعكة، إلا أنها في النهاية لم تقدم فكريا وسياسيا واجتماعيا يرفعها إلى الصراع مع الوطني والإخوان بتكافؤ وتوازن.

وبالموازاة مع ضعف الأحزاب وفشل معظمها، توارى نشاط ومشاركة القوى الجديدة ممثلة في النقابات المهنية والعمالية والطلابية والأكاديمية، التي يفترض أنها مولدات الفكر والكوادر والقيادات السياسية، ولذلك لا عجب أن يتمكن الحزب الوطني بقوة السلطة والدولة، وأن يتمكن الإخوان بقوة العقيدة والتنظيم والتمويل، أن يبرزا على أنهما اللاعبان الوحيدان في المشهد السياسي، المولدان أيضا للاحتقان السائد!

وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على فشل مبكر للتعددية السياسية، إن عند قمة السلطة الحاكمة، وإن عند قاعدة العمل الشعبي، في ظل غياب فضيلة الحوار الحر بين التيارات والقوى المتعددة، مقابل حضور الخصومة والتربص المتبادل، وهذا كله ليس من مبادئ الديمقراطية في شيء.

لقد أخطأ الجميع تلمس الطريق الصحيح في إطار إصلاح ديمقراطي حقيقي، أخطأ الحزب الوطني باعتباره حزب النظام، في عدم إقدامه حتى الآن على إقرار وترسيخ مبادئ الديمقراطية، وأولها قبول الآخر وحق تداول السلطة وإجراء انتخابات نظيفة، وإطلاق الحريات العامة وفي المقدمة حرية الصحافة والرأي والتعبير... اقتناعا منا بأن ما تم أو يتم في هذه المجالات لايزال يجري في الهوامش وليس في الأصول، بدليل عدم قبوله أو استيعابه لمجرد فكرة أن يصبح غدا في المعارضة، ويتولى غيره الحكم، الذي ينفرد به منذ أكثر من ثلاثين عاما، أو منذ أكثر من خمسين عاما باعتباره امتدادا واقعيا للاتحاد القومي وللاتحاد الاشتراكي.

وأخطأت الأحزاب الشرعية الأخرى، لأنها قبلت منذ البداية بولادتها المبتسرة، واستكانت للعيش في «حضّانة» النظام وحزبه الحاكم، ولم تطرح بديلا يجذب الجماهير، بل التف بعضها حول إغراءات الحاكم واستقطاباته، وخضعت في النهاية لمواقفها المتجمدة الراهنة، تحت ضغط حصار الأجهزة وتقييد حركتها الحزبية خارج مقارها!

غير أن أخطاء جماعة الإخوان أفدح، لأنها تؤمن بداية بحتمية الجمع بين الجنسين بين الدين والدنيا، بين المصحف والسيف، وفي مسار تطور الحوادث، أعلنت في السنوات الأخيرة قبولها بالديمقراطية غطاء واسعا لتكسر من خلاله، قيود الحظر القانوني والسياسي والدستوري وفق التعديلات الأخيرة، التي تحظر قيام حزب على أسس دينية... وهو قبول يبدو أنه مؤقت ومرحلي، ولذلك فشلت الجماعة في إقناع القوى السياسية الأخرى بجديتها.

وبقدر نجاح جماعة الإخوان «المحظورة» في الاشتباك مع الأحزاب المعارضة والحركات الاحتجاجية والنقابات المهنية والعمالية والطلابية، ما أثمر خوض التحدي الأكبر بنجاح 88 نائبا في انتخابات 2005، يشكلون كتلة المعارضة الرئيسية في البرلمان الحالي، بقدر فشلها حتى الآن في تحديد هويتها، جماعة دينية أو حزب سياسي، دولة دينية أو دول مدنية، ديمقراطية حديثة، أو شورى تراثية، المصحف والسيف، أم الدستور والقانون الطبيعي وحرية الرأي والاعتقاد، المساواة أو التمييز؟

وبينما يقول الحزب الوطني إنه سيطرح في مؤتمره العام المقرر عقده يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، مبادرات جديدة وإصلاحات ديمقراطية وخططا للرخاء حماية لمحدودي الدخل المنهكين، استبقته جماعة الإخوان، بطرح مشروع جديد لتأسيس حزب سياسي، في بادرة هي الأولى في تاريخ الجماعة تشكل إن صدقت تغيرا جوهريا يحقق مصالحها في العمل السياسي.

لكن قراءة البرنامج المفتوح لهذا الحزب الإخواني، تصدم كل أنصار الديمقراطية وتروع بناة الدولة المدنية، وتدحض كل ما يطرحه «سياسيو الإخوان» عن إيمانهم بالديمقراطية واستعدادهم للعمل العلمي تحت مظلتها... فمرجعية الحزب السياسي المقترح مرجعية دينية مطلقة، ومرجعية قيادة الدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية خصوصا، هي هيئة العلماء صاحبة الحل والعقد، والقيادة مقصورة على القائد الذكر المسلم، واستبعاد المرأة وغير المسلمين، وتحديدا الأقباط الذين يشكلون نسبة معتبرة من المواطنين، وهذا ينفي مبدأ المواطنة ويهمش فكرة المساواة والتسامح، التي نص عليها الدستور.

وأظن أن رد الفعل الذي تلقاه الإخوان على هذا البرنامج الحزبي، كان صادما للجماعة ومنظريها بالقدر نفسه... مثلما كان مفرحا ومبهجا للحزب الوطني الحاكم، فها هو الذي يطرح نفسه بديلا ينتحر على صخرة الديمقراطية قبل أن يخوض بحارها، وها هو يتراجع بحدة عن كل ما قاله عن قبوله بالديمقراطية!

الآن... من الخطر الحقيقي، أن نخضع، سياسيا وواقعيا وفكريا، لمن يريدون حشرنا بين خيارين وبديلين فقط، إما الحزب الوطني وحكومته، وانفراده بالسلطة، وإما الإخوان المبشرين بالدولة الدينية على أنقاض الدولة المدنية الحديثة ونظمها الديمقراطية.

ثمة خيار ثالث وعاشر قطعا... إن احتكمنا بصدق المبادئ الديمقراطية السليمة، وإلا سنظل أسرى هذه الثلاثية... النظام والإخوان ومعهما الاحتقان!

خير الكلام

يقول إيليا أبوماضي:

صغرت نفوسهم فبات عزيزهم

يخشى الجبان كما يخاف الطاغية

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً