العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ

الجماعات الإسلامية وتديين السلطة بالتقسيط (2)

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

استكمالا لما بدأنا تتبعه في قراءة الكاتب والباحث الأكاديمي «باقر النجّار» في كتابه «الحركات الدينية في الخليج العربي»، فإن الإسلام السياسي الشيعي حضوره حديث في الخليج العربي مقارنة بحركة الإخوان المسلمين، ولاسيما إنّ الثورة الإيرانية هي من وراء فكرة إعادة إحياء الإسلام السياسي الشيعي، إذ بدّلت من مواقف جماعات الإسلام السياسي الشيعي وأولوياتها، وحوّل بعضها من قوى سياسية حليفة للأنظمة السياسية إلى قوى ثورية راغبة في إقامة نظام إسلامي يشبه النظام الإيراني أو في نشر الديمقراطية وإتمام الإصلاح السياسي، فالتحوّلات الفكرية والإيديولوجية التي جرأت عليها هي نتاج لتحوّلات الحالة الإيرانية من الثورة إلى الدولة، مضيفا بأنّ التأطير السياسي الواضح لهذه الجماعات قد بدأ منذ نشأة حزب الدعوة الشيعي في العراق في 1958، كما إنّ الظروف السياسية البحرينية قد منعتْ هذه التنظيمات من العمل العلني برغم من أنّ بعض رموزها كانت تنشط في خلايا حزب الدعوة، والأخير يقترب في أطروحاته من أطروحات حركة الإخوان المسلمين. وجد الكاتب أنّ الثورة الإيرانية لم تكن ثورة سياسية عقائدية، بل ثورة اجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية تأثرت بها قطاعات كبيرة من المجتمع العربي مما انعكس على حالة «التثوير» من الثورة، التي عاشتها التجمعات الشيعية بسبب أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية الحرجة التي كان من نتائجها نشوء تنظيمات ثورية شيعية تبنى بعضها مبدأ العنف في صراعه مع السلطات.

وفي سياق تحليله، أشار إلى أنّ المؤسسة الدينية غير الرسمية تحتل مكانة خاصة لدى شيعة البحرين، وهي ذات تأثير بالغ في أوساطها مقارنة بالجماعات السياسية الأخرى اليسارية والقومية والليبرالية، وإنّ تأثيرها في الوسط الاجتماعي الشيعي يفوق تأثير المؤسسة الدينية السنية في محيطها الاجتماعي وذلك لأسباب تاريخية تتعلّق بعلاقة المؤسسة الشيعية بالدولة والأخذ بمبدأ المرجعيات المذهبية. من جهة متصلة، تنقسم المؤسسة الدينية الشيعية إلى مجموعتين أحدهما حسمت موقفها من الدولة ومندمجة فيها لتقاطع المصالح والأهداف، والثانية معارضة. الأولى تنطلق من فكرة إنّ المعارضة جلبت للشيعة العزل والتهميش، وهي تنقسم أيضا إلى فئتين منهم رجال الدين المنتمون إلى المؤسسة الفكرية المحافظة وغير القادرة على تطويع الكثير من المفاهيم الدينية للمتغيرات المحيطة والعالمية السريعة التغيير، ومنهم من يرى أنّ الدين صالح لكلّ زمان ومكان والعلّة تكمن في تفسير الدين وليس في الدين نفسه وخطابهم يتسم بالوعظ الديني عوضا عن الجانب السياسي أو الثفافي وبعضهم يتميّز خطابه بمضمون ثقافي يتجاوز الإيديدلوجيا والانحيازات المذهبية الضيّقة.

جماعة السلف

أما جماعة السلف كما يخبرنا «النجار»، فهي تتحدر من عائلات بحرينية معروفة، وتضم بعضا من العرب الهولة من العائلات التجارية التقليدية، وبعض الشرائح الجديدة من الطبقة الوسطى التي أتاح لها تعليمها وتقربها من مؤسسات الدولة أن ترتقي اقتصاديا واجتماعيا، وغالبية من الشرائح الدنيا من الطبقة نفسها ومن ذوي الدخل المحدود ممن وصلت لهم الجماعة وحلت مشكلاتهم المعيشية والاقتصادية. بمعنى أن حركة الإخوان المسلمين أقرب إلى التنظيم النخبوي بينما الحركة السلفية أقرب إلى الحركة الجماهيرية التي تضم الطبقة الكادحة الفقيرة. وجماعة السلف هي الأخرى من وجهة نظر «النجار»، تنأى بنفسها عن عقد تحالفات سياسية مع القوى السياسية المعارضة، وخطابها السياسي ضبابي وخال من تبنّي مواقف سياسية واضحة من المؤسسة الرسمية، كما يكفر بعض عناصرها القوى والجماعات اليسارية والليبرالية، ما أدى إلى تصنيفها في خانة القوى السياسية المتحالفة مع الدولة، وفي صفوفها ممن يتبنى بعضهم فتاوى شرعية ذات رؤى دينية سلفية متشددة، ويذهب بعض المراقبين إلى أن تنظيماتها لا تتسم بالسرية على غرار جماعات الإخوان المسلمين والحركات السياسية الشيعية على رغم من أن قادتها يفضلون العمل غير المعلن. إلى ذلك وبحسب المؤلف يوجد اختلاف في التكوين الاجتماعي لتنظيم الإخوان والسلف فهما لا يلتقيان سياسيا وفقهيا مع الجماعات السياسية الشيعية البحرينية، بيد إنهم لا يتعرضون لمساجد الشيعة ومآتمهم أو تكفيرهم أو التجريح بمعتقداتهم الدينية، والحركة السلفية تعارض مظاهر التحديث والانفتاح الاجتماعي و»اللبرلة» ولا تجنح نحو توظيف العنف في فرض أفكارها الفقهية، كما أنها تستند على الدلائل الشرعية في إشراك المرأة في العمل السياسي، وتتشدد في إعطائها حقوقا سياسية - محسومة اجتماعيا. أما في البرلمان فهي تعالج قضايا هامشية مثل العطل الرسمية والحفلات الغنائية والاختلاط بين الجنسين داخل الجامعات وأماكن العمل وحق المرأة المنقبة في قيادة السيارة، والبعض منها يندد بالأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات السلفية في المناطق الأخرى، في الوقت الذي تحرص فيه على تدفق التمويل المادي لأنشطتها من المجتمعات الخليجية، وتنفي في الوقت ذاته أية صلة لها بتنظيم القاعدة، إلا أن هذا النفي لا يصل ببعض أعضائها إلى انتقادات شديدة للأعمال الإرهابية. وهي تتبنى فكرة المشاركة في العملية الديمقراطية من باب درء المفاسد الكبرى، ولم تتعرض للانشقاقات التي تعرضت لها الحركة السلفية في دول الخليج الأخرى.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً