العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ

قراءة في «جيو 4» - المياه (3)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

يستكمل هذا المقال استعراض الفصل الرابع المتعلق بالمياه في تقرير التوقعات البيئية العالمية الرابع (جيو 4) الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للبيئة وصدر نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي ركز على القضايا الرئيسية المتعلقة بالمياه وهي قضايا التغير المناخي، واستنزاف الثروة السمكية، واستخدامات الإنسان للمياه، ونظم المياه الإيكولوجية المالحة والعذبة.

ويشير التقرير إلى أن الكثير من النظم الإيكولوجية المائية في العالم - سواء كانت البحرية أو الساحلية أو العذبة - آخذة في التدهور والضياع وبدأت فقدان طاقتها لتزويد المياه العذبة، والغذاء، والخدمات الأخرى التي توفرها للبشرية، فمثلا أدى فقدان الأراضي الرطبة، إلى تغير نظم التدفق الطبيعية وزاد من الفيضانات وقلل من موائل الحياة البرية. كما يبيّن أن نوعية المياه العذبة في تدنٍ مستمر؛ بسبب الأنشطة البشرية التي تلوثها؛ بسبب المخلفات الناتجة من الإنسان والاستخدام المفرط للأسمدة.

إضافة إلى ذلك، إن هناك قلقا عالميا كبيرا من الأضرار المحتملة على البيئات المائية جراء التلوث المتزايد لهذه البيئات بواسطة الأدوية، مثل المضادات الحيوية والمهدئات، وكذلك منتجات العناية الشخصية والكيماويات الأخرى التي تنتهي فيها. كما أن تلوث هذه البيئات له تأثير مباشَر على التنوع الحيوي والأجناس التي تعيش فيها، إذ يذكر التقرير أن خلال الفترة من 1987 إلى 2003 تناقص عدد فقاريات المياه العذبة في المتوسط بنحو 50 في المئة، وهي معدلات أسرع من تلك الخاصة بالفقاريات التي تعيش على اليابسة أو في مياه البحر.

وفي وجه هذا التدهور، يشير التقرير إلى التطبيق المتزايد في دول العالم للتقويم الاقتصادي لخدمات النظم الإيكولوجية التي توفرها البيئة المائية (مثل ترشيح المياه، وتدوير المغذيات، والسيطرة على الفيضانات وموائل التنوع الحيوي) قد شكّل أداة قوية لإدماج تكامل الأنظمة الإيكولوجية المائية في عملية التخطيط للتنمية واتخاذ القرار، وخفف من معدل التدهور المستمر الذي تمر به هذه البيئات، ويوصي بضرورة تطبيق الأدوات المبنية على القيمة الاقتصادية التي تقدمها هذه البيئات إلى جانب الأدوات التقنية والتشريعية وبناء القدرات في هذا المجال، لتتم المشاركة في المنافع التي تقدمها البيئات الإيكولوجية المائية إلى المجتمع ككل.

أما بالنسبة إلى المياه العذبة، فلقد تم تأكيد أهمية العلاقة بين موارد المياه العذبة والتنمية المستدامة وارتباطهما الوثيق بتحقيق الغايات المتعلقة بالصحة والغذاء. ويبيّن التقرير أن كمية ونوعية المياه العذبة قد باتت مهددة؛ بسبب النمو السكاني وهجرة الريفيين إلى المدن وتغير أنماط الاستخدام، بالإضافة إلى التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ العالمي.

وحاليا هناك نقص مستمر في كميات المياه العذبة المتاحة في العالم، ويتوقع بحلول العام 2025 سيعيش نحو 1.8 مليار من سكان العالم في دول تعاني من الندرة المطلقة في المياه وسيعاني ثلثا عدد سكان العالم من إجهاد مائي، ومن المتوقع بحلول ذلك الوقت أن يرتفع الطلب على المياه نحو 50 في المئة في الدول النامية ونحو 18 في المئة في الدول المتقدمة؛ بسبب زيادة استخدام المياه العذبة في الزراعة والصناعة والطاقة. ويتوقع التقرير أن يكون التصاعد المستمر في الطلب على المياه العذبة في الدول ذات الندرة المائية تأثيرات سيكون من الصعب تحمّلها في هذه الدول وأن يؤثر ذلك بشكل كبير على مسار التنمية فيها.

وفي مجال علاقة المياه وصحة البشر، يذكر التقرير أن في الدول النامية 3 ملايين شخص يتوفون سنويا؛ بسبب الأمراض المنتقلة بواسطة المياه، وغالبيتهم تحت سن الخامسة من العمر، وأن المياه الملوثة مازالت السبب الرئيسي لأمراض الإنسان والوفاة على مستوى العالم.

وعلى رغم التقدم العالمي المحرز في مجال مياه الشرب والصرف الصحي وارتفاع عدد سكان العالم الذين توافرت لهم إمدادات محسنة من المياه من 78 في المئة إلى 82 في المئة خلال العقد الماضي، وارتفاع نسبة سكان العالم الذين توافرت لهم أنظمة الصرف الصحي مناسبة من 51 في المئة إلى 61 في المئة في الفترة نفسها، إلا أن نحو 2.6 مليار شخص في العالم مازالوا لا تتوافر لهم أنظمة صرف صحي مناسبة، ويبيّن أن تحسين الصرف الصحي وحده يمكن أن يقلل الوفيات الناتجة منه بما يصل إلى 60 في المئة ويقلل من حالات الإسهال بما يصل إلى 40 في المئة. كما يشير إلى أن المياه الساحلية الملوثة بمياه النفايات تسبب أكثر من 1.2 مليون إصابة بالأمراض المعدية، و50 مليون إصابة بأمراض الجهاز التنفسي سنويا على مستوى العالم، وتقدر كلفتها المادية نحو 12 مليار دولار سنويا.

ولمواجهة هذه التحديات، يوصي التقرير بضرورة تطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية وتحسين حاكمية المياه في إدارة الموارد المائية من خلال وضع الهياكل المؤسسية الفعالة وصوغ السياسات والقوانين الملائمة وتطبيق آليات السوق والتقنيات الفعالة، واعتماد منهج إدارة التكيف مع هذه المتغيرات المتسارعة.

كما يشير إلى أن بسبب استهلاك الزراعة لأكثر من 70 في المئة من المياه على مستوى العالم وبسبب انخفاض كفاءة استخدام المياه في هذا القطاع في معظم دول العالم، يصبح من المنطقي أن يتم تركيز جهود المحافظة على المياه وإدارة الطلب على هذا القطاع.

كما يؤكد التقرير في مضمار مواجهة المشكلات والتحديات المتزايدة في مجال المياه العذبة، ضرورة توافر الالتزام السياسي والجدية لدى قيادات وحكومات الدول، ويعطي مثالا ناجحا على ذلك في تطبيق الاتحاد الأوروبي «الإطار التوجيهي للمياه» على دوله السبع والعشرين والذي يلزم هذه الدول أن تصل بحال جميع المياه فيها إلى درجات مستقرة وجيدة بحلول العام 2015، ويطلب منها إنشاء النظام المؤسسي المطلوب وتحديد السلطات المسئولة عن الأحواض المائية ووضع خطط إدارية لهذه الأحواض ومشاركة المنتفعين من المياه، وأثبت تنفيذ هذه التوجيهات نجاحه في الدول التي قامت بذلك حتى الآن.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً