العدد 1895 - الثلثاء 13 نوفمبر 2007م الموافق 03 ذي القعدة 1428هـ

أملاك الدولة أم أملاك الأمة؟... الأموال العامة أم أموال الدولة؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

عندما تسلّم الإمام علي (ع) زمام الحكم وعلم بتملك بعض الشخصيات لأراضي من الأملاك العامة، ألزمهم باسترجاعها، وقال: «... والله لو وجدته قد تُزوج به النساء ومُلك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق». والإمام هنا لم يفعل سوى تطبيق التشريع الذي توافق عليه المسلمون بخصوص بعض أنواع الأملاك التي لا يحق لأحد ضمها لملكه الخاص. وهذا يظهر مدى أهمية إصدار تشريعات صارمة بشأن أحكام الأراضي الواقعة تحت عنوان الملك العام، حتى يتعيّن كيفية تصرف الحكومة فيها.

جزء من المشكلة في وضعنا الحالي هو تعدد المصطلحات في الدستور، والتي لا ندري ما المقصود من كل واحد منها. الآن الحديث يدور حول ما أطلق عليه بـ «أملاك الدولة»، والدولة تأتي بمعنيين، مرة « بمعنى الحكومة ويراد بها الجهاز السياسي الحاكم نفسه، ومرة بمعنى الأمة ذات الكيان السياسي، وذلك إذا توافرت فيها أربعة أركان: شعب الدولة؛ إقليم الدولة؛ سلطة الدولة؛ سيادة الدولة.

ولا يشك أحد أن المقصود بأملاك الدولة الذي تروم اللجنة النيابية التحقيق فيها، هي الدولة بمعنى الأمة ذات الكيان السياسي، وليست أملاك الحكومة، إذ لو كانت أملاك الحكومة، لنص الدستور بكل صراحة على ذلك، بدلا من نصه على مصطلح أملاك الدولة. غير أن المثير، أن مصطلح «أملاك الدولة» مصطلح طرأ بعد التغييرات الكبيرة التي أجريت على دستور 73 من طرف واحد، فهو غير موجود أصلا في دستور 73، بل غير موجود في دستور الكثير من الدول العربية، منها دستور دولة الكويت الذي تم صوغ دستور 73 على ضوءه. المصطلح الموجود في دستور دولة الكويت هو مصطلح «الأموال العامة».الأمر الغريب، وجود مصطلحين آخرين في دستور 73، وهما «أموال الدولة» و»الأموال العامة» ، وكذلك فإن هذين المصطلحين موجودان في دستور 2002 ، ووجه التساؤل أنه لا يُعلم معنى أو فرقا بين مصطلح «املاك الدولة» التي انفرد بها دستور 2002 ، ومصطلحي « الأموال العامة» وأيضا «أموال الدولة» الموجودين في كلا الدستورين، دستور 73 ودستور 2002.

فما الفرق بين املاك الدولة محل بحث لجنة التحقيق، وبين مصطلحي أموال الدولة والأموال العامة؟ مع العلم أن المال يشمل الأملاك المنقولة (كالسيارات والنقد والأثاث وأي شيء نافع يمكن نقله من مكان لآخر)، وغير المنقولة، كالأراضي والبحار. إننا الآن أمام ثلاثة مصطلحات، ولا نعرف تفسيرا لهذا التعدد غير الموجود في دستور كدستور دولة الكويت الذي اكتفى بـ «الأموال العامة» فقط، واستغنى عن مصطلحي «أملاك الدولة» و»أموال الدولة».

والمادة الوحيدة التي ذُكر فيها مصطلح «أملاك الدولة» في دستور 2002، هي المادة 107 بند (ج) التي أوجبت على الحكومة التصرف في هذه الأملاك، وفقا لما يبيّنه القانون؛ ذلك القانون الذي لا وجود له أصلا، والذي لم ير النور، حتى أنه لا يُعرف وفقا لأي قانون تم منح الأراضي الشاسعة والسواحل والجزر لبعض الأشخاص. كذلك، لا تجد تفسيرا لهذا التعدد في المصطلحات، فلا دستور 73 ولا دستور 2002 ولا حتى المذكرة التفسيرية لدستور 2002 فسّرت وفرّقت بين هذه المصطلحات، وحدود كل منها. وبحسب تحرّي الكاتب، لا يوجد أيضا قانون لغرض تفسير تلك المصطلحات.

حاليا توجد عودة في بعض الدول الرأسمالية، لاسترجاع الثروات الطبيعية كالأنهار والسواحل الواقعة تحت الملك الخاص، ففي بريطانيا وبحسب أحد الباحثين، يُمنع حاليا تملك البحيرات أو سدّ السواحل، ويجب على أصحاب الأراضي الكبيرة، فتح ممر فيها لعموم الناس (right to pass) كما تناول ذلك رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري في إحدى مقالاته السابقة. هذا يعني وجود سعي حثيث لجعل الملكية العامة هي الأساس، مع أن النظام الرأسمالي يرى أن الملكية الخاصة هي الأصل. لقد أوضحت التجارب البشرية ضرورة المحافظة على إبقاء الثروات الطبيعية متمثلة في الأرض اليابسة والمغمورة، ملك لعامة الأمة، وبالتالي ففي وضعنا الحاضر، يستوجب ذلك التوافق على تلك المصطلحات الدستورية الثلاثة، وإصدار تشريعات بخصوص كل واحدة منها، تنظم التصرف فيها، حتى يمكن مساءلة الحكومة عن أي تفريط، بل استرجاع كل ما تم التفريط به سابقا كتمليك بعض الأفراد للسواحل والجزر وغيرها، وحرمان عامة الناس من ذلك كله. وهذا ما نصت عليه المادة 107 من الدستور بند (ج)، بالضبط كما تتصرف الدولة في عهود الإسلام الأولى في الزكاة، بصرفها في مصارفها الثمانية طبقا لما حددتها لها الأحكام الشرعية، وليست المسألة متروكة لتقدير الشخصيات الحكومية وأمزجتهم. والخطوة الأولى للخروج من هذا المأزق تتطلب تصنيف الثروات الطبيعية متمثلة أساسا في أنواع الأراضي، وما فيها من معادن كالنفط وما عليها من مياه وسواحل، وأحكام كل ملكية. هذا ما سيحاول المقال القادم طرقه.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1895 - الثلثاء 13 نوفمبر 2007م الموافق 03 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً