العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ

قراءة في تقرير «جيو 4» - التنوع الحيوي (4)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

يتعلق الفصل الخامس من تقرير «جيو 4» بالتنوع الحيوي، أي تنوع الحياة في العالم، ويشتمل على التنوع في مستوى الجينات وتنوع الأحياء وتنوع النظم الإيكولوجية والموائل التي تعيش فيها هذه الأحياء، ويوضح أن النظم الإيكولوجية تتنوع تنوعا كبيرا في الحجم، ويمكن أن تتراوح من جماعات صغيرة من المايكروبات في قطرة ماء إلى غابات الأمازون المطيرة بأسرها، ويؤكد أن التنوع الحيوي لا يوفر الغذاء والألياف والأدوية فقط، بل يحافظ على عدد كبير من الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها بقاء الإنسان نفسه وبقاء ملايين الأجناس التي تعيش معه على سطح الأرض، مثل البكتيريا والمايكروبات التي تحول المخلفات إلى منتجات يمكن استخدامها وتحلل الملوثات من الهواء والماء، والحشرات التي تقوم بتلقيح النباتات، والشعب المرجانية وغابات القرم (الشورى) التي تمثل موائل الأسماك وكذلك تحمي المناطق الساحلية، والنباتات التي تعمل على تماسك التربة وتمنع انهيار المنحدرات، وكذا يوضح أن حياة الإنسان وجميع الأجناس الأخرى تعتمد على وجود بيئة حيوية صحية.

ويشير التقرير إلى أن التغيرات الحاصلة في التنوع البيولوجي في العالم تعتبر الأسرع في تاريخ الإنسان؛ ما يعني أن خسارة التنوع الحيوي يمكن أن تحد من خيارات التنمية المستقبلية. وحاليا يجرى تعديل النظم الحيوية والمائية بسبب الأنشطة البشرية بمعدلات غير مسبوقة، وبفهم قليل لتداعيات ذلك من حيث قدرة هذه النظم على أداء وظائفها وتوفير خدماتها في المستقبل. فعلى سبيل المثال تم تحويل مساحات كبيرة من المناطق الأحيائية تتراوح بين 20 و50 في المئة إلى أراضٍ زراعية، وتمت تجزئة نحو 60 في المئة من أنهار العالم الرئيسية بواسطة السدود وقنوات التحويل. ويرى أن حالة التنوع الحيوي ستعتمد في العقود القادمة بدرجة كبيرة على أنشطة الإنسان وخصوصا تلك المتعلقة بتغييرات استخدامات الأراضي وإنتاج الطاقة ومعدل استهلاكها.

ويذكر التقرير أن على مستوى العالم نحو 60 في المئة من الخدمات التي تقدمها البيئات الحيوية التي تم تقويمها قد تدهورت أو يتم استخدامها بشكل غير مستدام سيؤدي إلى تدهورها، وأن معدلات انقراض الأجناس تصل إلى مئة ضعف السرعة التي تبينها السجلات الإحفورية بسبب تغيير استخدامات الأراضي، وخسارة الموائل، واستنزاف الموارد، والتلوث، وانتشار الأجناس الغازية الدخيلة على الأنظمة الأصلية.

وبسبب هذه العوامل، إن من بين الفقاريات الرئيسية التي تم تقويمها سابقا بشكل شامل يتعرض أكثر من 30 في المئة من البرمائيات و23 في المئة من الثدييات و12 في المئة من الطيور لتهديد الانقراض بشكل مباشر. ويشير التقرير إلى أن حتى الآن لم يتم تقويم سوى أقل من 10 في المئة من الأنواع التي جرى وصفها في العالم لتحديد حالة حفظها، ومن هذه الأنواع تم تحديد ما يقرب من 16 ألف نوع باعتبارها مهددة بالانقراض.

ويشير التقرير إلى أن دراسة تاريخ الكرة الأرضية والسجل الإحفوري لها تدل على خمس حقبات حدثت فيها عملية انقراض رئيسية بسبب العوامل الطبيعية، ويبدو أن حقبة انقراض سادسة قد بدأت حاليا، ولكن في هذه المرة بواسطة النمو السكاني وأنماط الاستهلاك، حيث تبلغ معدلات انقراض الأنواع أعلى 100 مرة من المعدلات التي تبيّنها السجلات الإحفورية، وأن مع التناقص المستمر في أعداد الحيوانات الفطرية يُعتقد أن التنوع الجيني في تناقص كذلك.

ولقد أصبح إدخال الأجناس الغازية في المناطق التي لا تنتمي إليها يمثل مشكلة متزايدة في العالم، فعلى سبيل المثال أدى إدخال قنديل البحر ذي المشط بشكل غير متعمد في العام 1982 في البحر الأسود بواسطة شاحنات النقل القادمة من الساحل الأميركي للمحيط الأطلسي إلى سيطرة هذا النوع على كل البيئة الحيوية البحرية في هذا البحر، وكان له تبعات مدمرة على صناعة الأسماك في هذه المنطقة، حيث أفلست 26 شركة لصناعة الأسماك وأغلقت أعمالها بحلول العام 1992.

وعن علاقة الزراعة بالتنوع الحيوي، ينوه التقرير إلى اعتماد الزراعة في كل مكان على التنوع البيولوجي، ولكنها في الوقت نفسه المحرك الرئيسي لخسارة الأجناس وضياع الجينات وتحويل الموائل الطبيعية وتغييرها، وخصوصا في الغابات الاستوائية التي يتم قطع أشجارها وتحويلها إلى مناطقَ زراعية لإنتاج الغذاء. وأمام الطلب المتزايد للطلب العالمي على الغذاء هناك خياران، إما تكثيف الزراعة باستخدام مدخلات أكثر من الكيماويات والطاقة والماء واختيار المحاصيل الأكثر كفاءة، وإما التوسع في المساحات الزراعية. وفي كلتا هاتين الحالتين، إن التنوع الحيوي سيكون متضررا، وبحلول العام 2030 من المتوقع أن تحتاج الدول النامية إلى 120 مليون هكتار إضافية لسد متطلبات شعوبها من الغذاء. وبهذه الوتيرة يمكن أن تؤدي خسارة التنوع الجيني إلى تهديد الأمن الغذائي لهذه الدول. ويشير التقرير إلى تحويل الكثير من المناطق الأحيائية في العالم فعلا إلى أراضٍ زراعية، كما أن من المتوقع - في وجه زيادة الطلب على الغذاء - أن تتضرر البيئات الحيوية الساحلية والبحرية بشكل أكبر مع الوقت، وتزداد التهديدات للثراء البيولوجي في أعماق المحيطات، وخصوصا بسبب الاستخدام المتزايد لأساليب الجرف في الصيد.

وفي الجانب الايجابي، يشير التقرير إلى الزيادة في مساحة المناطق المحمية على أنه أحد المؤشرات التي تدل على التقدم في اتفاقية التنوع البيولوجي التي تهدف إلى تقليل خسارة التنوع الحيوي بحلول العام 2010، إلا أن لتحقيق النتائج والفوائد من ذلك يجب أن تتم إدارة هذه المحميات وتطبيق التشريعات المتعلقة بها بشكل فعّال، كما يجب أن تغطي هذه المحميات أكبر عدد من تنوع الموائل والأجناس، وليس فقط لبعض الحيوانات مثل النمور والأفيال، كما أن وجود هذه المحميات لا يعني عدم حماية المناطق خارج هذه المحميات والحصول على رخصة لتدميرها، وهناك ضرورة لامتداد الحماية للمناطق المحيطة بها.

وفي الجانب الصحي يذكر التقرير أن التغييرات التي أحدثها الإنسان في البيئة قد بدلت أنماط أمراض البشر وزادت الضغوط على رفاهيتهم، كما زاد فقدان تنوع الجينات والاكتظاظ وتفتت الموائل خطر التعرض لتفشي الأمراض الوبائية. كما يشير إلى أن التنوع الحيوي هو مصدر كثير من العلاجات والأدوية، ويذكر أن أكثر من 80 في المئة من السكان في البلدان النامية يعتمدون على العلاج التقليدي الذي يعتمد على الأنواع والأجناس المحلية من نباتات وحيوانات، وفي خلال الفترة من 2002 إلى 2003 أمكن إرجاع نحو 80 في المئة من الكيماويات الجديدة المستخدمة عالميا عقاقيرَ طبية إلى منتجات طبيعية أو تم استلهامها منها.

ويربط التقرير بين التنوع الحيوي والقيم الثقافية والروحية، واللغات، والمعرفة والممارسات التقليدية، حيث تتسم المناطق التي تحتوي على تركيز عالٍ من الثقافات المتميزة مثل الأنديز، والهمالايا، وغرب إفريقيا، وجنوب آسيا والباسيفيك، بأنها مناطقُ ذات درجات عالية من التنوع البيولوجي كذلك، ويرى أن مع خسارة التنوع الحيوي تحدث خسارة في التنوع الثقافي؛ أساسا بسبب تحويل استعمالات الأراضي للزراعة والإفراط في استخدام الأسمدة والاعتماد على زراعة المحصول الواحد وإحلالها محل الأغذية البرية وممارسة الزراعة التقليدية. ويشير إلى أن أكثر من نصف لغات العالم الستة آلاف مهددة بالانقراض، ويعتقد البعض أن نحو 90 في المئة من هذه اللغات لن يستمر بنهاية هذا القرن، وأن خسارة التنوع الحيوي في هذه المناطق سيؤدي إلى خسارة ثقافاتها.

ويرى التقرير أن زيادة الوعي العام لفهم ارتباط الإنسان بالتنوع الحيوي واعتماده عليه، وكيفية المضي قدما نحو المحافظة عليه قد يكون السؤال الأكبر الذي يتعين على العالم أن يجيب عنه، كما يشير إلى وجود ثغرات كبيرة في مجال البحوث والمعرفة المتعلقة بالتنوع الحيوي والمجموعات الحية يتحتم سدها لتحسين الفهم والمساهمة في عملية اتخاذ القرار. ويوصي بضرورة إدماج قيمة التنوع البيولوجي في أنظمة السوق والسياسات التنموية، وإدخال الكلف البيئية في حسابات الأسعار، ووقف الدعومات ذات التأثير السلبي للطاقة والزراعة وصيد الأسماك، وتثمين قيمة الموارد البيولوجية، أدواتٍ لتقليل معدل خسارة التنوع الحيوي، وأن تقليل معدل خسارة التنوع البيولوجي وأخذ متخذي القرار القيمة الكلية للتنوع الحيوي في الاعتبار وتأثيره على رفاهية الإنسان سيساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً