العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ

بل الإسلام دين محبّة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يتحدّث البعض سواء من المسلمين أو سواهم عن الإسلام باعتباره دينا «يشجّع أتباعه على كراهية الآخرين واحتقارهم»... ويدّعي هؤلاء أنّ مناهج التعليم في المملكة العربية السعودية وبعض الدول الأخرى تكرّس هذا المفهوم الخاطئ في أوساط صغار الطلاب ما يجعلهم يتخذون مواقف خاطئة من غير المسلمين عندما يصبحون كبارا.

الكاتبة في صحيفة «الوطن» السعودية ليلى الأحدب كتبت قبل أيام مقالا تحت عنوان «لماذا نحوّل ديننا إلى دين كره لكلّ مختلف عنّا؟»، وقد لاحظتُ أنّ هذا المقال يسير في الاتجاه الخاطئ الذي أشرتُ إليه إذ وجهتْ مجموعة من الاتهامات للمناهج السعودية التي تُدرّس للأطفال وتغرس في نفوسهم كراهية الآخرين على حد زعمها!

وابتداء فإني أتفق مع الكاتبة على أهمية التسامح بين أصحاب الديانات المختلفة وكذلك المذاهب المختلفة التي تندرج ضمن إطار الدين الواحد؛ لأنّ الدين الإسلامي هو دين التسامح، ولكن هذا التسامح لابدّ له من ضوابط، وهذه الضوابط لابدّ أن يمارسها من أصحاب الديانات بعضهم مع بعض حتى يعمّ التسامح بين الجميع، ولا ينبغي أنْ نطالب فئة من الناس بالتسامح مع غيرها بينما يستمر الآخرون في عدم التسامح مع سواهم.

ومع هذا كلّه، فإنّ التسامح الذي نؤمن به لا يمنع من تسمية الأسماء بأسمائها كما وردت في ديننا، ويجب أنْ نعتز بهذه التسميات؛ لأنها ليست من صنعنا وإنما هي تعليمات ربانية وليس فيها ما يسيء إلى أحد إذا أحسن فهمها من الجانب الإسلامي والجانب الآخر الذي لا يؤمن بالإسلام.

الكاتبة ليلى تحدّثت كثيرا - كما تحدّث سواها - عن تربية الأطفال على كراهية «المشركين» وقالت» إنّ هذه تربية فاسدة توصل لقطيعة كاملة بين المسلمين وسواهم.

الواضح أنّ الكاتبة - ومَنْ يتفق معها في هذه المقولة - لا يفهمون الإسلام بصورة سليمة وإلاّ لعرفوا أنّ الإسلام ومنذ عهد الرسول الكريم كان يحث أتباعه على حسن التعامل مع غيرهم، وأنّ الرسول الكريم أقام علاقة طيبة مع اليهود الذين كانوا معه في المدينة وأنه تعامل معهم وعاملهم بصورة حسنة، وهكذا فعل الصحابة بعده مع كلّ أصحاب الديانات الأخرى، وقدّموا لهم كلّ المساعدات التي كانوا بحاجة إليها، وكانوا يتبادلون الزيارات معهم، بل إنّ مجموعة من غير المسلمين كانُوا في مناصب قيادية في الدولة الإسلامية.

ولكن يبقى السؤال الذي يُثار كثيرا: هل من واجب المسلم أنْ يكره غير المسلم؟ الواضح أنّ الكراهية تتجّه - فقط - للعقيدة التي يؤمن بها الآخر وليس لشخصه، بدليل أنّ الإسلام يبيح الزواج من غير المسلمة - اليهودية أو النصرانية - فهل يتخيّل أحد إمكانية أنْ يتزوّج مسلم من امرأة يكرهها؟ وهل يتخيّل - هذا الأحد - أن يكره هذا الزوج أقارب زوجته؟

أتفق مع الكاتبة ومَنْ على شاكلتها أنه قد يكون في مدارس السعودية أساتذة لا يفهمون حقيقة الإسلام في هذا الجانب وبالتالي يغرسون في نفوس الأطفال معلومات غير سليمة، ولكن هؤلاء قلّة لا ينبغي التهويل من شأنهم وإطلاق أحكام باطلة على عموم التعليم في السعودية، والمطالبة بحذف مواد أساسية من مناهج التعليم بحجة أنها تدعم الكراهية والتطرف مثل «الولاء والبراء» أو وصف غير المسلمين بـ «الكفّار».

إنّ الذين يُطالبون بحذف هذه المصطلحات لا يَدركون أنهم يتحدّثون عن أشياء لا يمكن أنْ تتم ولا يمكن أنْ تحقق مطالبهم شيئا مما يعتقدونه؛ لأنّ هذه المصطلحات موجودة في القرآن الكريم وفي معظم الكتب الشرعية التي تمتلئ بها معظم المكتبات العامّة في بلاد المسلمين، فهل إذا حذفت من المناهج يمكن حذفها من القرآن الكريم ومن الكتب الأخرى؟

إنّ الحديث عن «الولاء والبراء» لا يوصل قطعا إلى كراهية الآخرين - هذا إذا أُحسن فهم هذا المصطلح - وقد أشرت - سابقا - إلى أنّ الكراهية تتجّه إلى العقائد وليس إلى الأشخاص، وهذه «الكراهية» متبادلة بين كلّ أصحاب الديانات، فالنصارى واليهود يكرهون عقيدة المسلمين، ويعتقدون أنها خاطئة، فالكراهية متبادلة ولكن يجب - وهذا المهم - ألا تتجّه هذه الكراهية إلى الأشخاص بذواتهم.

أما وصفهم بـ «الكفر» فهذا ليس عيبا ولا يدل على كراهية للأشخاص، فصفة «الكفر» تتجّه إلى العقيدة، فالكفر في لغة العرب هو عدم التصديق بعقيدة الآخر، وهذا مرة أخرى شيء متبادل بين كلّ أصحاب الديانات بعضهم مع بعض.

الشيء المهم الذي تجاهلته «ليلى» وسواها وهم يتحدّثون عن مسألة كراهية «المشركين» أنّ كل المناهج العربية لو ألغت كل ما يسيء إلى الآخرين بحسب زعمهم، بل ولو حاولت أنْ تكرس محبة «المشركين» في نفوس الطلاب لما استطاعت أنْ تحقق شيئا من ذلك في ظل رؤية هؤلاء الطلاب وأهاليهم ما يفعله «المشركون» في الدول العربية والإسلامية من القتل والتشريد والتعذيب.

هل يتوقع أحدٌ أنْ يحبّ صغارنا - أو كبارنا - أميركا أو «إسرائيل» أو مَنْ يقف معهم وهو يرونهم يقتلون الآلاف من أبناء المسلمين ويحتلون بلادهم؟

هل يمكن أنْ يحب - أيّ مسلم - اليهود أو الأميركان وهو يراهم يهدمون المسجد الأقصى ويستولون عليه ويمنعون معظم المسلمين من الصلاة فيه؟

قبل أنْ يتحدّث البعض عن كراهية المسلمين «لسواهم» أو يعترض على بعض المناهج عليه أنْ يرى ما يفعله «المشركون» في بلاد المسلمين ثم يعطينا الحكم العدل إنْ كان منصفا!

الإسلام دين التسامح بكلّ المقاييس، وتاريخه يثبت ذلك عمليا، وأما ما يقوم به بعض أتباعه من تصرفات لا تتفق مع تعاليمه، فإنّ دوافعها في الغالب ما يراه هؤلاء من استعباد الأميركان واليهود لبلادهم واستيلائهم على خيراتها.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً