العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ

قراءة في تقرير «جيو 4» - مستقبل البيئة العالمية (7)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تم في المقال السابق استعراض أهم النتائج التي شملها الفصل التاسع من تقرير «جيو 4» المتعلق بدراسة سيناريوهات البيئة العالمية، التي اشتملت على أربعة سيناريوهات متباينة وهي »الأسواق أولا»، و «السياسات أولا»، و «الأمن أولا»، و «الاستدامة أولا»، إذ يتم في سيناريو «الأسواق أولا» التركيز على تحقيق أقصى نمو اقتصادي وليس على سياق النظام البيئي البشري الأوسع، بصفته أفضل خيار لرفع مستوى رفاهية البشر وتحسين البيئة، على حين يمثل سيناريو «السياسات أولا» تدخل الحكومات في السيناريو الأول لتقليل التأثيرات الجانبية غير المرغوب فيها على الإنسان والبيئة الناتجة من قوى السوق.

أما سيناريو «الأمن أولا» فيتم التركيز على مصالح الأقليات الحاكمة سواء كانت غنية أو قومية أو إقليمية، ولا ينظر إلى التنمية المستدامة إلا في سياق تعظيم فرص الوصول إلى البيئة واستخدامها من قبل ذوي النفوذ والسلطة. وفي السيناريو الرابع (الاستدامة أولا) تكون هناك شراكة فعالة وتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحسين البيئة التي يعيش فيها المجتمع ورفع مستوى رفاهية الإنسان للجميع، مع التركيز على العدالة والمساءلة والشفافية، ويتم اتخاذ القرارات بمشاركة الأطراف الثلاثة الفاعلة في المجتمع.

وتشير دراسة السيناريوهات في الجزء الخاص بالأراضي إلى أن في جميع السيناريوهات سيزداد استخدام الأراضي في الزراعة التقليدية - المحاصيل الغذائية والرعي والأعلاف - على نحو أسرع في المناطق التي لاتزال الأراضي الصالحة للزراعة متاحة فيها، وخصوصا إفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. وعموما سيزيد إنتاج الأغذية في السيناريوهات الأربعة جميعها، إلا أن نصيب الفرد من توافر الغذاء سيتأثر أيضا باختلاف معدلات النمو السكاني. وبسبب الزيادة في إنتاج الغذاء باستخدام الأراضي الزراعية ستزداد قابلية تدهور الأراضي الزراعية للتعرية بواسطة المياه، وسيزيد من هذه القابلية للتدهور ظاهرة تغير المناخ العالمي، إذ من المتوقع أن تزداد معدلات الأمطار في جميع السيناريوهات. ومن المتوقع أن يزداد مؤشر تعرية المياه بنسبة 50 في المئة في جميع السيناريوهات.

وعن إنتاج الغذاء، تشير جميع السيناريوهات إلى زيادة في إنتاج الحبوب لوحدة المساحة، وإن كانت أقل في المعدل في سيناريو «الأمن اولا»؛ بسبب بطء تطوير التقنيات الحديثة وتطبيقها وفقر ممارسات إدارة الأراضي، وستكون الأعلى في سيناريو «الأسواق أولا»؛ بسبب الاستثمار في التقنيات في وجه زيادة الطلب على الغذاء.

وتشير السيناريوهات إلى أن حصة الفرد من الغذاء على مستوى العالم ستشهد زيادات عالية في سيناريوهات «الأسواق أولا» و “السياسات أولا» و «الاستدامة أولا»، مع تحقيق السيناريو الأخير مستويات عالمية تزيد بنسبة 10 في المئة و5 في المئة على التوالي على السيناريوهين الأولين. أما في سيناريو «الأمن أولا» فبالكاد يساير إنتاج الغذاء نمو السكان حتى العام 2020، وسيكون قبل ذلك الوقت في إفريقيا.

وفي مجال المياه، سيلعب النمو السكاني والطلب على المياه وأنماط الاستخدام لعدد الأشخاص الذين سيعيشون تحت ضغوط الإجهاد المائي، وفي سيناريو «الأسواق أولا» يزيد عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت الإجهاد المائي الشديد من نحو 2.5 مليار نسمة في العام 2000 إلى نحو الضعف نحو 4.3 مليارات نسمة بحلول العام 2050، على حين يتجاوز عدد هؤلاء الأشخاص 5 مليارات نسمة في سيناريو «الأمن أولا». أما في حالة سيناريو «الاستدامة أولا» فينخفض عدد هؤلاء؛ بسبب بطء النمو السكاني وانخفاض الطلب على الغذاء وتغير أنماط الاستهلاك، إلا أنه سيأخذ في الارتفاع ليصل في منتصف القرن إلى نحو 3.6 مليارات نسمة على مستوى العالم.

نتيجة مباشرة للزيادة السكانية وزيادة استخدام المياه ستزداد كميات المياه العادمة. وعلى رغم زيادة سعة محطات المعالجة للتعامل مع هذه الكميات المتزايدة، فلن تستطيع مجاراة المعدلات المنتجة من المياه العادمة، وسينتج من ذلك زيادة في كميات المياه غير المعالجة المنصرفة إلى المسطحات المائية البحرية والقارية؛ ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في المشكلات المتعلقة بتلوث المياه والمخاطر الصحية بالإضافة إلى تعريض سلامة البيئات الطبيعية لمخاطر التدهور، إلا أن هذه المشكلات ستكون متباينة بين مناطق العالم، فعلى سبيل المثال تحت سيناريو «السياسات أولا» حين ينقص حجم هذه المياه إلى النصف في أوروبا فسيصل حجمه إلى الضعف في دول أميركا اللاتينية. ويبدو الوضع أفضل حالا نسبيا في سيناريو «الاستدامة أولا»، إذ تؤدي جهود خفض الطلب على المياه وانخفاض معدل النمو السكاني إلى تقليل كميات المياه العادمة وتستطيع طاقة المعالجة مجاراة المياه العادمة المنتجة، ولذلك فحجم المياه غير المعالجة سيكون قريبا إلى مستواه الحالي.

تشير جميع السيناريوهات إلى استمرار التهديدات التي يتعرض لها التنوع الحيوي العالمي، مع تداعيات قوية بالنسبة إلى خدمات النظم الإيكولوجية ورفاهية البشر، واستمرار تعرض جميع مناطق العالم لانخفاض التنوع الحيوي القاري في جميع السيناريوهات، وستكون أكبر الخسائر في سيناريو «الأسواق أولا»، يليه سيناريوهات «الأمن أولا »فـ «السياسات أولا» ثم «الاستدامة أولا»، وستعاني إفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أكبر هذه الخسائر تليها آسيا والمحيط الهادي.

ومن أهم الرسائل التي تم استنتاجها من دراسة السيناريوهات هي أن الكثير من المؤشرات الدالة على التغييرات البيئية العالمي - مثل التوسع في المناطق الزراعية وخسارة الغابات ومعدلات سحب المياه وخسارة الأجناس والانبعاثات الغازية وغيرها - تبدأ التباطؤ وفي بعض الأحيان تتحرك في الاتجاه المعاكس بحلول منتصف القرن الجاري؛ بسبب التغير المتوقع في معدلات النمو السكاني والتطور التكنولوجي وتشبع الاستهلاك المادي؛ ما يعطي الأمل لإمكان توائم المجتمعات البشرية مع الطبيعة والتكيف مع التغيرات البيئية قبل حدوث الكثير من التبعات السلبية.

وعلى رغم ذلك، فإن الوصول إلى معدلات الذروة للتغير البيئي أو نقاط النهاية تختلف من سيناريو إلى آخر، وكلما ازداد المعدل في التغير ازدادت مخاطر بلوغ النقاط الحرجة لنظام الأرض في العقود المقبلة، ويمكن أن ينتج من ذلك تغيرات مفاجئة أو حادة، وقد تكون هذه التغيرات غير قابلة للإلغاء، فعلى سبيل المثال تشير السيناريوهات إلى أن الزيادة المتسارعة لمعدلات صيد الأسماك ستكون مصحوبة بتناقص كبير في التنوع الحيوي للبيئة البحرية، والذي من شأنه أن يزيد من مخاطر انهيار تجارة صيد الأسماك وصناعتها بحلول منتصف القرن الجاري.

كما أن من أهم الرسائل الموجهة من دراسة السيناريوهات هي أن الاستثمار في الاستدامة البيئية والاجتماعية لا يؤدي إلى إضعاف التنمية الاقتصادية؛ إذ إن زيادة الاستثمار في الصحة والتعليم والتكنولوجيات الصديقة للبيئة تؤدي إلى نمو اقتصادي أكبر وأكثر عدالة من حيث توزيعه على الفرد في معظم مناطق العالم، وتبيّن دراسة السيناريوهات أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هي أكبر في حالة سيناريوهي «الاستدامة أولا» و «السياسات أولا» عنه في سيناريوهي «الأسواق أولا» و «الأمن أولا» في معظم الدول النامية، وأن الاعتماد على الأسواق وآليتها وحدها لن يحقق الأهداف الرئيسية للبيئة ورفاهية الإنسان وأن التركيز الشديد على الأسواق وآليتها، كما في سيناريو «الأسواق أولا»، بل إن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في الضغوط على البيئة والتباطؤ في تحقيق الأهداف الاجتماعية.

وتدعو الدراسة إلى زيادة التكامل بين السياسات على كل المستويات والقطاعات والوقت، وتقوية الحقوق المحلية، وبناء القدرات لتحقيق الأهداف البيئية وأهداف رفاهية الإنسان، إذ إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إحساس العامة بالمسئولية تجاه القضايا التي يواجهونها وملكية السياسات المتخذة لمواجهتها وشرعيتها.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً