العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ

الحاضر الذي يذكر بما جرى في السبعينات

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

«اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه» الإمام علي بن أبي طالب (ع).

ليس من المبالغة وصف ما حدث في سبعينات القرن الماضي بالكارثة على أهالي الكثير من القرى، ونستذكر تلك الأحداث على ضوء الحاضر الذي نشهد فيه ردم 15 كم مربع من بحر المحرّق والقضاء التدريجي على خليج توبلي الجميل، تلك المجريات من السبعينات التي أنهت جزءا كبيرا فما يميّز الريف عن المدينة، فتركت الكثير من قراه عارية بلا حزام أخضر يلف أطرافها، وتم طمر جداولها الرائعة، ووأد عيونها الجملية وآبارها الارتوازية.

لقد فوجيء الأهالي بتحوّل مياه الجداول والعيون الصافية التي يتصف بها الريف، تدريجيا إلى مياه آسنة، تنبعث منها الروائح الكريهة التي تشبه رائحة مياه الصرف الصحي. في تلك السنة من السبعينات، حدث أمر مثير، ففي صبيحة يوم من أيامها، بدأت سيارات البلدية تترى على القرى وتفرغ القمامة بالأطنان في العيون والآبار وجداول الماء، ويبدو أنّ الحكومة كانت في عجلة من أمرها لحد أنْ أشركت أفراد من قوة الدفاع من أجل التعجيل في عملية طمر تلك العيون والآبار، وكانت عملية الدفن تستمر إلى أن تقارب القمامة سطح الأرض، عندها يهيلون عليها الرمل والتراب، وهكذا حتى تم دفن أكثرها، بما في ذلك الجداول «السيبان» التي تعتبر شبكة ري، تنقل المياه بين القرى والمزارع في الريف.

ولكن لماذا تحوّلت المياه الصافية العذبة فجأة إلى مياه آسنة ومتعفنة؟ من المعروف أنّ البحرين كانت تتصف بكثرة آبار المياه العذبة التي تنبع من وسط المياه المالحة القابعة في قاع البحر، ولذلك تكثر العيون في هذه المنطقة، وقد كان الغواصة قديما يعرفون الأماكن التي ينبع منها الماء العذب فيقصدونها للشرب أثناء رحلات غوصهم، ويُقال إن هذه الظاهرة الأعجوبة سبب تسميتها بالبحرين (بتصرف من مقالة لحسن عبدالله). تلك المياه العذبة الموجودة في أعماق البحر، القادمة - كما يقول البيئيون - من المملكة العربية السعودية، كانت تغذي الجداول والبرك والعيون الموجودة في القرى والمزارع القريبة من الساحل عن طريق العروق الموجودة تحت الأرض. كثرة العيون تلك، ساعد على تحويل البحرين إلى واحة خضراء... في الماضي طبعا.

ولما بدأ التوسّع العمراني نتيجة الفائض من مدخول النفط الذي ارتفع سعره 4 أضعاف بعد حرب أكتوبر 73، خصوصا في الفترة التي أعقبت غياب المجلس الوطني الذي تم حلّه سنة 1975، كانت «الحفّارات» تردم البحر وتدفنه، مما أدى - بحسب بعض المهتمين بالشأن البيئي - إلى تحطيم تلك العروق والشبكات الموجودة تحت الأرض، فتوقف جريان الماء القادم إلى القرى من منابعه الموجودة في قعر البحر، وسكتت عن التدفق، ولهذا، بعد فترة من الزمن، تحوّلت الكثير من مياه العيون والجداول في وسط القرى، لمياه آسنة وراكدة. ويبدو أنّ لذلك علاقة بما آلت له بعض العيون الجملية من فساد، كعين عذاري وقصّاري.

وحتى يتم تلافى الآثار الخطيرة، ومن أجل محاصرة إمكانية انتشار الأمراض الوبائية التي قد تنجم عن تلوث المياه وتعفنها، قامت البلدية بدفنها بالقمامة أولا، وعندما تقترب القمامة من سطح الأرض، تهيل عليها التراب، وهكذا يتم وأدها إلى الأبد، لتوأدها بذلك جهود الأسلاف الذين حفروا العيون والآبار والجداول. وهكذا انتهى عصر المياه الطبيعية، وصرنا نعتمد بشكل شبه تام على المياه المحلاة. ومن الجدير بالملاحظة، في تلك الحقبة من السبعينات، بدأت بوادر انتشار لوباء الكوليرا والذي يسببه تلوث المياه ببراز الإنسان. وكان هذا الوباء - بحسب بعض الباحثين - قد ضرب البحرين سنة 1904 وقضى على أكثر من 2000 شخص، أكثرهم من المحرّق والمنامة والقرى المجاورة.

بين تلك الأحداث وما يجري حاليا لبحر المحرق وخليج توبلي، أوجد قناعة شعبية واسعة، بضعف جدّية المعنيين في كشف الذين يقفون وراء هذا التدمير والاستيلاء على أراضي البحار بعد أن نفذت أراضي اليابسة. وعزز هذه القناعة ما صرّح به رئيس مجلس الشورى من وجود تشريعات كافية لحماية خليج توبلي ولا حاجة لمزيد منها، لأن هذا يعني ان الخلل ليس في وجود القانون، وإنما في التطبيق. في الوقت نفسه الذي تنقل «الوسط» تصريحات رئيس مجلس الشورى، تنقل أيضا عن مصادر مطلعة، «بوجود مساعٍ لبيع مساحات بحرية في خليج توبلي على جانب جسر سترة، وأنّ عملية البيع سيتبعها مباشرة ردم تلك المساحة الكبيرة، ما يعني إغلاق منافذ الخليج، ويعني أيضا نهاية الخليج من الناحية الطبيعية» (الوسط. 26 اغسطس/آب 2007) ومازلنا لم نسمع صدى لصوت أهل الاختصاص بخصوص توقعهم بتسمم أسماك توبلي واحتمال موتها قريبا، وخطورة استهلاكها على البشر (انظر الوسط، الأربعاء 15 أغسطس 2007).

الأمل يحذونا بان تتحرك الحكومة بجدية أكثر، لإيقاف مشروعات التدمير لبحر المحرّق وخليج توبلي وعمليات الاستيلاء على ما بقي من السواحل، حتى لا نُحاط من كل جانب بالحجارة من الأبراج العاتية والمباني الشاهقة الارتفاع.

ملحوظة: اعتمد الكاتب في مضمون ما جرى في السبعينات على ذاكرته وبعض مَنْ يكبره سنا.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً