العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ

رهانات “التربية” خاسرة خاسرة

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

بينما يقود سيارته وسط شوارع مزينة بأعلام البحرين، يقول الأب مخاطبا أبناءه «ما أجمل البحرين في يومها الوطني ترفرف فيها الأعلام في كل مكان» وتؤكد الزوجة كلامه فتقول «نعم إنها جميلة كالعروس».

الأطفال بدورهم تستثيرهم الأعلام المنتشرة فتقول الصغيرة لشقيقها «انظر يا محمد إلى علم البحرين انه جميل باللونين الأحمر والأبيض». الملاحظات التي يتم تبادلها بعد ذلك تتمحور حول أي اللونين ينتشر على مساحة أكبر من العلم وعدد المثلثات البيضاء فيه.

احد دروس منهج التربية للمواطنة الذي تضعه وزارة التربية والتعليم لطلبة الصف الأول الابتدائي، درس ما أحوجنا إلى التوقف عنده في مثل هذا اليوم، والبحرين تحتفل بعيدها الوطني حقيقة. وشوارعها في الواقع تمتلئ بأعلام ترفرف هنا وهناك وبأضواء تزينها وتجعل من البحرين عروسا، تماما كما تقول الأم. لكن الصورة المأخوذة من خيال واضعي منهج الوزارة لن تكتمل في واقع الأمر، بل ستبدو غاية في السذاجة واللاواقعية. وكأنها مأخوذة من قصة خيالية لا تمت لواقع أطفال البحرين بصلة. ما أغبى الأطفال في هذه القصة، لم تتجاوز حدود تساؤلاتهم أعداد مثلثات العلم. هل هذه هي المواطنة التي تراهن عليها التربية... يا له من رهان خاسر!

إن أراد المسئولون تسجيلا واقعيا حقيقيا لبعض محاورات الأطفال بحرينيين مع ذويهم، فلا أظن أن لدى الكثيرين أي مانع من توفيرها. على الأقل لتتسع خيالات أولئك المسئولين ويصبحون قادرين على تضمين المناهج مشاهد أكثر جذبا للأطفال.

نعم يفرح الأطفال بمنظر الشوارع المزينة، لكن تساؤلاتهم أعمق بكثير من عدد المثلثات الخمس في علم البحرين. ربما يتفاجأ المسئولون حين يعلمون إن بإمكان طفل الخامسة، مثلا، طرح تساؤلات اكبر، قد تتضمن كل تفاصيل العلم البحريني، ومعاني الاحتفالات الوطنية، ومرامي تزيين الشوارع، ثم أمور قد تأتي تحت عنوان القيادة ونحن، ونحن والقيادة.

نعم ما أحوجنا لمثل هذه التربية اليوم والبحرين وشعبها يبدوان على مفترق طرق. لكننا نريد لأبنائنا تربية حقيقية للمواطنة لا تعريفات خاوية بالبطاقة السكانية والجواز وعدد مثلثات علم البحرين. التربية للمواطنة هي تنمية لحب وولاء حقيقيين للوطن وليس لشوارعه المزينة وعلمه الأحمر الرقراق. والوطن، كما يعرفه كثيرون، لا يعني علما أو بطاقة سكانية أو جوازا احمر بل أكثر من ذلك بكثير.

التربية للمواطنة لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن التربية الحقوقية التي يعرف الطفل من خلالها لما يحب وطنه وكيف يحبه هذا الوطن وقادته. هي تعريف بالحقوق والواجبات والمزايا الوطنية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.

على المسئولين أن يعوا أن الطفل البحريني، أيا كانت طائفته وانتماوه المستقبلي، لا يمكن له أن يحمل حسا عاليا بالمواطنة إن تم الاعتماد على مناهج بسذاجة تلك المعتمدة لديها. فالطفل البحريني ليس بهذا الغباء والسطحية، عقله يمتلئ بكثير من التناقضات هو بأمس الحاجة للإجابة عليها في مثل هذه الأيام.

حري بمسئولي وزارة “التربية” إعادة التفكير في مناهجهم، والعيد الوطني خير مناسبة يمكن اغتنامها لعمل ذلك.

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً