العدد 1929 - الإثنين 17 ديسمبر 2007م الموافق 07 ذي الحجة 1428هـ

الحج الأكبر والأمل الأكبر

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يقف المسلمون اليوم في عرفة لأداء الركن الأهم في حجهم وليواصلوا بعد ذلك أداء باقي أركان حجهم، أسأل الله لهم جميعا حجا مبرورا متقبلا ليعودوا إلى أوطانهم كيوم ولدتهم أمهاتهم وقد زالت ذنوبهم كلها ليبدأوا حياة جديدة عامرة بالإيمان وبالأهداف النبيلة التي تخدم دينهم وتطلعات أمتهم.

يقف المسلمون اليوم في عرفات، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، قويهم وضيفهم، غينهم وفقيرهم، يلبسون ثيابا متشابهة، ويؤدون المناسك نفسها، وتلهج ألسنتهم كلها بذكر الله، لا فرق بين أحدهم وسواه، فالكل عند الله في منزلة واحدة لا يتميزون عنده إلا بالتقوى.

يتذكر هؤلاء جميعا أنهم عند الله متساوون، ويجب أن يكونوا في دنياهم متساوون، فلا فرق بين أحدهم والآخر - مها كان ذلك الآخر - ولا فرق بين رجل وامرأة، إلا بالتقوى، وإلا بمقدار ما يقدمه أحدهم لدينه.

يتذكر هؤلاء الحجاج ومن يتابع نسكهم نصيحة رسولهم الكريم عندما كان يقف الموقف نفسه قبل نحو 14 قرنا عندما حرّم عليه دماءهم وأموالهم وأمرهم باحترام هذه الدماء والأموال إلا بحقها.

هذه الذكرى يجب أن تجعل كل المسلمين يبتعدون عن سفك دماء بعضهم بعضا والمحافظة على وحدتهم وقوتهم وممتلكاتهم.

إن الذي يحدث اليوم في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال ينافي أوامر الرسول الكريم للمسلمين، فهناك إهدار للدم المسلم في غير حقه، وهناك وقوف البعض إلى جانب المحتل ضد أبناء المسلمين، وهناك فرقة وتشرذم لا يحبهما الرسول الكريم ولا يجب أن يقبل بهما اتباعه الكرام.

وهناك في معظم بلاد المسلمين إهدار للمال العام وتضيعيه وإنفاقه في غير محله.

بلاد المسلمين غنية بخيراتها الكثيرة ولكن الكثير من أبنائها يعيشون فقراء، فهل يجوز هذا في ظل أوامر الرسول الكريم لأتباعه؟

يتذكر المسلمون اليوم كيف أمرهم رسولهم الكريم بنسائهم، وكيف أكد هذه المناسك في آخر حياته وجعلها جزءا من آخر وصاياه لأمته، وكأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يعرف حجم المعاناة التي ستتعرض لها المرأة المسلمة.

النساء شقائق الرجل لهن الحق نفسه وعليهن الواجبات نفسها، والخالق جل وعلا لا يفرق بين رجل وامرأة، فلماذا يمارس البعض تصرفات خاطئة لا تتفق مع الإسلام تجاه المرأة سواء أكانت هذه المرأة زوجة أو قريبة من أية درجة؟

لماذا تخالف الإسلام ونتيح الفرصة للدخلاء ليقولوا في ديننا ما ليس بحق؟ لماذا نسمح للآخرين أن يعقدوا في بلادنا لإسلامية مؤتمرات تتحدث عن المرأة بما يخالف صريح الدين وكأننا بحاجة إلى ذلك الهراء ونحن نملك دينا جعل للمرأة مكانة خاصة؟ إن مخالفة بعض أوامر ديننا هي التي أتاحت للغير أن يقول فيه ما ليس منه. إن الحج فرصة ملائمة لإعادة التفكير الجاد للعودة الحقة إلى منابع الذين لنحقق القوة المتكاملة للمجتمع المسلم...

وقوف المسلمين اليوم في عرفة لأداء مناسك حجهم بالطريقة والأداء نفسهما يجب أن يذكرهم بأهمية الوحدة في حياتهم كلها، وأن الله سبحانه وكذا رسوله الكريم أمرهم بأن يكونوا يدا واحدة، وكالجسد الواحد يشد بعضة بعضا، وأن يعملوا لامتلاك كل عناصر القوة، وأن يكونوا يدا واحدة على أعدائهم، في أي مكان كان هؤلاء الأعداء.

ولو أن المسلمين كانوا يضعون هذا الهدف أمام أعينهم لما وصلوا إلى هذه الحالة المتردية التي وصلوا إليها اليوم... ومع هذا كله فإن اليأس ليس من صفات المسلمين والطريق لايزال مفتوحا أمامهم إن كان الهدف أمامهم واضحا ليحققوا الوحدة والقوة بينهم ولاسيما أنهم يملكون كل عناصر القوة التي تجعلهم أقوياء موحدين فهل يفعلون ذلك؟

في الحج يجب ألا يكون هناك رفث ولا فسوق ولا جدال، فللحج آداب وأحكام يجب أن يعرفها كل الحجاج وأن يقوموا بها خير قيام لكي يكون حجهم متكاملا وأجرهم مضاعفا.

وآداب الحج يجب ألا تتوقف عند انتهاء فريضة الحج، فهذا فهم ناقص للحج وأحكامه، ويجب أن ترافقهم هذه الآداب في حياتهم كلها، فالأخلاق الفاضلة يجب أن تكون أخلاق كل مسلم وفي حياته كلها ومع كل أحد مهما كان دينه وفي أي مكان مكان.

الحج مدرسة متكاملة - هكذا يجب أن نفهمه - سواء أكان الحجاج في المشاعر أو بعد رجوعهم للأماكن التي جاءوا منها.

ومن حسن الخلق عدم الإساءة بأية صورة للبلد الذي يحوي الأماكن المقدسة، كما أن من حسنه كذلك أن نشكر كل الذين ساهموا في تسهيل نسك الحج وجعله ميسرا لكل الذين جاءوا لأدائه.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1929 - الإثنين 17 ديسمبر 2007م الموافق 07 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً