العدد 1931 - الأربعاء 19 ديسمبر 2007م الموافق 09 ذي الحجة 1428هـ

يسألونك عن المالكية

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

ألم أقل لكم سابقا إن أهالي المالكية، كرام واجتماعيون ومحبون للناس؟ فهم خلاصة الخلقة البحرينية الأصيلة؟ فعندما كتبت عنهم عبر هذا المنبر وعن حظورهم التي استرجعوها بقوة القانون، وبدأت الحياة تدب من جديد في قريتهم وعلى شواطئ بحرها الذي لم يهدأ يوما فهناك الطامعون فيه على الدوام، تواصل معي الكثير من أهالي القرية، جميعهم كانوا يسجلون شكرا وتقديرا لما كتب عنهم وعن الوقفة الإنسانية معهم، في حين أن البعض الآخر كانوا يمثلون الطبقة المثقفة المتعلمة المتنورة في القرية، تواصلوا من أجل مواصلة الحديث عن المالكية وعن قضاياها، فكان أن قررت أن أكتب عمودا بعنوان «يسألونك عن المالكية» الذي هو اليوم بين أيديكم؟

وبدوري رحبت وعلى السعة بالتعاون وسألتهم أكثر عن نوعية مشكلاتهم التي يعاني منها أهالي القرية بغرض خدمتهم طبعا فأهالي القرية يعزون علينا كثيرا، فجاء الجواب بأن القرية على رغم كثافتها السكانية التي تتجاوز الـ10000 نسمة، تفتقد إلى وجود مبنى أو منشأة يطلق عليها «مدرسة» سواء ابتدائية أو إعدادية أو ثانوية، تخيلوا يا جماعة الجفاء والحرمان في أبشع صوره، وكأن القرية وطلابها ليست على خريطة وزارة التربية والتعليم بل ليست على الخريطة الجغرافية للبحرين، فجميع الطلاب والطالبات من جميع المراحل التعليمية، يضطرون في الصباح الباكر أن يغادروا قريتهم إلى القرى والمدن المجاورة من أجل الحصول على التعليم ومواصلة الدراسة، ولكم أن تتخيلوا بأن الطالب/ الطالبة في الصف الأول الابتدائي ذا الستّ سنوات عليه أن يودّع سريره من الليل وقبل أن تشرق الشمس؛ ليضمن عدم هروب الباص عنه، لأنه باختصار شديد لن يجد البديل لإيصاله إلى المدرسة.

وهكذا، كتب على أهالي المالكية أن يذوقوا ألوان التهميش والإقصاء والحرمان، وبالتالي ألوان من الشقاء والألم.

قد يكون المشهد أكثر تعقيدا عندما نتذكر بأن الطلاب/ الطالبات في المرحلتين الإعدادية والثانوية ليس أقل قتامة بل أشدها، ولكم أن تتخيلوا بأن الطالبة التي هي في المرحلة الثانوية الحرجة، إذا هرب عنها الباص، ليس أمامها من خيارات سوى المشي على أقدامها مارة على كل القرى المحيطة بقريتها حتى تصل إلى بيتها بالسلامة، أو عليها أن تضطر أن تركب مع أول سيارة قد تقف لمساعدتها، وفيها مجازفة كبيرة جدا على سلامتها وشرفها، فالذئاب البشرية والقصص الغريبة التي بتنا نصحو على إيقاعها، تجعلنا نخاف على بناتنا اليوم أكثر من أي يوم مضى.

وبالتالي لا بد لنا من جديد إعادة النظر في خريطة المدارس بجميع مراحلها، وتوزيعها، وحتى لا نكون قد بالغنا في الطرح، طرحت مجموعة أسئلة على بعض الأهالي فوجدت أنه يوجد طالب واحد على الأقل في كل بيت يحتاج إلى أن يكون أحد هؤلاء الذين يفارقون قريتهم ويتجولون في قرى البحرين ذهابا وإيابا بل إن العدد قد يزيد على خمسة في بعض الأسر.

وإن نسبة وجود بديل لأهالي القرية للاستغناء عن الاستفادة من المواصلات التي توفرها الوزارة، هي صفر في أكثر الأسر ولا ترتفع كثيرا في الأسر الأخرى، إذ إن المستوى الاقتصادي لغالبية الأسر في القرية ضعيف جدا، ويعتمدون بالدرجة الأساسية على البحر، ومع ذلك هناك الكثير من المتفوقين والمتميزين من طلاب القرية فهناك الطبيب والمهندس والمعلم وغيرها من المهن، التي يستدل من خلالها على رغبة أهالي المالكية في مواصلة تعليمهم الجامعي بل إن البعض يواصل دراساته العليا أيضا.

أهالي القرية أيضا يتساءلون ويقولون ألسنا كقرية أقدم من أي مدينة أخرى تم إنشاؤها؟ ومع ذلك نجد الخدمات التعليمية وغيرها من خدمات أخرى متوافرة في المدن، ونحن نعد من القرى المنسيّة، المحرومة من الخدمات التنموية، على رغم مساهماتهم في التنمية ودفع عجلتها إلى الأمام ودفع عجلة الإصلاح السياسي إلى الأمام فهناك ممثل نيابي وشوري لهم من القرية وأيضا عضو بلدي، وحريٌّ بالحكومة أن تلتفت إلى أهم القضايا والمشكلات التي يعاني أهالي القرية منها، فالمطالبة بوجود مدارس في قريتهم لا يعد بدعة، ولهم الحقّ في المطالبة به. وأهالي القرية بدورهم يؤكدون أن الاستجابة وحدها لا تكفي فقد تأخرنا كثيرا، وأصبحوا متخلفين، فقد عرضوا أعراض بناتهم وأولادهم إلى الخطر، و عرضوا طفولة أطفالهم إلى البهدلة والشقاء، حتى بدأت مشاعر غريبة تطرأ على عقولهم ونفسياتهم فلم يعودوا يحبون ويشتاقون إلى المدرسة كما كان سابقا لأنهم، يشعرون بالتّعب والإعياء وهم يكرّرون يومهم وأمسهم وغدهم، فهل من التِفَاتَة كريمة لقرية المالكية؟

بعد أن سلط الإعلام على القرية وعلى قضايا سورهم المنيع وحظورهم المزروعة في حضن بحرهم؟ وبعد التدخلات الملكية التي أعادت الأمور إلى نصابها بحكمتها البالغة؟ وبدأت الناس تعرف أكثر عن المالكية فهل لوزارة التربية أن تعيد قراءة خريطتها التعليمية بشكل يتواءم مع حقّ أهالي المالكية في إيجاد مدارس لهم في قريتهم بدلا من النزوح إلى القرى الأخرى بالتحديات التي يتكلمون عنها؟ أم على طلاب المستقبل أن يشربوا من الكأس نفسها؟

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1931 - الأربعاء 19 ديسمبر 2007م الموافق 09 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً