العدد 1934 - السبت 22 ديسمبر 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1428هـ

الرسائل الأساسية الموجّهة إلى صنّاع القرار (8)

قراءة في تقرير «جيو 4»

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

يقدّم تقرير جيو 4 عدد من الرسائل المهمّة الموجّهة لصنّاع القرارفي دول العالم لتعزيز زيادة الفهم والتفهم للقضايا البيئية التي يمر بها العالم ودولهم، وللحث والمساعدة في صنع السياسات التي من شأنها تفادي التأثيرات البيئية على شعوبهم والعالم أجمع وزيادة مستوى التكيف معها.

وقد تكون أهم رسالة يراد توصيلها لصنّاع القرارهي عنوان التقرير نفسه، “البيئة من أجل التنمية”، للتأكيد على دور البيئة الحيوي والأساس في خدمة التنمية، وبأن البشرية تعتمد بشكل رئيس على الموارد البيئية والطبيعية لتحقيق التنمية ورفاهية الإنسان، وبأنّ هذه الموارد، مقارنة بالمواد المالية والمادية والبشرية، هي أساس معظم ثروة دول العالم، وبأنّ التغير البيئي يمكن أنْ يؤثر على أمن الناس وصحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية واحتياجاتهم المادية ويعرضها للخطر.

ويشير التقرير إلى حدوث تغيرات بيئية غير مسبوقة على الصعيدين العالمي والإقليمي، فدرجة حرارة سطح الأرض آخذة في الازدياد كما تبيّن من الرصد المستمر طويل الأمد للمتوسط العالمي لدرجة حرارة الهواء والمحيطات، وذوبان الجليد والثلوج على نطاق واسع، وارتفاع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر، وهناك تأثيرات رئيسية أخرى أصبحت حقائق وهي تناقص توافر المياه العذبة، وتدهور الأراضي، وتناقص الأمن الغذائي، وفقدان التنوّع البيولوجي.

ويرى التقرير أنه من المتوقع أن تؤدي ظاهرة تغير المناخ العالمي، وتبعاتها المتوقعة في زيادة مدى تواتر وشدة موجات الحرارة، والأعاصير، والفيضانات، وحالات الجفاف، إلى تأثيرات هائلة على ملايين كثيرة من البشر، من بينهم أولئك الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة. وفي حين تم رصد زيادة في المتوسط العالمي لدرجات الحرارة في القرن المنصرم بمقدار 0.74 درجة مئوية، يشير أفضل تقدير للهيئة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC) فيما يتعلق بالإحترار الإضافي على مدى القرن الحالي إلى أن هذا الإحترار سيتراوح من 1.8 درجة مئوية إلى 4.0 درجات مئوية، وقد يؤدّي تغير المناخ إلى زيادة تفاقم فقدان التنوّع البيولوجي وتدهورالأراضي والتربة والغابات والمياه العذبة والمحيطات.

ويشير التقرير إلى موت أكثر من مليوني شخص على صعيد العالم قبل الأوان كل عام، نتيجة لتلوث الهواء الخارجي والداخلي، ومع أنّ تلوث الهواء قد أنخفض في بعض مدن العالم نتيجة للتدابير التكنولوجية وسياسات الحد من التلوث الهوائي التي تم تطبيقها في هذه المدن، فإنّ هناك الكثير من المدن التي تزايدت فيها هذه الانبعاثات بشكل عالٍ جدا، ما زاد من التحديات التي تواجهها هذه المدن. وبالإضافة لذلك، يشكل تلوث الهواء الداخلي نتيجة لحرق أنواع وقود الكتلة الحيوية الصلبة بطريقة غير صحيحة خصوصا في المناطق الريفية، عبئا صحيا هائلا على الكثير من الدول.

ومن التغيرات البيئية الأخرى يشار إلى أنّ حجم “الثقب” الموجود في طبقة الأوزون الستراتوسفيرية فوق القطب الجنوبي، وهي الطبقة التي تحمي الناس من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، أصبح أكبر مما كان عليه في أي وقت من قبل. ونتيجة للجهد العالمي المشترك لخفض إنبعاثات المواد المستنفدة للأوزون، ومع افتراض الامتثال التام لأحكام بروتوكول مونتريال، فإنّه من المتوقع أنْ تعود طبقة الأوزون إلى سابق عهدها، ولكن ليس قبل الفترة ما بين العام 2060 والعام 2075 نتيجة لوجود فارق زمني طويل بين الأفعال والاستجابة.

ويخلص التقرير إلى أن استخدام الأراضي بطرق غير قابلة للاستدامة، بجانب تغير المناخ، يؤدي إلى زيادة تدهور الأراضي، بما يشمل نحت التربة، واستنفاد المغذيات، وشحة المياه، والملوحة، والتصحر، وحدوث اختلال في الدورات البيولوجية. ويعاني الفقراء معاناة غير متناسبة من جراء تأثيرات تدهور الأراضي، وخاصة في المناطق الجافة، التي يسكن فيها حوالي ملياري نسمة من سكان العالم، 90 في المئة منهم يعيشون في بلدان نامية.

أمّا بالنسبة للمياه العذبة فيشير التقرير إلى الانخفاض العالمي المستمر لما هو متوافر لكلّ فرد من المياه العذبة، وبأن المياه الملوثة ما زالت تمثل أكبر سبب بيئي منفرد للإصابة بالمرض وللوفاة بين البشر. وفي حالة استمرار الاتجاهات الحالية، سيعيش 1.8 مليار شخص في بلدان أو مناطق تعاني من شحة مطلقة في المياه بحلول العام 2025، وقد يتعرض ثلثا سكان العالم لأزمة مياه، وسيؤثر التدني في كمية ونوعية المياه السطحية والجوفية بشكل كبير على سلامة النظم الإيكولوجية المائية وعلى خدماتها الهامة التي تقدمها للمجتمعات البشرية.

كما يبين التقرير أن النظم الإيكولوجية المائية تتعرض لاستغلال واستنزاف شديدين، ما يعرّض للخطر استدامة الإمدادات الغذائية والتنوّع البيولوجي، فصيد الأسماك البحرية وأسماك المياه العذبة يشهد انخفاض مستمر وعلى نطاق واسع في مناطق العالم، تنجم في معظمها عن الإفراط المستمر في الصيد. ويبين أن الغالبية العظمى من الأنواع التي تمت دراستها بشكل جيد آخذه في التدني من حيث توزيعها ووفرتها، أو من حيث كليهما. وعلى رغم أنّ معدل التدني في مساحة الغابات في المناطق المعتدلة قد انحسر، إذ بلغ المعدل السنوي 30 ألف كيلومتر مربع خلال الفترة ما بين العام 1990 والعام 2005، استمرت إزالة الغابات في المناطق الاستوائية بمعدلات سنوية عالية جدا بلغت 130 ألف كيلومتر مربع أثناء الفترة نفسها، ومع هذا التدني في مساحة الغابات أصبح أكثر من 16 ألف نوع مهددا بالانقراض.

وبعد استعراض أهم التغييرات البيئية التي يمر بها العالم وأقاليمه المختلفة، يؤكّد التقريرعلى أنّ هذه التغيرات غير المسبوقة ترجع بالأساس إلى الأنشطة البشرية يحركها الزيادة في عدد سكان الأرض والعولمة المتمثلة في زيادة تدفقات السلع والخدمات ورأس المال والناس والتكنولوجيا والمعلومات والأفكار والأيدى العاملة.

يستكمل المقال القادم الرسائل الأساسية التي يوجهها التقرير لصنّاع القرار.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1934 - السبت 22 ديسمبر 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً